التناغم مع أولئك الهامسين خارجاً!


بقلم فادي أبو ديب

لديّ هوسٌ بالمطر. فبعكس الكثيرين أحبّ عندما تمطر أن أفتح النوافذ وأجلس لأستمع لصوت المياه المنسكبة من المجهول العُلويّ حيث تنقطع أخبار البشر واقتتالاتهم وأصواتهم وضوضاؤهم المزعجة الكريهة. وحينها أشعر أني عدت إلى بيتي الأصلي المبني من حجارة الصوت واللحن وعطر التراب السّاحر.

هي حربٌ محبَّبة دائمة بيني وبين أمّي التي تجري هنا وهناك لتغلق كل ما تصل إليه يدها من المنافذ والفتحات التي قد توصل قطرة ماء واحدة إلى داخل المنزل

عندما تمطر نتذكَّر أن للطبيعة، لهذه الخليقة العجيبة، عملاً آخر منفصلاً عنا  نحن الغارقين في مشاكلنا وهمومنا، لدرجةٍ دفعتنا للظنّ بأننا الوحيدون في هذه الأرض. نتذكّر أيضاً بأننا مجرّد كائنات صغيرة مغرورة وضعيفة أمام عمل الطبيعة المستمرّ بكل عظمته وجبروته البهيج منه والمخيف.

كل الظواهر الطبيعية حديثٌ طويلٌ تحاول الطبيعة أن تستدرجنا إليه علّنا نبتعد قليلاً عن البحث عن الكائنات الفضائية لنلتفت إلى الكائنات العجيبة التيي تحيط بنا، الأشجار، الأزهار، العصافير المشاغبة البريئة، البحر الصاخب المصرّ على الثورة الموسيقية اللطيفة، أصوات الوديان في الليالي الربيعية والخريفية، الجبال الملفَّعة بالبرودة الحنونة التي تتمشّى جيئةً وذهاباً على وجوهنا التي فقدت اعتيادها على مخاطبة الخليقة العجائبية.

قال كثيرون بأن حال الطبيعة تتوقّف على تفاعل الإنسان الذي يسكنها، فإذا كان هذا الإنسان وديعاً لطيفاً ازدهرت الأرض وفرحت الحيوانات، وإن كان قاسياً شرّيراً حزنت وانكمشت على ذاتها وفقُرت. هذه ليست شاعريّةً خيالية بل هي حقيقة اختبرها الإنسان منذ آلاف السنين وبدأ العِلم التجريبيّ بإثباتها مؤخَّراً.

نحن مشغولون كثيراً بأنفسنا، متوحِّدون في همومنا الخيالية بدل أن نتعلّم من الطبيعة أن العطاء والأخذ هو فِعل طبيعيّ موجودٌ منذ أن وُجِدت الخليقة، وأن كل سعينا نحو الحصول على الكثير هو جهدٌ سخيف تافه إذا ما راقبنا المنظومة البيئية الجليلة التي نعيش وسطها، والتي تعلِّمنا أنّ لا أحد يحصل على أكثر مما له، وأن من يفعل فسوف يُلفظ أخيراً خارج المعادلة إما بدماره الداخليّ أو عن طريق الهجوم الخارجي.ألعلّ بعضاً من أمراضنا أو جلّها ناتجٌ من هذا التوتّر الداخلي الناجم عن انعدام التناغم مع ذواتنا ومع ما يحيط بنا من بشر وخليقة طبيعية؟ أليس من المحتمل أن يكون هذا التوّرم في حبّ الأنا ينتج تورّماتٍ في الجسد اللحميّ الضعيف؟

نحن بأشدّ الحاجة لأن نعود لنتعلّم لغة الخليقة الطبيعية، تلك اللغة المزروعة في أنسجتنا الروحية الداخلية التي تركناها لتتعفَّن بفعل أمراض الظواهر “المدينية” الطارئة علينا بفعل طمعنا “الحضاريّ” المدمِّر. فصدى حديث المطر الذي يصدح في أعماق قاعات روحنا الفارغة يهمس إلينا بأن الربّ الخالق استحسن لنا حياةً تختلف تمام الاختلاف عما نعيشه اليوم. فلماذا لا نستمع إلى أولئك الهامسين خارجاً؟ فلربّما كانت كلماتهم التي أنشأها اللوغوس توجِّهنا إلى طريقٍ يختلف عن الهاوية التي نتوجّه إليها!!

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.