مزمورُ آخرِ الشُّهود


مزمورُ آخِر الشُّهود

مزمورٌ ليهوحَنان

بقلم فادي أبو ديب

 

فقط لو تخبريني يا أشجار جثسيماني بماذا نطق ربّي! لو تخبريني يا صخرة الصلاة كم ارتجفت يداه وهو يصلّي. يا تراب الأرض أخبرني كم قطرة عرق ممزوجة  بالدمِ النازف من جبينه  جُبِلت فيك وهو يبكي. تركتك يا معلِّم عندما كنتَ وحيداً. لم أقدر أن أسهر ساعةً معك لأواسيك عندما كنتَ حزين النفس حتّى الموتِ، جريحاً. لم أفهم ماذا كنتَ مزمعاً أن تفعل.الآن علمت، الآن علمتُ يا ربّي، ولكني لا أعلم الآن ما أنا مزمعٌ أن أفعل! آخر الكلّ أنا. بعضهم قُتِلوا، بعضهم خانوا، وبعضهم في العالم هانئين، لا يدركون أن العالم غربةٌ فيها الألم والقهر والظلم قد تمادى واستفحل. لماذا كالسِّقط تركتني أعاني. ذكراك حيّة ولكنها صارت بعيدة. كالظلال أذكر جروحاتك النازفة وعيني أمّك الكليمة. الآن أدرك معنى كلّ حرفٍ تفوّهت فيه. كلّ غضبٍ حزين، كلّ لحظة صمتٍ وانت محتارٌ كيف ستعلِّمنا مبادئ الملكوت الذي أردت لقلوبنا وأشواقنا وأرواحنا أن تعشقه وترتئيه.

سامحني لأني كنت غليظ القلب يا ربّوني. لا تتركني وحيداً في العالم. كلّهم ذهبوا! كلّهم سقطوا! تعال قبل أن تتخلَّع الرُّكب. تعال قبل أن تتلاشى آخر الصُّوَر، ويزول ما بقي من عبق رائحة الخبز في ليلة عشائك الأخير.

أنا لستُ أنت. أنا عاجزٌ عن إكمال الطريق وحيداً بدونك. تعال يا ربّ تعال! أفنِ الشرّ يا ابن العليّ. تعال لتسترد المسكونة وتحكمها. تعال لتُريَ الملوك والأمم قصدك الأزلي لآدم وابن آدم. ليكن ملكوتك من البحر إلى البحر، ومن النهر إلى أقاصي الأرض. “الكلّ زاغوا وفسدوا معاً”. قليلون  يريدون الحياة الحقّة. قليلون يفهمون كلمات روحك الحرّة، والكثرة تخاف أن تفهمك لئلّا يدركون أن الحياة هنا ثقيلةٌ، ظالمة ومُرّة. سأتّكئ على صدرك يا معلِّمي وأهمس لك باعترافي. لا أريد للبقيّة أن يسمعوا كم هي قسوة اختباري. كلّما أعرفك أكثر أكتشف زيف الكلام والمعاني. كلّما فهمتُ حقّك المحرِّر أصير كمنبهرٍ برؤىً من السماء. أصير كجاهلِ أحمقَ وتضمحلّ كل مطامعي، أو كما يسمّونها “طموحاتي”.

تعال يا عمّانوئيل فقد فُقِد الانسجام مع معايير هذا العالم. ألم تعلّمنا سنّتك، يا مَن به صار كلّ شيء، أنّ الوردة لا تعيش في النار، وأن الأحرار لا يستطيعون السُّكنى في مضارب المستهزئين والأشرار؟ وهل يمكن لمن سكن في هيكل يهوه أن يعود ليسكن في قصور لوسيفر إله الدّمار؟

تعال أيها الملك العظيم! اضرب بسيف فمك كلّ الشرّ والظُّلم والسَّحق، وليأتِ ملكوتك ويكون في الأرض كما هو دوماً في السماوات.

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.