بقلم فادي أبو ديب
لم يمضِ الشهر الأول من سنة 2011 حتى كانت منطقة الشرق الأوسط والشمال الأفريقي عرضةً لتغيّرات جذرية، ويبدو أن القادم أعظم وسيكون أكثر مفاجأةً. سقوطٌ مفاجئ للنظام التونسي، مظاهرات مليونية في مصر مع حدوث أعمال نهب وسلب وتخريب، انفصال الجنوب السوداني، أخبار عن مظاهرات غاضبة قادمة في العديد من البلدان منها الجزائر. ولا ندري ما الآتي! كل هذه الأحداث حدثت في فترة تقلّ عن الشهر الواحد بطريقة تنبئ عن تغيير قادم لوجه المنطقة بطريقة لم تُعرَف ولم تُتوقَّع من قبل.
كما أشرت في مقالات سابقة، فإنّه لا يمكننا كمسيحيين مؤمنين بالكتاب المقدَّس أن ننظر إلى الأحداث الكبرى في هذا العالم على أنّها مجرَّد أحداث فوضوية ذات مسبِّبات آنية. والكتاب المقدَّس يخبرنا عن كثير من الأحداث التي سنأتي على الحديث عنها مستقبلاً. واحدة من هذه الأمور التي يتحدَّث عنها الكتاب المقدَّس بصورة واضحة هي حرب جوج (وتعني الحاكم) رئيس أرض ماجوج التي ستحدث في منطقة الشرق الأوسط. وسنتحدّث الآن عن أحد حلفاء هذا الرئيس والقائد العسكري، وهو فوط.
تذكر دائرة المعارف الكتابية بأنّ “فوط” هو اسم عبري معناه “قوس”. وفوط هو الابن الثالث لحام بن نوح (تك10: 6)، وهو أخو كنعان ومصرايم (جد المصريين)، وكوش (جد الأفارقة ويدلّ عادةً على منطقة السودان وأثيوبيا). وتتابع هذه الموسوعة بأن فوط “اسم شعب (لعلهم نسل فوط …)، والأرجح أنهم سكنوا ما يعرف بليبيا الآن، وإن كان البعض يقولون إنهم سكان بلاد البونت التي كانت تقع على الساحل الشمالي الشرقي لأفريقية، ولعلها الصومال حالياً. وذِكر فوط مع مصر وكوش وكنعان، واستخدام الاسم في أسفار العهد القديم، يجعل من الأرجح أيضاً أنهم سكنوا الشمال الأفريقي على ساحل البحر المتوسط، غربي مصر…”. كما يقول د.ديفيد جيريمايا David Jeremiah بأنّه “ليس هناك أيّ غموض حول الهوية الحاضرة لهذه الأمّة، لأنّ الخرائط القديمة تبيِّن بأن المنطقة التي تسكنها أمّة فوط في أيام حزقيال هي دولة ليبيا الحالية” [1] وتشير موسوعة ويكيبيديا Wikipedia، مقتبسةً من الرّوائي الأمريكي جويل روزينيرغ Joel Rosenberg، إلى أن هذه المنطقة من المحتمل أن تشمل تونس والجزائر أيضاً [2]. وبشكل عام تتفق كثير من المراجع على أن “فوط” تشمل كل بلاد المغرب العربي.
