في انتظار المشهد الأخير


بقلم فادي أبو ديب

“لأنه كما كانوا في الأيام التي قبل الطوفان ياكلون ويشربون ويتزوجون ويزوّجون إلى اليوم الذي دخل فيه نوح الفُلك ولم يعلموا حتى جاء الطوفان وأخذ الجميع، كذلك يكون أيضا مجيء ابن الانسان.”
يسوع الناصري- 30م؟


 

تتسارع الأحداث في عالمنا منذ أواخر العام الماضي وبداية هذا العام بطريقة ربما لم يختبرها العالم من قبل. فمن الثورات التي تعمّ الشرق الأوسط في وقتٍ واحد، بطريقة لم تشهد لها المنطقة مثيلاً، إلى الأخطار النووية القادمة من اليابان، إلى ارتفاع أسعار الوقود الضروري للحياة والعمل، وأسعار الغذاء الناتج عن نقص الغذاء العالمي، وتضرُّر سلال الغذاء في خزّانات الغذاء العالمية كروسيا وأستراليا والبرازيل والصين والباكستان نتيجةً للأعاصير والفيضانات والحرائق، التي لم يختبرها العالم بهذا الشكل المتلاحق وبهذه الطريقة الواسعة والتي ألحقت الضرر بالزَّرع والشجر والبشر، وقضت على المحاصيل التي  تعدّ خزّانات للأمن الغذائي للكثير من الدول التي تنتجها ولتلك التي تعتمد على وارداتها منها.

ما يحدث في العالم يدهشنا جميعاً، فلأوّل مرّة في عصر الإنترنت والاتصالات التي لم يعد يخفى عنها الكثير في هذا العالم، لم نعد نعرف إلى مشاكل أيّ بلد سنلتفت أوّلاً. فاليابان ومشكلتها النووية الحديثة، مع الكارثة التي ألمّت بعصبها الاقتصادي التكنولوجي، طغت على مشاكل الشرق الأوسط الذي تعمّ فيه الفوضى وانعدام الاستقرار في عدة بلدان في وقت واحد، وبطريقة غريبة، بالإضافة لمشاكل الإرهاب والعنصرية وانعدام التفاهم الكبير بين الثقافات التي تعمّ العالم منذ عدة سنوات، وخصوصاً في أوربا وأمريكا.

لا شكّ بأن ما يحدث في الشرق الأوسط له كثير من الأسباب البعيدة والقريبة، وبعضها قديم والآخر حديث. بعضها اقتصادي وبعضها ثقافي واجتماعي أو سياسي. وهي تحتاج إلى الكثير من المختصّين والمؤرِّخين والمحلِّلين الاجتمماعيين والاقتصاديين والسياسيين. ولكن ما يهمّنا الآن هو التذكير بأن الرب هو مسيِّر التاريخ، وأن لكل شيء تحت السماء وقت كما يقول سفر الجامعة. إن دهشتنا أو تحمُّسنا لما نراه، وربّما انجرارنا وراء بعض الأحلام والشعارات، بالإضافة إلى وقوع بعضنا في الاعتقاد بأن بعض الثورات قد تأتي بالأفضل، إن هذه الدهشة، لا يجب أن تنسينا بأن العالم يسير- ويبدو أنّ هذا يجري بسرعة نسبياً- نحو نظامٍ عالميّ موحَّد بطريقة أو بأخرى. فمشاكل الإرهاب وانعدام الاستقرار والثورات والتباينات وقلّة الغذاء والانهيارات الاقتصادية والأمنية، ستجعل العالم أكثر ظمأً وتعطُّشاً لأي منظومة موحَّدة جامعة تساعده في حلّ مشاكله. وهنا نذكر ما قاله رئيس الوزراء البلجيكي الأسبق بول هنري سباك Paul-Henry Spaak، الذي استلم العديد من المناصب الهامة، في الأمم المتحدة وغيرها، وكان أميناً عاماً لحلف شمال الأطلسي بين عامي 1957 و1961م:

” نحن لا نحتاج إلى هيئات أخرى. لدينا الكثير منها أصلاً. ما نحن بحاجته هو رجل كفؤ المكانة يحوز على ولاء جميع الناس، وينتشلنا من المستنقع الاقتصادي الذي نغرق فيه. أرسلوا لنا مثل هذا الرجل، وليكن الله أم الشيطان، فنحن سنستقبله!”

 


يخبرنا الكتاب المقدَّس أن مثل هذا النظام (أو المملكة) قادمة لا محالة وهذا واضح في دانيال2 و7. كما يخبرنا سفر رؤيا يوحنا بأن التنّين (الشيطان) ” أعطى السلطان للوحش. وسجدوا للوحش قائلين من هو مثل الوحش؟! من يستطيع أن يحاربه؟!  وأعطي فماً يتكلَّم بعظائم وتجاديف ، وأُعطي سلطاناً أن يفعل اثنين وأربعين شهراً. ففتح فمه بالتجديف على الله ليجدِّف على اسمه وعلى مسكنه وعلى الساكنين في السماء. وأُعطي أن يصنع حرباً مع القدّيسين ويغلبهم، وأُعطي سلطاناً على كلّ قبيلة ولسان وأمّة.  فسيسجد له جميع الساكنين على الأرض الذين ليست أسماؤهم مكتوبة منذ تأسيس العالم في سفر حياة الخروف الذي ذُبِح.” (رؤيا13: 4-8)

