ليبيا: الطريق نحو فوط؟



بقلم فادي أبو ديب


 

بسرعة هائلة لم تكن تخطر على بال أشد المتفائلين “جنوناً” بإمكانية التغيير في المنطقة العربية والشرق أوسطية، اجتاحت الثورات العديد من البلدان، مطيحةً بأنظمة بلدانٍ مثل تونس ومصر، ومزعزعةً الاستقرار في بلدان عدّة مثل الجزائر والمغرب والبحرين وإيران. وها هي ليبيا البلد الأحدث في قائمة الثورات، ولا ريب أن حصيلتها حتى الآن هي الأكثر دمويةً بفضل القمع الوحشي الذي يمارسه النظام ضد الثورة الشعبية الحاصلة.

شهران لم ينتهيا بعد منذ بداية هذا العام، 2011، وكل هذه الأحداث حصلت، ولا ريب في أن الآتي أعظم. شهران مرّا، وكأنّ قوّة خفيّة قد أعلنت ساعة الصفر لتغيير وجه التاريخ والعالم انطلاقاً من أكثر مناطق العالم حساسيةً على الإطلاق على كافة الصُّعُد السياسية والدينية والاقتصادية (النفطية). من المؤكَّد بأنّ هناك عدّة عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية أدّت لحدوث هذه الثورات. ولكنّ عين المراقب المسيحي العارف بكلمة الرب في الكتاب المقدَّس لا يمكن لها إلا أن ترى يد الرب الإله تعمل في التاريخ ومن خلال احداثه لتوجيه الدفّة نحو نهايته المحتومة ومجيء الرب يسوع المسيح ملك الملوك ورب الأرباب الذي “سلطانه سلطانٌ أبديّ ما لن يزول، وملكوته ما لا ينقرض” (دانيال7: 13-14).

أوردت في مقالة سابقة بعنوان “تونس: هل هي بداية النهوض الأخير لفوط؟” رؤية الكتاب المقدَّس في الفصل38 من سفر حزقيال النبي لأحداث الأيام الأخيرة المختصة بحرب جوج وماجوج، حيث تصرِّح بداية هذا الفصل:

“وكان إليّ كلام الرب قائلاً: “يا ابن آدم اجعل وجهك على جوج [حاكم] أرض ماجوج رئيس روش ماشك وتوبال وتنبّأ عليه، وقل ‘هكذا قال السيّد الرب هأنذا عليك يا جوج رئيس روش ماشك وتوبال. وأرجِعك، وأضع شكائم في فكّيك، وأخرجك أنت وكلّ جيشك، خيلاً وفرساناً كلّهم، لابسين أفخر لباس، جماعةً عظيمةً مع أتراس ومجانّ كلّهم ممسكين السيوف.  فارس وكوش وفوط معهم كلّهم بمجنّ وخوذة.  وجومر وكلّ جيوشه وبيت توجرمة من أقاصي الشمال مع كل جيشه شعوباً كثيرين معك…بعد أيّام كثيرة تُفتَقَد. في السنين الأخيرة تأتي إلى الأرض المستردّة من السيف، المجموعة من شعوب كثيرة على جبال إسرائيل، للذين أُخرجوا من الشعوب وسكنوا آمنين كلّهم.”(حزقيال38: 1-6، 8)

اكتمال هذه النبوءة تحتاج إلى عدة عناصر، أحدها عودة فوط كمنطقة قوية قادرة. وفي السطور التالية المقتَبَسة من المقالة السابقة نعرِّف ما هي فوط:

يقول د.ديفيد جيريمايا David Jeremiah بأنّه “ليس هناك أيّ غموض حول الهوية الحاضرة لهذه الأمّة، لأنّ الخرائط القديمة تبيِّن بأن المنطقة التي تسكنها أمّة فوط في أيام حزقيال هي دولة ليبيا الحالية .وتشير موسوعة ويكيبيديا Wikipedia، مقتبسةً من الرّوائي الأمريكي جويل روزينيرغ Joel Rosenberg، إلى أن هذه المنطقة من المحتمل أن تشمل تونس والجزائر أيضاً . وبشكل عام تتفق كثير من المراجع على أن “فوط” تشمل كل بلاد المغرب العربي.

إنّ ما يحصل في بلاد المغرب العربي يشير إلى احتمال انّ كل أنظمة تلك المنطقة ستسقط واحدةً تلو الأخرى. اولاً تونس، ثم ليبيا التي أصبح نظامها بحكم الزائل، ومن بعدهما الجزائر والمغرب التي بدأت فيها المظاهرات والثورات، والتي حتى لو لم تسقط انظمتها، فإنها بلا شك ستجد نفسها مدفوعةً لإحداث إصلاحاتٍ تشرِك فيها الأحزاب الدينية المتشدِّدة، مما قد يمهِّد الطريق لتلك الأخيرة للووصول إلى سدّة السُّلطة في المستقبل القريب. إنّ سقوط ثلاثة أنظمة في مدة قياسية سيولِّد دفعةً معنويةً لا سابق لها في شعوب تلك البلاد ستجعلهم يشعرون بأن لا شيء يمكن أن يقف في طريقهم بعد الآن. كما أعتقد أنه من الواضح بأن لا شيء يمكن أن يمنع وصول الأحزاب الدينية المتطرِّفة إلى مراكز النفوذ والحُكم هناك، وخصوصاً ان الأرضية خصبة جداً ومحضَّرة عقائدياً وفكرياً لاستقبال مثل تلك الأنظمة الجديدة. ولا شيء يمكن أن يوحِّد فِكر واتّجاه منطقة فوط سوى تلك الردّة الدينية في عصرٍ أصبح فيه للأيديولوجيات الدينية القدرة على تأليف قوب الملايين المشتتين في بقاع العالم، فكيف إذاً بقلوب شعوبٍ تتقارب عِرقيّاً وجغرافياً وتاريخياً في تلك المنطقة الحسّاسة من العالم؟! إن الأحزاب الدينية لن تسمح بأن تضيع منها تلك الفرصة السانحة المقدَّمة لها على طبق من أحجار كريمة، تلك الفرصة التي ربما لم يحلم أشدّهم تفاؤلاً بحصولها بمثل هذه الطريقة، وبمثل هذه السُّرعة.

نسأل الربّ أن يعطي كنيسته الحكمة والتواضع لكي ترى يده في كل ما يحصل في هذا العالم، ولتكون دوماً كالعذارى الحكيمات جاهزةً وحاضرةً لقدومه العظيم.

ماران آثا.

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.