ينزع عقول رؤساء شعب الأرض، ويضلِّهم في تيهٍ بلا طريق. يتلمَّسون في الظلام وليس نورٌ، ويرنِّحهم مثل السَّكران.
أيّوب
يأخذ الكثيرون على من يؤمن بقدوم معارك كبرى في منطقة الشرق الأوسط أنّهم يتمسَّكون بإيمانيات لا منطقية، أو مخيفة، او لا تناسب جوهر المسيحية، وما إلى هنالك من الاتّهامات التي تتخذ طابَعاً سياسياً، أكثر من كونها ترتكز على سندٍ كتابيٍّ قاطع. وإذا نظرنا إلى الكتاب المقدَّس نجد أن وجود معارك طاحنة سوف تؤدّي بالعالم إلى الانهيار قبل مجيء الرب يسوع المسيح هي أمرٌ مفروغ منه، ولا يقبل الجدل، لمن يقرأ الكتاب المقدَّس كما هو مفسِّراً النصوص بنصوصٍ أخرى. فأسفار إرميا ويوئيل وزكريا وصفنيا وحزقيال، بالإضافة إلى رؤيا يوحنا اللاهوتي وتلميحات واضحة في إنجيلي متى ولوقا، لا تترك مجالاً للشك في أن المنطقة قادمة، وخصوصاً منطقة يهوذا والجليل، على حروب عديدة مهلِكة.
هل هذا معقول منطقياً؟
دائماً ما يطرح هذا السؤال نفسه. ألا تبدو قصص المعارك كأساطير أو خرافات عفا عليها الزّمن منذ مئات السنين؟
الإجابة عن هذا السؤال لا تحتاج إلى كثير من التفكير، فقد أثبتنا كبشر أننا قادرون دوماً على ابتكار أسباب جديدة للحروب، وإن كانت حروب اليوم مختلفةً ربّما في الكثافة والأسباب عن حروب الأمس والأمس البعيد، إلا أنها بلا شك أكثر دماراً وتأثيراً بما لا يُقاس في عصر القنابل المدمِّرة ووسائل الاتصالات والتكنولوجيا الحديثة، التي يعلم دارسوها أنها تجد لها مجالاً أكبر للتطوُّر في المؤسسات العسكرية، قبل أن يستمتع بفُتاتها الناس العاديّون.
وقد كانت منطقة الشرق الأوسط منذ القديم وحتى العصور الحديثة، وعلى الأخص الساحل الفلسطيني- الكنعاني وعمقه، ساحة لاقتتال مختلف القوى العالمية من آشوريين ومصريين وبابليين وكنعانيين وعبرانيين وعرب ومغول ومماليك وإنكليز وفرنسيين وغيرهم. وحتى اليوم تبقى هذه المنطقة من دون استقرار فهي تشهد الحرب تلو الأخرى كلّ بضعة سنوات، ومعظم دولها تعاني من الفشل السياسي والاقتصادي، ومجتمعاتها ترزح تحت وطأة الجهل والتخلُّف والسَّطحية والضحالة الثقافية غير المسبوقة (حتى بين معظم المتعلِّمين). أما العنصر الأخطر الذي يتوفَّر بغزارة في هذه المنطقة دوناً عن كل مناطق العالم فهو ثقافة كره الآخر المختلِف. فشعوب هذه البلاد الشرق اوسطية يقتات الأنا لديها من كراهية الأجانب، لذلك فهي تعيش داخل قوقعة تاريخية عمرها خمسة عشر قرناً. ورغم كل هذا الفشل وعدم القدرة على تقديم أي شيء يُذكَر للإنسانية، فهي ما تزال تعتبر ثقافتها أحسن الثقافات، ورسالتها أحسن الرِّسالات، وان جميع مَن في الكون يتآمر عليها مؤامرةً لا تهدأ ولا تتوقَّف.