يتحدَّث الكتاب المقدَّس عن هذه الحرب بشكل مفصَّل طوال الفصلين 38و39 من سفر النبي حزقيال. ومن خلال قراءة هذين الفصلين نستطيع أن نتبيَّن أن لغة النص، ورغم استخدامها للغة الحرب القديمة من أحصنة وتروس وسيوف وغيرها، إلّا أنها لا تترك أيّ مجالٍ للظنّ بأنها وصف مجازي لحرب روحية أو أيّ شيء من هذا القبيل. وأي تفسير مجازي لهذه النصوص سوف يتجاوز العديد من الأعداد الكتابية والتفاصيل الدقيقة المذكورة، ليصل إلى نتيجة بعيدة كل البعد عن معنى النص، ويمكن للتفسير المجازي أيضاً أن ينتج عشرات التفاسير المتناقضة، بسبب عدم وجود قاعدة ثابتة تحكمه، وإنما تصبح المخيِّلة والميول والاعتقادات الشخصية هي الحَكَم. وفي أحسن الأحوال فإنه سيصل لنتيجة مبهمة ومفتوحة ومطّاطة جدّاًً. (وأيضاً سنتعرّض في المستقبل لأمثلة عن فشل التفسيرات المجازية لهذه النصوص). كما أنّه لا يمكن القول بأنّ هذه التفاصيل تتحدَّث عن حدثٍ ماضٍ، فالتاريخ ليس فيه أي حربٍ شبيهة في هذه المنطقة، لا من حيث الوصف ولا المشاركين فيها ونتيجتها النهائية كما نراها في هذه النصوص. وعموماً فإننا سوف نتحدّث عن هذا في مقالة لاحقة، لنبيِّن أنّ هذه الحرب ستحدث في آخر الأزمنة.
يقول النبي حزقيال:
وكان إليّ كلام الرب قائلاً: “يا ابن آدم اجعل وجهك على جوج [حاكم] أرض ماجوج رئيس روش ماشك وتوبال وتنبّأ عليه، وقل ‘هكذا قال السيّد الرب هأنذا عليك يا جوج رئيس روش ماشك وتوبال. وأرجِعك، وأضع شكائم في فكّيك، وأخرجك أنت وكلّ جيشك، خيلاً وفرساناً كلّهم، لابسين أفخر لباس، جماعةً عظيمةً مع أتراس ومجانّ كلّهم ممسكين السيوف. 5 فارس وكوش وفوط معهم كلّهم بمجنّ وخوذة. 6 وجومر وكلّ جيوشه وبيت توجرمة من أقاصي الشمال مع كل جيشه شعوباً كثيرين معك.’” (حزقيال38: 1-6)
إذاً يتحدَّث النصّ السابق عن مجموعة من الشعوب ستأتي في آخر الأزمنة (كما هو واضح إن تابعنا قراءة باقي الفصل) للحرب في منطقة الشرق الأوسط. ومن بين كلّ هذه الأمم، نقرأ اسم “فوط”، والذي بيّنا معناه في بداية المقالة.
علاقة الأحداث الحالية:
لو بحثنا عن كل الأمم السابقة الذِّكر، فارس(إيران)، ماشك وتوبال وتوجرمة وجومر (أجزاء في آسيا الصغرى شكّلت تركيّا الحالية)، سنجد بأنها الآن متحالفة فعلياً مع بعضها البعض، أو في طريقها إلى التحالف تدريجياً. وفوط هي تلك المنطقة التي تشهد تغيّرات كبيرة حالياً، ويبدو أنها مرشَّحة لكثير من التغيُّرات اللاحقة. فبعد أحداث تونس السريعة والمفاجئة والدراماتيكية، لا يمكن أن نستبعد أن تنقلب الموازين في أية لحظة. هذا إذا لم ننسَ السودان (كوش) وانفصال جنوبه وإعلان شماله نيّته تطبيق نظامٍ إسلاميٍّ صارم.
من يدرس قليلاً عن تاريخ منطقة المغرب العربي وتونس على وجه الخصوص، يعلم أن الإسلاميين في ذلك البلد قد تعرّضوا لقمع شديد منذ أيّام حكم الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة، ومن ثم خَلَفه الرئيس السابق زين العابدين بن علي. فقد تمت مراقبة المساجد والخُطَب، ومُنِع الحجاب أو تم التضييق عليه، وتم تضييق الخناق على الأحزاب الإسلامية، بالإضافة إلى سجن ونفي قياداتها وتعريضهم للتعذيب والقتل. لذلك فمن المرجَّح جداً بعد سقوط النظام التونسي أن تحدث ردّة فعل كبيرة وخطيرة بين أتباع الأحزاب والحركات الإسلامية، وهذا ما تتحدَّث عنه وسائل الإعلام حالياً من نهوض جديد للحركات الإسلامية، التي لا بدّ أنها ستحاول تعويض ما فقدته عبر السنين، ولا عجب أن يصل بعضهم للحكم بعد فترةٍ معيَّنة، كما حدث في تركيا مثلاً. وليس من المستغرب أيضاً أن يبدأ الأمر بوصول إسلاميين “معتدلين” في البداية كما حدث في تركيا، مما يهيِّئ تربة فكرية وأيديولوجية تسمح بوصول من هم أكثر تشدُّداً وتطرُّفاً في وقتٍ لاحق.
