بقلم فادي أبو ديب

في البداية أريد أن أشير إلى أن هذا الموضوع لا يتعلَّق بشكل مباشر بأيّ موقف داعم أو معارض لأي جانب في سوريا، وإنما يتناول فقط ظاهرة رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان. فمما لا شك فيه أن هذا الأخير يركِّز جزءاً كبيراً من جهوده نحو العالم العربي، المستعمَرة السابقة للإمبراطورية العثمانية. التحرُّك الإردوغاني السياسي يتوازى مع تحرُّك فنّي ثقافي يتمثّل في أجزاء مسلسل وادي الذئاب Kurtlar Vadisi و”بطله المغوار” مراد علمدار، شاغل  الدنيا ومالئ عقول الشباب العرب، الذين يعانون من فراغٍ هائل في حيِّز المثل الأعلى، وخصوصاً بعد إصدار الجزء الخامس من المسلسل بالإضافة للفيلم  الأخير وادي الذئاب- فلسطين Kurtlar Vadisi- Filistin .

ما يفتعله إردوغان من تمثيليات أخلاقية في المحافل الدولية، وفي تبنيه لطفلة سورية، لم يأتِ عبثاً وإنما هي حلقة من سلسلة تصرّفات السوبرمان التركي الجديد بنصفيه الإردوغاني- العلمداري. فهذا السوبرمان الجديد عبر المسلسلين السياسي والتلفزيوني يتّخذ صورة البطل الخارق الذي لا يُقهّر، والمدافع الشرس عن حقوق العرب والسوريين والفلسطينيين، وهو لا يمكن أن يتأثّر بأي نوعٍ من الإغراءات سياسية كانت أم اقتصادية.

يدرك القائمون على التوجّه التركي الجديد تجاه العرب من خلال المسلسل التلفزيوني السياسي “وادي الذِّئاب”، والذي يحمل الهويّة والفلسفة الإردوغانية الواضحة، حاجة الشخصية العربية إلى صورة “البطل الخارق” و”المثل الأعلى” الذي يحارب لأجل قضايا العرب ويهزم الأعداء وينتصر، ففيلم “وادي الذئاب- فلسطين” الأخير لم يأتِ عبثاً، أو كمجرَّد دعم أخلاقي لقضية الشعب الفلسطيني، بل هو مدروس تماماً، في إطار الخطة التركية الإردوغانية المتكاملة للاستحواذ على مخيِّلة الشباب العربي الجائعة لشخصيات مثل صلاح الدين الأيوبي وجمال عبد الناصر وغيرهما من الشخصيات التي تلعب على وتر الحاجة للسوبرمان. فكان إذاً السوبرمان الإردوغاني- العلمداري.

كدعاة للإنسانية كنا نتمنى من إردوغان أن يعترف بحقوق الأكراد في دولته الذي يبلغون على الأقل 15 مليوناً في تركيا، وأن يعترف يالإبادة الجماعية ضد الشعب الأرمني في عام 1915 وما قبل، وأن يعوِّض ملايين الأرمن عن فقدان عائلاتهم كما فعل مع الطفلة السورية التي أطلق عليها “زينب رجب طيب إردوغان”. كلنا كان يتمنّى ألا يتّخذ موقفه السلبي المعروف من كل الدول التي اعترفت بالإبادة الأرمنية التي نفّذتها القوات العثمانية والميليشيات التابعة لها بوحشية لم يشهد لها التاريخ مثيلاً على الإطلاق. وكنا نتمنّى لو أنه عوّض على السريان الذين هُجِّروا من ماردين وأورفه وعينتاب وغيرها من المدن السورية في الأراضي التركية الحالية، تاركين كلّ شيءٍ وراءهم ليسكنوا أكواخ الصفيح في حلب والجزيرة وغيرها من المناطق السورية في بدايات القرن العشرين، طالما أنه  يفتخر بتاريخه العثماني ولا يتبرّأ منه.

إن إردوغان هو الصورة الحيّة لكل من يريد أن يتعرّف على الديكتاتورية الديمقراطية القادمة، هو تجلٍّ واضحٍ لكيف يمكن لقائد ذكي وناجح أن يغيِّب عقول الملايين فيهتفون بحياته لمجرَّد أنه لعب على عواطفهم وأحلامهم وآمالهم، وبذلك يمكنه أن يأخذهم إلى حيث يريد ويشتهي. إردوغان هو مثالٌ عن كيف يمكن لقائد أن يجعل الناس يفعل ما يريد بدون أن يقسرهم على أيّ شيء. والتاريخ يشهد بأن هذه اللعبة ناجحة في كلّ مكانٍ في العالم، وألمانيا النازية مثال  حيّ، ولو أنني أظنّ بأن إردوغان يسبق هتلر بدرجاتٍ في الدَّهاء والحنكة السياسية.

ماذا لو كان إردوغان هو الممهّد لمملكة ماشك وتوبال، وهو الاسم القديم لمناطق واسعة في تركيا “ذات المنظر العَلماني الخارجي” التي تسير بخطىً سريعة لتصبح من أقوى عشر دول في العالم خلال السنين المقبلة؟ دولةً قد تكون الأمّ الروحية للكثير من الراديكاليات الدينية المتشدِّدة في منطقة عربية تتخبَّط بالثورات والفوضى وجائعة لقيادة موحية مركزية ستجد فيهم بكل تأكيد ساحة ضخمة للعب وممارسة النفوذ في مركز العالم.

مواضيع متعلِّقة:

إردوغان الديكتاتور الديمقراطي وإمبراطورية ماشك وتوبال