زربّابل بن شألتِئيل والمُلك القادم لخِراف إسرائيل


بقلم فادي أبو ديب

 

سِفر نبوءة حجّاي النبي هو أحد أقصر أسفار الكتاب المقدَّس، ومع ذلك فإن هذا السِّفر الصغير غنيٌّ بمدلولاته النبويّة الواضحة، فقد كُتِب هذا السفر حوالي العام 520 ق.م، بعد عودة دفعة من اليهود من السَّبي البابلي، أي في نفس زمن نبوءة زكريا النبي.

          نبوءة حجّاي كانت بشكل رئيسي لتشجيع قادة الشعب، وهما زربَّابل بن شألتِئيل والي يهوذا والكاهن يهوشع بن يهوصادِق، على حثّ الشَّعب على القيام ببناء  الهيكل الثاني، أي إعادة بناء الهيكل الأوّل الذي بناه سليمان الملك ابن داود. وفي نهاية هذا السِّفر ينطق حجّاي بنبوءته الأخيرة الموجَّهة للقائد زرُبَّابل. حيث تتحدّث الأعداد 20-23 من الفصل الثاني بما يلي:

وصارت كلمة الرّبّ ثانيةً إلى حجّاي، في الرابع والعشرين من الشهر قائلاً: “كلِّم زرُبَّابل والي يهوذا قائلاً: إنّي أزلزل السماوات والأرض، وأقلب كرسي الممالك، وأبيد قوّة ممالك الأمم، وأقلب المركبات والرّاكبين فيها، وينحطّ الخيل وراكبوها، كلّ منها بسيف أخيه. في ذلك اليوم، يقول ربّ الجنود، آخذك يا زرُبَّابل عبدي ابن شألتِيئيل، يقول الربّ، وأجعلك كخاتمٍ، لأني قد اخترتك، يقول ربّ الجنود.”

          فهل النصّ السابق يقول بأنّ زرُبَابل هو من سيكون الشاهد على تلك المعارك العظيمة التي ستحدث في زمنه، وهل هو من سيحكم في أورشليم، أم انّ النص يتحدّث عن معنىً آخر؟

 للإجابة عن هذا السؤال، يجب أن نحدِّد الزمن المحدَّد لإتمام النبوءة أوّلاً، ثم عن دلالة اسم زربَّابل في هذا الموضع.

           يتحدّث النص السابق عن زلزلة السماوات والأرض، وإبادة قوّة ممالك الأمم، وقلب كرسي الممالك والمركبات والرّاكبين فيها، وأنّه سيكون سيف كلّ واحدٍ منهم على أخيه (بمعنى أنه سيكون هناك نيران صديقة!). وهذا الحديث يذكِّرنا مباشرةً بالعديد من النصوص النبوية التي تتحدّث عن معركة (أو معارك) نهاية الدَّهر، ومنها النصّ الشهير الوارد في حزقيال 38، حيث سيقود جوج أمير أرض ماجوج (منطقة مجهولة يُعتقَد أنها في المنطقة الواقعة بين وسط آسيا وتركيا وجنوب روسيا) تحالفاً كبيراً للحرب في أرض إسرائيل، ويتمّ هذا في “السنين الأخيرة” في “الأرض المستَرَدّة من السيف المجموعة من شعوبٍ كثيرة على جبال إسرائيل…” (العدد 8)، وعندها يقول الربّ:

“…في ذلك اليوم يكون رَعشٌ عظيمٌ في أرض إسرائيل، فترعش أمامي سمك البحر وطيور السماء ووحوش الحقل والدّابّات التي تدبّ على الأرض، وكلّ الناس الذين على وجه الأرض،…وتندكّ الجبال وتسقط المعاقل وتسقط كل الأسوار إلى الأرض. وأستدعي السيف عليه في كلّ جبالي، يقول السيِّد الرب، فيكون كلّ سيف كلّ واحدٍ على أخيه…”

          وفي هذه المعركة السابقة أو في معركة تقع بعدها بفترةٍ قصيرةٍ جداً نرى أنّ الربّ يتوعّد جوجاً هذا وكل الشعوب والممالك المتجنِّدين للحرب معه، حيث يقول في الفصل 39 من نبوءة حزقيال نفسه:

“…وأضرب قوسك من يدك اليسرى، وأُسقِط سهامكَ من يدكَ اليمنى. فتسقط على جبال إسرائيل أنت وكلّ جيشك والشعوب الذين معك. أبذلكَ مأكلاً للطيور الكاسرة من كلّ نوعٍ ولوحوش الحقل…وأرسل ناراً على ماجوج وعلى الساكنين في الجزائر آمنين، فيعلمون أنّي أنا الرب…فتعلم الأمم أنّي أنا الربّ قدّوس إسرائيل.”

كما نقرأ شيئاً مشابهاً في الفصل 19 من سِفر رؤيا يوحنا، حيث يوضِّح الكاتب:

“ورأيتُ ملاكاً واحداً واقفاً في الشمس، فصرخ بصوتٍ عظيم قائلاً لجميع الطيور الطائرة في وسط السَّماء: ‘هلمّ اجتمعي إلى عشاء الإله العظيم، لكي تأكلي لحوم ملوكٍ ولحوم قُوّادٍ، ولحوم أقوياء، ولحوم خيلٍ والجالسين عليها…”.