والأمر في الجزائر لا يختلف كثيراً، فبعد انتخابات بداية التسعينيات من القرن اللماضي، التي شهدت تزويراً بعد فوز الإسلاميين. تعرَّضت البلاد لموجةٍ من العنف الدموي لأكثر من عقدٍ كامل، وما زالت آثارها حتى الآن بادية في البلاد، وتظهر على واجهة الأحداث من حينٍ لآخر. وخصوصاً بعد الدعوات التي سمعناها لتكرار التجربة التونسية. وربّما نستطيع أن نتخيّل مشهد تحالفٍ ليبيّ-تونسيّ-جزائري، في حال وصلت قيادات إسلامية إلى الحكم في كل من تونس والجزائر، مع العلم ان الحكم في ليبيا هو نظام عسكري ذو ميولٍ إسلامية واضحة، وربّما يأتي بعده نظام أكثر تشدُّداً تماشياً مع موجة التطرُّف التي تسود المنطقة والعالم. أي أنّه من المحتمل أن نرى “فوط” من جديد كمنطقة ذات توجُّه فكري واحد واضح، أو على الأقلّ يمكننا أن نرى إرهاصات لهذا الموضوع. فظهور حكومات إسلامية هو الرابط الوحيد الذي يمكِّن بلدان هذه المنطقة من الاقتراب من بعضها، بعد عقود من الاختلاف التام في التوجُّهات وأنظمة الحكم. ولنا في التقارب بين بعض حكومات منطقة الشرق الأوسط والحكومة الإسلامية التركية، بعد سنوات من التوتّر والتنافر، خير مثالٍ على هذا. والمثال الإيراني- التركي أيضاً حاضر وهو يتطوّر تدريجياً، بعد قرون من التوتّر والعداء الشديدين.
كما قلنا في غير مرّة فإننا كمسيحيين لا يمكن لنا أن ننظر إلى الأحداث بعين المراقب العاديّ. وحياتنا المسيحية الروحية لا تنفي، ولا يمكن أن تنفي، دعوة الكتاب المقدَّس والرب يسوع المسيح إلى معرفة علامات الأزمنة (متى16: 3، متى24) والسعي لإحراز بصيرة جيّدة حول ما يحدث في العالم. فنحن مدعوون للاستفادة من الامتياز العظيم الذي يقدِّمه لنا الرب يسوع المسيح ، والذي نراه يخبر يوحنّا الرسول في الرؤيا بإعلانه الباهر ليري عبيده ما ينبغي أن يكون (رؤيا1: 1). فهذه عادة الرب الذي يعلن لأبنائه عن أغراضه ومقاصده في هذا العالم المتمرِّد.
في النهاية نسأل، ماذا لو كانت كلّ هذه الأحداث هي بداية النهوض الأخير لفوط؟ وهل تنظر الكنيسة إلى ما يحدث بعين النبوءة؟ أم أنّها منشغلة بأمورٍ أخرى، وتراقب الأحداث كأيّ متفرِّج عادي لا يدرك معنى السيادة الإلهية وخطّة الربّ في التاريخ؟
الهوامش:
[1] David Jeremiah, What in The World Is Going On?. P.170
[2]http://en.wikipedia.org/wiki/War_of_Ezekiel_38%E2%80%9339
(last modified on 27 January 2011 at 22:21)