هذه الكراهية المنقطعة النظير، والتي يشعر المرء وكأنّها آتية من مصدر فوق طبيعي لشدِّتها وعمى بصيرتها، تتركَّز في كراهية اليهود بطريقة مخيفة وثابتة، فأضحى كل ما جرى ويجري وسيجري في العالم هو لخدمة اليهود. وشيطنة اليهود هذه ليس لها أي مبرِّر سوى التراث الديني- الثقافي القديم الذي تسلَّط على العقل الجمعيّ لشعوب هذه المنطقة بطريقة لا تقبل النقاش والسؤال. فالكره الموجَّه ضد اليهود، كدينٍ وشعب، بدأ قبل قضية فلسطين، وهو متجذِّرٌ في النفوس بشكلٍ مرعب، حتى أنه أصبح من البديهيات الثابتة عند الأغلبية الساحقة من الأفراد. وقد جاءت قضيّة فلسطين لتسكب زيتاً على النار (رغم أن ما نتج عنها لا يزيد، بل يقلّ كثيراً، عما نتج من فظاعات الأتراك مثلاً ضد السريان والآشوريين والأرمن وحتى العرب أنفسهم)، وتوجِّه أنظار شعوبٍ كاملة نحو تلك البقعة من الأرض، لتجد في الحرب الوهمية، و التي صارت واقعاً في كثير من الأحيان، متنفَّساً تاريخياً لشعوب عانت من الفشل لقرونٍ طويلة لا تبدو أنها ستنتهي قريباً. فالهوّة الثقافية والحضارية بين شعوب هذه المنطقة وغيرها من مناطق العالم لا زالت تتسع بشكل مطَّرِد. وتحضرني هنا عبارة الكاتب والروائي اللبناني أمين معلوف الذي يقول أن “العالم العربي- الإسلامي يغوص أكثر فأكثر في بئرٍ تاريخية يبدو عاجزاً عن الصعود منها، وهو حاقد على الأرض كلها- الغربيين، الروس، الصينيين، الهنود، اليهود…وعلى ذاته بالدرجة الأولى“. فهنا في هذا الشرق المتشرذم بين مئات الأديان والمذاهب والفِرَق والعشائر التي تهتزّ معاً على فوهة بركان من الحقد والتضادّ، الكل يحذر من الكلّ، والجميع يتوجّس خوفاً من الجميع. وهذا شيء معروفٌ وواضحٌ ويجعل المستقبل مظلماً أمام العارفين بهذا الواقع المرير، وخصوصاً ممن عايشوه في المدن والبلدان المتعددة الأعراق والإثنيات والمذاهب. هنا في هذا الشرق، لا أفق يبدو جلياً، والناس توقّفت أحلامهم عند تأمين الطعام والشراب، بعدما فقدت إحساسها بالإمان إلا في تاريخ نسجه لهم بعض ناسجي التاريخ المحترفين. وفي هذا الشرق أيضاً، ينسب الناس إلى الغرب واليهود كل أسباب المشاكل والموبقات والمظالم والمفاسد والفجور الفِكري والأخلاقي الذي تعاني منه المنطقة. في هذا الشرق، الناس تريد أن تتخلَّص من أنظمتها لأنها تريد هزيمة الغرب واليهود، والأنظمة تريد البقاء لأنها تقاوم الغرب واليهود! في هذا الشرق، يريد الناس حل المشاكل الاقتصادية من أجل مواجهة الغرب واليهود، ويحلمون بالتطوّر العِلمي والثقافي والحضاري من أجل إثبات الذات أمام الغرب واليهود! في هذا الشرق، كل شيء يتم انفعالاً لا فاعليةً، السياسة والاقتصاد والثقافة والرياضة والعِلم (إذا وُجِد) وإنجاب الأولاد. كلّه يتمّ ردّاً على المتآمرين، وليس انطلاقاً نحو عالم أفضل. في الشرق يحلمون دوماً بأنهم يحاربون. العشيرة تحارب العشيرة، والمذهب يحارب المذهب، وثقافة تطمس ثقافة، وعِرق ينافس العِرق. في هذا الشرق لا يوجد دافعٌ حقيقي للتقدّم بدون عدوّ ذاتي أو داخلي أو خارجي. لا يوجد هنا شعور بارتباط رَحميّ مع الإنسانية، فقلّما ترى الناس تندفع لتعلّم واحتراف الثقافات والمذاهب والديانات الأخرى.
