فتوحات وريث السّلاجقة والعثمانيين!!


بقلم فادي أبو ديب

 

شهدنا في الأيام الماضية جولةً مكوكية يقوم بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان. فقد قام هذا الأخير بزيارة مصر وتونس مبشِّراً باستنساخ نظام الحكم التركي الإسلاموديمقراطي، ومحاولاً إظهار نفسه بالفاتح الجديد للبلاد العربية، ليس بالحرب كأجداده السلاجقة والعثمانيين هذه المرّة، بل بالتبشير بنفسه ونظام حكمه كالقدوة والمثال لبلادٍ لا يحكمها سوى العسكر أو الضعفاء. كما قام إردوغان بزيارة ليبيا التي قام بتأدية صلاة الجمعة فيها مع المسؤولين الليبيين في خطوة قد تذكِّر البعض بالسلطان محمد الفاتح الذي احتلّ القسطنطينية وصلّى في الآجيا صوفيا. وقد جاءت زيارته هذه إلى البلد المحرَّر- المنكوب مباشرةً بعد زيارة الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني إليه. زياراته هذه تأتي في وقتٍ يبدأ فيه الزعيم التركي باستعراض قوته عن طريق قطع علاقاته العسكرية والتجارية مع الدولة العبرية وطرد سفيرها، وتهديده لقبرص اليونانية (ومن ورائها اليونان طبعاً) من محاولتها التنقيب عن الغاز الطبيعي في البحر المتوسط، بعد أن كان قد صرّح سابقاً بأن سفنه الحربية جاهزة للانتشار في مياه البحر في أية لحظة، وذلك في خطوة تحدٍّ واضحة لإسرائيل وقبرص تهدف في ذات الوقت إلى إثبات وجودٍ قويٍّ لتركيا، كالسيد الإقليمي الأقوى، أمام الدول العربية الضعيفة والمضطربة والتي تحتاج شعوبها لرمزٍ حديثٍ تعبده علّه يكرِّر انتصاراتٍ لا تبارح المخيِّلة الجمعية للشعوب العربية التي تعاني منذ قرون هزيمةً روحيةً وثقافية وسياسية واقتصادية وعلمية، دفعت قسماً منها للترحُّم على ماضٍ قريبٍ نسبياً كانت فيه خاضعةً لدولةٍ ذات امتدادٍ إمبراطورية- هي الدولة العثمانية.

إردوغان الذي يرى الجمهورية التركية وريثةً السلاجقة والعثمانيين (انظر هذا الرابط) يبدأ بانفصاله البطيء ولكن الواثق عن الغرب. قد يرى البعض بأن كلّ ما يقوم به هو من منطلق خدمة الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية، ويستدلّون على هذا بقبوله نشر الدرع الصاروخية الأمريكية على أراضيه. ولكن ألا يمكن أن يكون هذا ثمناً لإطلاق يده في السيطرة على الدول العربية بطريقةٍ يكون له نصيبٌ جيّد من هذه الكعكة العربية التي تم شيّها جيداً في فرن الثورات والحقد التاريخي على الغرب؟ أم نه يريد أن يستأثر بنصيب الأسد من قلوب الشعوب العربية وأسواقها (وهو قد بدأ بفعل هذا) وعندها يستطيع تحدّي الغرب بوضوحٍ جليّ بمساعدة حليفٍ جديد هو إيران؟

        إن تصرّفات إردوغان وأقواله لا تنمّ عن سلوك مندوبٍ غربيّ، بل عن منافسٍ قويّ للغرب. وجولاته العربية وتصريحاته النارية ووقفاته وطريقة دخوله لا يمكن إلا أن تعيد لنا صورة السلطان سليم الأول الذي دخلت جيوشه كثيراً من البلدان العربية، فكان فاتحاً محتلّاً، قاتلاً هذا الزعيم، ومجبراً ذاك على التنازل، وموحياً لغيره بوجوب المسارعة في المبايعة وتقديم الولاء المعترِف بأنه “أمير المؤمنين”!

        إن المصلحة الإمبراطورية لتركيا الإردوغانية (وربما الأوغلوية الآن وفيما بعد) هي في اقتسام الكعكة العربية مع إيران، فالتفاهم مع قطبٍ كبيرٍ منافس أسهل وأنفع بكثير من انتظار الفتات الأمريكي والأوروبي مهما بلغ، وخصوصاً أننا نرى منذ أعوام غزلاً تركياً- إيرانياً واضحاً. وربما نرى في محاولة تركيا كسب نفوذٍ معيَّنٍ في سوريا مثالاً على التفاهم والتقاسم الإيراني- التركي.

        كل هذا يأتي في وقتٍ يظهر فيه جلّياً أن العرب وما اتصل بهم من أعرابٍ ومستعربين “صامدون” في موقفهم المصرّ على استمرار تقبيل أحذية كل من يدخل أراضيهم ويطلق بعض التصريحات النارية، صادقةً كانت أم كاذبةً! وكأنّ هؤلاء القوم يريدون أن يثبتو للعالم أجمع، بكل إصرار، ومرّةً بعد مرّة، أنهم أمّة مُقادة دوماً، وأن كلّ من يخطب فيهم بحماسة، حتى لو كان نيكولا ساركوزي ودايفد كامرون، سيكون له صورة صلاح الدين الأيوبي في مخيِّلتهم الجمعية التي ستذهب بهم حتماً إلى حتفهم الحضاري والوجودي.

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.