إذاً فكلّ غير المؤمنين بيسوع المسيح سوف يرضون ويسجدون لهذا الوحش، بسبب انبهارهم بقوّته وإمكانياته وما سيحقِّق لهم من ازدهارٍ وسلامٍ مؤقَّتين، وبالطبع سيرتضون بكلّ ما سيقدِّمه لهم من قيمٍ ومبادئ بما فيها نبذ العبادة الحقيقية وأسلوب الحياة الحقيقيّ اللذين في بسوع المسيح المخلِّص الوحيد. هذا النظام سيعطي سلطةً للنبيّ الكذّاب الذي سيصنع عجائب يبهر بها المسكونة، وسواء كانت هذه العجائب أموراً خارقة أما رفاهيةّ باذخة، فإنه سيجعل أتباعه ينصرفون كلّيةً عن يسوع المسيح، سواء كان هذا بالقوّة أم بالترغيب، حيث سيكون لهم سمة معيّنة لا يمكن لهم أن يتابعوا أسلوب حياتهم الطبيعيّ بدونها (رؤيا13: 16-17).

إلا أن الكتاب المقدَّس يعلِّمنا في سفر دانيال بأنّه رأى ” بعد هذا [رؤية الوحوش الثلاثة الأولى]… في رؤى الليل وإذا بحيوان رابعٍ هائل وقوي وشديد جداً وله أسنان من حديد كبيرة. أكل وسحق وداس الباقي برجليه. وكان مخالفا ًلكل الحيوانات الذين  قبله…” (دانيال7: 7) وهذا يوافق ما رآه نبوخذنصّر في حلمٍ فسّره له دانيال نفسه حيث سيكون في آخر الأيّام ” مملكة رابعة صلبة كالحديد لأن الحديد يدقّ ويسحق كل شيء وكالحديد الذي يكسر تسحق وتكسّر كل هؤلاء [أي الممالك الثلاثة السابقة الواردة في ذات الحلم].” (دانيال2: 40) إلّا أنّه في أيام الملوك الذين سيكونون جزءاً من هذه المنظومة (المملكة المتعددة الأقسام كما هو وارد في الفصل) ” يقيم إله السموات مملكةً لن تنقرض أبدا،ً ومُلكها لا يُترَك لشعبٍ آخر، وتسحق وتفني كل هذه الممالك وهي تثبت إلى الأبد.” (دانيال2: 44)

فمع بدايات استعلان المنظومة العالمية الموحَّدة سيأتي ابن الإنسان يسوع المسيح ليقضي على تلك المملكة في حرب هرمجدّون (رؤيا16: 16) ويثبِّت مملكته على الأرض، مملكة البرّ ، “فيقضي بين الأمم، وينصف لشعوب كثيرين، فيطبعون سيوفهم سككاً ورماحهم مناجل.لا ترفع أمة على أمة سيفاً، ولا يتعلَّمون الحرب فيما بعد” (إشعياء2: 4) (وأيضاً ميخا4: 3)

كل هذه الانتفاضات والثورات والمشاكل والكوارث البيئية والاقتتالات العالمية وانعدام الأمان والثقة، وكوارث الغذاء والمياه الحالية والقادمة، والمشاكل الاقتصادية الواقعة والمتوقَّعة، لا يجب أن تلهينا، كمسيحيين، عن النَّظر إلى بعيد وانتظار المشهد الأخير. “ومتى ابتدأت هذه تكون فانتصبوا وارفعوا رؤوسكم لأن نجاتكم تقترب”. ومهما كانت العلامات التي قصدها الرب يسوع حينها  في سياق كلامه في لوقا21، فإننا مطالبون بأن نرفع رؤوسنا دوماً إلى حيث يأتي المخلِّص، فلا ننجرف وراء كلّ ما يحدث في العالم، فالسلام والازدهار الحقيقيان لا يمكن أن يتحققا قبل مجيء الرب يسوع المسيح لأنّه هو رئيس السلام (إشعياء9: 6).

ولهذا ولأننا ننتظر رئيس السلام، فلنطرح الخوف من المستقبل جانباً، ولنتمتّع بحريّة المسيح القائمة على نبذ مقاييس العالم والمجتمع الذي لا يعترف بيسوع، والقائمة على المادّية وقياس الإنسان الفرد بما يملك من أرضيّات. لنفتكر بالربّ وبقيمه وبالإنسانية والحبّ الحقيقي ولنسعى إليهم بكل قوة. فإذا كنا ننتظر الرب فلننتظره بفرح وبفاعلية ولنركِّز على ما يهمّ. لنحب بعضنا بعضاً، ولنرَ في الآخر يسوعاً صغيراً نحبّه ونتشارك وإيّاه أفراحه وأحزانه والأخبار السارّة عن الحريّة التي في المسيح، والبساطة الحقيقية التي يقدِّمها الرب يسوع الملك القادم إلى هذه الأرض.

ماران آثا

 

 

الإعلان

2 comments

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.