(منقَّحة عن مقالة نُشرت تحت عنوان “هل يتهاوى العالم أمام ناظرينا؟” في مدوَّنة يسوع مخلِّص العالم- بتاريخ 9-8- 2010)
يعجّ العالم من حولنا بأحداث جسيمة من حروبٍ واقتتالات، فساد، إدمان، زلازل وفيضانات. كلّها تحدث من حولنا، وأعيننا تراقبها باعتيادٍ وخمول. ولا عجب!
لقد وُلدنا أمام شاشات التلفزة، فاعتدنا على مشاهد الدماء والدمار والخراب. وأصبح من البديهي أن نشاهد الأطفال يموتون جوعاً، والأمهات يولولون على فقدان أحبتهم، والشيوخ يتسمّرون بذهول أمام الأنقاض والركام، والفيضانات تجرف الألوف، والزلازل تقتل عشرات الآلاف.
وُلدنا في وسط المستنقع فلم نعد نرى ونشمّ سوى رائحة المياه الآسنة. واقتنعنا بأنّ هذه المناظر هي من عبث الزمان، عشوائية وبدون هدف.
قبل سنوات قليلة، تسونامي في آسيا يودي بحياة ربع مليون شخص، وبعده زلزال في هاييتي لم يقل تدميراً عما سبق. وما بينهما وما قبلهما وبعدهما حصلت كوارث مرعبة أصبحنا نراقبها بملل وكأنها أمورٌ اعتيادية.
ماذا لو ارتفعنا فوق الأحداث، ونظرنا إليها ككلّ واحد، واستوعبناها ضمن السياق الذي يجب أن توضَع فيه؟
هل يتهاوى العالم أمام أعيننا؟ لماذا تتضاعف مصائب البشر رغم كل التطور والتقدم المزعومين في مختلف الميادين؟
لقد وبّخ الرب يسوع الفريسيين والصدّوقيين لأنهم أظلموا قلوبهم، وأعموا عيونهم عن رؤية الحقيقة وعلامات الأزمنة المحدِّدة لمجيء المخلِّص واقتراب ملكوت الله، حيث قال لهم:
“…إذا كان المساء قلتم صحو لأن السماء محمرّة، وفي الصباح اليوم شتاء لأن السماء محمرّة بعبوسة. يا مراؤون تعرفون أن تميّزوا وجه السماء، وأما علامات الأزمنة فلا تستطيعون.” (متى 16: 2و3)
يتصل عدم تمييز الأزمنة بالرّياء في نظر الرب يسوع المسيح، فالإنسان يستمرّ في ادّعائه بأنه الحكيم وذو الفراسة والمسيطر على كل ما حوله من طبيعة وحيوان ونبات، وهو غير عالمٍ بأنه لا يملك من أمر نفسه وما حوله إلا النذر اليسير. كما أن المؤمنين المسيحيين معرَّضون للسقوط في فخّ ادّعاء المعرفة الكاملة بكلمة الله، ولكنهم في ذات الوقت قد يعرِضون عن دراسة النبوءات التي تظهِر عظمة سيادة الرب على العالم والتاريخ والأمم.
الإنسان اليوم بلغ أشد مستويات كبريائه المتعالي فظن أنه الإله المسيطر على مجريات الأمور، فرفض ربّ هذا الكون. توبيخ الرب يسوع ما زال ينطبق وبشكل تام على إنسان اليوم، وعلى كل من يترك المعرفة الحقيقية هاجراً إيّاها إلى مواطن العلم الزائف والمعرفة الظاهرية الثانوية، التي لا تخدم في كثيرٍ من أشكالها إلا ترفه الفاحش وبذخه الباهظ. فها هو الإنسان قد غزا الكواكب في حين أنه يتفرّج على كوكبه الرائع يتآكل ويموت أمام عينيه.
يجب علينا كمسيحيين أن ننظر إلى كل ما يجري في العالم بعين النبوّة والحكمة الإلهية. فقد قال الرب يسوع :
“فإذا سمعتم بحروب وقلاقل فلا تجزعوا لأنه لا بد أن يكون هذا أولا.ً ولكن لا يكون المنتهى سريعا. ثم قال لهم تقوم أمة على أمة ومملكة على مملكة، وتكون زلازل عظيمة في أماكن ومجاعات وأوبئة. وتكون مخاوف وعلامات عظيمة من السماء. وقبل هذا كله يلقون أيديهم عليكم ويطردونكم ويسلمونكم الى مجامع وسجون وتساقون أمام ملوك وولاة لأجل اسمي.” (لوقا 21: 9-12)
إنّ الحروب والأوبئة وغيرها من الكوارث موجودة منذ بداية التاريخ، ولكن الحروب الكونية لم توجد إلا في عصرنا هذا، والرب يسوع يقول أن المنتهى لن يكون سريعاً عندما سنرى هذه الأمور، ولكنها من دون أدنى شك من العلامات المهمة. كما أن تكرار هذه الأحداث جميعها واعتيادنا على مرآها، لا ينبغي أن يسمح بدخول الشكّ إلى قلوبنا بأنّ الفوضى هي من يحكم الكون. فـ”للرب الأرض وملؤها، المسكونة وكل الساكنين فيها” (مزمور24: 1)، وكلّ الأحداث الجارية لا تخرج عن السياق العامّ المُفضي إلى النهاية الحتمية للتاريخ كما نعرفه، ومجيء الرب يسوع المسيح ليؤسس ملكوته المنتَظَر (مزمور72: 8و11). فهل ما نراه اليوم من حروب ودموية وجريمة منظَّمة وفجور وظلم لم يشهد العالم مثيلاً له من قبل، وفساد أصبح يهاجم البيوت والعقول والقلوب الآمنة، هي أمور عادية؟! أليس خطيراً وذا أهمية ما نشهده من فرض لنظمٍ حياتية ومناهج عملٍ تسيطر على حياة الأفراد، موهمةً إياهم بأنهم يعلمون ويعرفون أكثر من أسلافهم، وأنهم سادة عصر العلم والمعرفة، في حين أنها تستعبدهم وتحنّطهم في صناديق جهل الذات ونكران أي حقيقة، مبعدةً إياهم عن كل ما هو أصيل وحقيقي لتصنع منهم خدّاماً وآلاتٍ صغيرة في آلة الإنتاج المحموم الكبرى العديمة الهدف؟
إن ما نشهده من حروب وزلازل وفيضانات وظواهر شمسية وكونية هي مبتدأ الأوجاع (متى 24: 8 ) وعلى المؤمنين أن يعوا جيداً أن لا شيء مما يحدث في العالم يحدث على سبيل الصدفة، وأن لا ظواهر طبيعية أو بشرية خارجة عن المسيرة الإلهية التي يسيطر عليها خالق هذا الكون وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته، الرب يسوع المسيح ابن الله السرمدي وكلمة الله المحيية.
على الكنيسة أن تعود بقوة لتتحدث عن مجيء الرب، وألا تتحدث فقط، بل تفعل، وتسلك يومياً بحسب ما تؤمن به.