ما الذي نتعلَّمه من أحداث اليوم؟


بقلم فادي أبو ديب

“…أنتم الذين لا تعرفون أمر الغد! لأنه ما هي حياتكم؟ إنّها بخارٌ يظهر قليلاً ثم يضمحلّ…”

يعقوب أخو الرب- 46م(؟)

المكان الذي يعتقد أن يسوع ألقى بقربه موعظته الشهيرة المدوَّنة في متى5-7


لا أعتقد أننا نحن، سكّان الشرق الأوسط، ندرك تماماً ما الذي يحدث في منطقتنا، وإن كان يمكننا أن نعدد الكثير من الأسباب المباشرة أو القريبة للأحداث، فإنه من الصعب تحديد الأسباب البعيدة لما يحصل. فالأحداث التي بدأت في الانفجار منذ أوائل هذا العام تقريباً ابتداءاً بتونس ومصر، مروراً بليبيا والبحرين واليمن والمغرب، وصولاً إلى سوريا، تجعلنا نقف مدهوشين من هول تتابع الأخبار والأحداث المتسارعة بشكلٍ دراميّ لم يكن يخطر على بال أحد من قبل. فكلّ شيء تغيّر خلال أسابيع، أنظمة الحكم، آمال الناس وآلامهم ازدادت بشكل مترافق، وكثيرٌ من الأمور الأخرى. وكلّنا ننتظر بترقُّبٍ الشكل القادم الذي ستؤول إليه حياتنا. البعض متفائل والآخر متشائم، ولكن الطرفين لا يمكنهما الادّعاء بأنّهما يعلمان حقّ المعرفة ماذا سيحصل. فلا أنظمة الحكم القادمة يمكن توقّعها في بلدانٍ لا يبشِّر مسيرها التاريخي بالكثير، ولا الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية مضمونة وواضحة، فالعامل بات لا يضمن إن كانت مؤسسته ستستمر في العمل حتى الغد أو الأسبوع القادم، والجامعي لا يعلم إن كان سيجد فرصة عملٍ في بلادٍ تعاني أصلاً من مشاكل هائلة في البطالة بشكليها الصريح والمقنَّع، والطالب لا يعلم إن كانت مدرسته ستفتح أبوابها غداً أو بعد غدٍ ام أنّ طريقها سيكون مقطوعاً أو باحاتها ستُستَخدَم لإيواء المرضى والجرحى أو…الجنود! والوالدان المسكينان لا يعلمان إن كانا سيتمكّنان غداً أو بعد غدٍ من شراء قوت يومهما وإطعام اولادهما، أم أن التجّار الجشعين سيضاعفون الأسعار لاستغلال الحاجة الماسّة للمؤونة.

          كل شيءٍ تغيَّر خلال أسابيع او أشهر، فما الذي نتعلّمه من هذا، ولنا بالطبع فيه درسٌ عظيمٌ جدّاً؟ أجد نفسي دائماً أعود إلى الكلمات التي نطقها ذلك المعلّم الجليلي العظيم يسوع الناصريّ المسيح. فنحن مولَعون في تخطيط التفاصيل الدقيقة للمستقبل، ومغرَمون في “ضمان مستقبلنا”، إلا أن يسوع أخبرنا منذ ألفي عام أن هذا سعيٌ باطل لا يأتي منه إلا الموت الروحي، للذلك فقد طلب منّا، وقد كان هذا لمصلحتنا فقط، أن نطلب اوّلاً ملكوت الله وبرّه لأن الماكل والملبس والمسكن كلّها ستأتي لنا (متى6: 33). أراد لنا يسوع أن نتخلّص من هموم المستقبل، الذي هو ليس في يدنا أبداً. أراد لنا أن نفرح في كلّ لحظةٍ نعيشها، وأن نشكر من أجل كلّ لقمةٍ نحصل عليها، وان نتمتّع بكل علاقةٍ ننشئها، لهذا تابع فقال “لا تهتمّوا للغد، لأنّ الغد ييهتمّ بما لنفسه. يكفي اليوم شرّه.” (متى6: 34). فاليوم سلامٌ وغداً قد يكون حرباً. اليوم حياة وغداً قد يكون موتاً. اليوم اجتماع وغداً قد يكون فراقاً.

فلنكنز كنوزاً لنا في السماء عندما نعرف أن يسوع المسيح هو قائد حياتنا ولسنا نحن بحماقاتنا اللامنتهية. فعندها فقط ندخل منذ هذه اللحظة ملكوت الله فنعرف ما الذي يحمل قيمةً في ذاته وما الذي يحمل موتاً. نعم أقولها وبكلّ جرأة، بأن جلّ ما نهتمّ به ونسعى إليه في حياتنا لا ينشئ في نفوسنا إلا الموت ثم الموت. “لأن محبّة المال أصل كلّ الشرور، الذي إذ ابتغاه قومٌ ضلّوا عن الإيمان، وطعنوا أنفسهم بأوجاعٍ كثيرة.” (1تيموثاوس6: 10). انتبهوا أيها الأحبّة إلى أن محبّة المال لا تعني بالضرورة رغبتنا بأن نكون من أصحاب الملايين. فالقضية قضية مبدأ وشهوة قلب وتصوّراته. فمحبّة القرش مثل محبّة الألف أو المليون. لا فرق! كما أن الرسول بولس ومن قبله يسوع المسيح لم يدينا محبّ المال، بل قالا بأنه هو من يؤذي نفسه وسيبقى متوجِّعاً مشبعاً بالهواجس ولا يمكنه التركيز على سعيه وعلى معرفته الحقيقية لله في ذات الوقت.

فلنتعلّم أن نقدِّر القيمة الحقيقية للحياة وللأمور البسيطة وللعلاقات الإنسانية بدون خوفٍ من تضرُّر مصالحنا لأننا لا نعلم من أمر الغد شيئاً ولأن “الحياة أفضل من الطعام، والجسد أفضل من اللباس…” (متى6: 25). فالرب، أبونا الحنون والمحبّ، الذي يُلبِس زهرة السوسن، ويطعمِ البلبل الشادي، لا شكّ بأنه سيرعانا ويحمينا لأن “الرب راعينا فلا يعوزنا شيء”.

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.