كما يقول الربّ في الفصل 12 من نبوءة زكريّا أنه في ذلك اليوم…أضرب كلّ فرسٍ بالحيرة وراكبه بالجنون” (عدد 4)

          وعليه فإنّ نص نبوءة حجّاي السابق الذِّكر يتحدَّث بوضوح عن معركة أو معارك تحدث في نهاية الدَّهر، ومباشرةً أو قبل وقتٍ قصيرٍ جدّاً من مجيء الربّ يسوع المسيح ليقيم مملكته على الأرض من أورشليم كما سنرى في العدد الأخير من هذه النبوءة. ولا حاجة بالطبع لأذكِّر بما قلته في العديد من المقالات السابقة بأنّ المعارك السابقة الذِّكر، وفي هذه المنطقة بالذات (الشرق الأوسط)، لم تحدث أبداً في التاريخ بالطريقة الني ذكرتها نصوص النبوءات في حزقيال وزكريا وغيرهم من الأنبياء، لا من حيث المشاركين فيها، ولا من حيث موعدها (على الأقل بعد مجيء المسيح للمرّة الأولى) ولا من حيث نتائجها، ولا من حيث مواضعها الجغرافية.

دلالة اسم زربّابل:

بعد الانتصار في المعارك السّابقة الذِّكر، يقول الربّ: “… في ذلك اليوم، يقول ربّ الجنود، آخذك يا زرُبَّابل عبدي ابن شألتِيئيل، يقول الربّ، وأجعلك كخاتمٍ، لأني قد اخترتك، يقول ربّ الجنود.”

فهل هذا يعني أن زربّابل هو المسيّا المنتَظَر؟

في الحقيقة لا يوجد أحد لا من الدّارسين ولا من العامّة حاول أن يفكِّر بأن زربّابل هو المسيح! فأسلوب العهد القديم في النبوءات واضح فيما يخصّ تسمية المسيّا، ويمكننا ضرب عدّة امثلة على اعتماد النبوءات الدّائم على عدم إعطاء اسم المسيّا، بل إعطائه اسم يدلّ على هويّته، فالأهمّ هو هويّته وليس اسمه المباشر، فالمهمّ أنه من بني إسرائيل، من نسل ابراهيم، من ذريّة داود. وقد تمّ لاحقاً إعلان اسمه في بشارة الملاك لمريم المطوَّبة كما نقرأ في الفصل الأول من إنجيل لوقا، حين يقول الملاك جبرائيل لأمّه العذراء:

“وها أنتِ ستحبلين وتلدين ابناً وتسمّينه يسوع [يهوشوع]. هذا يكون عظيماً، وابن العليّ يُدعى، ويعطيه الربّ الإله كرسيّ داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه نهاية.” (الأعداد 31-33)

          وبالعودة لبعض أسماء المسيّا في العهد القديم، فنلاحظ مثلاً في الفصل 30 من سَفر إرميا المكتوب بعد وفاة داود بما يزيد عن أربعة قرون، والذي يتحدّث عن ردّ سبي إسرائيل، أنّ الربّ يعد بأنّ بني إسرائيل “[سـ]يخدمون الربّ إلههم وداود ملكهم الذي أقيمه لهم” (ع9)، كما أنّ  الربّ في هذا الفصل وغيره من الفصول والأسفار يستمرّ في دعوة إسرائيل بـ“عبدي يعقوب”. وهذا دليل واضح على طريقة استخدام الأسماء المختصّة بالمسيح المنتَظَر وإسرائيل نفسها في الكتاب المقدَّس، وخصوصاً العهد القديم.

          كما نقرأ أيضاً في الفصل 34 من نبوءة حزقيال، والمكتوب بعد وفة داود بحوالي خمسة قرون، ما يقوله الربّ عن ردّ سبي إسرائيل، حيث يصرِّح: “…فأخلِّص غنمي فلا تكون من بعدُ غنيمةً، وأحكم بين شاةٍ وشاة. وأقيم عليها راعياً واحداً، فيرعاها عبدي داود، هو يرعاها وهو يكون لها راعياً. وأنا الربّ أكون لهم إلهاً، وعبدي داود رئيساً في وسطهم. أنا الربّ تكلَّمت. (ع22-24)

وبشكلٍ مشابه يرد في الفصل 37 من نفس النبوءة:

“…وداود عبدي يكون ملكاً عليهم…ويسكنون في الأرض التي اعطيتُ عبدي يعقوب إيّاها، التي سكنها آباؤكم، ويسكنون فيها هم وبنوهم وبنو بنيهم إلى الأبد، وعبدي داود رئيسٌ عليهم إلى الأبد.”

          من هنا نفهم سبب ذكر اسم زربّابل في آخر نبوءة حجّاي، فزربّابل هذا هو من نسل داود، ومن خلاله ستتمّ النبوءة بأنّ نسل داود لم ينقرض، وانّ المسيّا ولا شكّ آتٍ عبر زربّابل هذا. وقد فهم تلاميذ الربّ يسوع المسيح هذا، فلم يأتِ وضع سلسلة نسب المسيح من جهتي يوسف وأمّه في إنجيلي متى ولوقا عن عبثٍ، ففي كلي القائمتين يتّضح جيّداً اسم زربّابل بن شألتيئيل ابن داود (البنوّة حسب المفهوم العبري ليست بالضرورة بنوّة مباشرة بين ابنٍ وأبيه الجسدي المباشر)، ويتّضح أيضاً عبر باقي محتويات الأناجيل والرّسائل والرؤيا بأنّ يسوع المسيح هو “الأسد الخارج من سبط يهوذا”، وهو المنحدر من نسل داود وزربّابل، والمتمِّم لوعد الربّ الإله بإقامة المملكة المقدَّسة من أورشليم وحتى أقاصي الأرض.

ماران آثا

موضوع مرتبط:

زكريّا: نبوءة لامنطقية يثبت التاريخ دقّتها

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.