هذا الشرق لا يحترف إلا الغوغائية، والثورات العربية الأخيرة أثبتت لكثيرين بأن الغوغائية قد تنجح أحياناً، في بلاد تعجز دائماً عن إنشاء نُظُمٍ سياسية واقتصادية وثقافية محتَرَمة وتعدّدية. هذه الغوغائية الفوضوية كانت ما تحتاجه شعوب رزحت لقرون تحت نير الاستبداد والقمع والقهر، وما تزال، لتعيد ثقتها بنفسها بأن نزولها بأعدادٍ مليونية إلى الشوارع يمكِّنها من إحراز ما تريد، حتى لو كانت عاجزة عن الإكمال حتى النهاية. هذه الفوضوية التي يثق بها الملايين اليوم أصبحت الطريق الأسهل لحلّ كلّ المشاكل، ابتداءاً من إسقاط الأنظمة، وربما انتهاءاً باجتياح الحدود و”تحرير فلسطين”، فما شاهدناه في 15 أيار 2011 قد يكون مثالاً لما يمكن أن يحدث لاحقاً، بنفس الطريقة أو بأشكال مشابهة وأكثر فاعليةً. فحاجز الخوف من كلّ شيء قد انكسر، والأشهر الأخيرة يجب أن تكون قد علَّمت من لم يتعلَّم بعد أن كل شيء ممكن، ولم يعد هناك قواعد ومستحيلات في عالم اليوم. فالطريق نحو النهاية، نحو وادي يهوشافاط [*]، قد أصبح مفتوحاً بالواقع والفِكرة، فعندما تزول كلّ الحواجز الأخلاقية والمعنوية والفِكرية، وتتكسَّر كل القواعد والمعقولات، يمكن أن نتوقّع كل شيء. ورغم أن هناك العديد من الأحداث التي ستسبق معركة وادي يهوشافاط، إلا أنه أصبح بإمكاننا اليوم مراقبة العديد من الأحداث التي يمكن أن تدلّنا أن المسرح قد بدأ يجهز (يمكن الاطلاع على بعضها هنا). ومن له عينان للبصر فليُبصِر ومن له أذنان للسمع فليسمع!
إن التاريخ لا يمكن أن يرحم الأمم والشعوب التي لا تقدِّم إنتاجاً فِكرياً يُغني الإنسانية، وكما حكم على كثير من الأمم العظيمة بالفناء، هكذا سيحكم على هذا الشرق البائس بشكله الحالي. من وجهة نظر لا دينية فإن هذه سنّة الحياة فحسب، ولكن من الوجهة الإلهية فإن هذه هي عدالة الله “مؤدِّب الأمم”، لأن ” للرب الأرض وملؤها، المسكونة والساكنين فيها”.
ماران آثا
[*] وادي يهوشافاط هو وادي في منطقة اليهودية. ليس معروفاً بالضبط موقعه البعض يعتقدون أنه أحد امتدادات وادي قدرون، في حين يعتقد البعض الآخر أنه وادي سينشأ نتيجة لانشقاق جبل الزيتون قرب أورشليم كما هو مذكور في سفر زكريا 14: 4. كما يعتقد البعض أنه اسم رمزي لمكان دينونة الله على الأمم على اعتبار أن “يهوشافاط” وهو اسم أحد ملوك يهوذا التاريخيين يعني أيضاً بالعبرية “الرب يدين”. كاتب هذا المقال يعتقد بأن هذا الوادي هو حقيقة جغرافية غير رمزية. وحسب سفر يوئيل، فإن هذا الوادي سيشهد إحدى آخر المعارك التي تسبق مباشرةً المجيء الثاني ليسوع المسيح.
20-5-2011
قبل يوم من التاريخ الذي اعتقد هارولد كامبينغ أن الاختطاف سيحدث فيه
الإسلام أيضا يشير أن يوم القيامه سيكون في القدس
ولكن بعد النفخه الثانيه لاسرافيل وتغير السماء والأرض وهناك يحاسب الله الخلق حتى البهائم
ويأتي داود عليه السلام يومئذ راكابا كما قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وتكون صخره بيت المقدس هي موضع عرش الله والمحشر في القرآن الكريم هو بلاد الشام
الإسلام أيضا يشير أن يوم القيامه سيكون في القدس
ولكن بعد النفخه الثانيه لاسرافيل وتغير السماء والأرض وهناك يحاسب الله الخلق حتى البهائم
ويأتي داود عليه السلام يومئذ راكابا كما قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وتكون صخره بيت المقدس هي موضع عرش الله والمحشر في القرآن الكريم هو بلاد الشام
صحيح هناك تشابه في هذه المسألة.
تحياتي