بقلم فادي أبو ديب
في آخر تصريحاته الغريبة والمثيرة للجدل، صرّح رئيس الحكومة التركية رجب طيب إردوغان بأنّ على النظام السوري إيجاد ومحاكمة المتظاهرين الذين “اعتدوا” على العلم التركي في مدينة اللاذقية السورية، ونقلت وسائل الإعلام التركية عن إردوغان خلال اجتماع لمجموعة نيابية تنتمي إلى حزب العدالة والتنمية الحاكم “أريد أن أوضح للنظام السوري أنه عبر التاريخ، الذين حاولوا لمس العلم التركي تم الردّ عليهم، وسيتم الرد عليهم في المستقبل أيضاً”. (موقع عكس السير). هذا وكان قد صرّح أيضاً وزير الطاقة التركي تانير يلدز بأنّ تركيا قد تعيد النظر في تزويد سوريا بالكهرباء (نفس المصدر السابق)، أي وبعيداً عن الطريقة الدبلوماسية، فإنّ حكومة إردوغان تهدِّد بقطع الكهرباء عن الشبكة السورية، في ظل أزمة المازوت والغاز التي تعانيها سوريا في بداية فصل الشتاء الحالي. وهذا ما يدلّ بأنّ الموقف العثماني الجديد لا ينطلق من أيّة مواقف إنسانية أو تتعلّق بحقوق الإنسان، بل تنطلق من أهداف عنصرية لاأخلاقية ونازية.
تصريحات إردوغان الواردة أعلاه هي فاشية جديدة في القرن الواحد والعشرين، صادرة من رجلٍ يحلم بإعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية، والسيطرة على الشرق الأوسط بأيّ ثمنٍ ممكن. ومن يظنّ أن إردوغان ينوي أن يكون رأس حربةٍ للأمريكان فهو مخطئ. كل ما في الأمر أنّ إردوغان يتبع تكتيكاً دبلوماسياً مخالفاً للنهج الإيراني الصِّدامي، رغم أنّه يملك ذات النوايا التوسُّعية، وخصوصاً أنّه يملك شعبية أكبر ودولة ذات نظام حكم يُعتَبَر أكثر رفيّاً في نظر الشرق والغرب.
فاشية هذا الرجل تدفعه لطلبٍ تافهٍ بمعاقبة المسؤولين عن “اعتداء” على قطعة القماش التركية الملوَّنة بذات لون دماء الملايين الذين سفكت الإمبراطورية العثمانية وخليفتها الجمهورية التركية دمائهم. وربما لم يسبق أحدٌ هذا الرجل بمثل هكذا طلب، فالأمريكان تُحرَق أعلامهم في كلّ مكانٍ في العالم كلّ يومٍ تقريباً، والروس والصينيون حُرِقت أعلامهم في سوريا مراراً من قبل بعض المعارضين بدون ان ينبسوا ببنت شفة. حتّى الإسرائيليون تُحرَق أعلامهم حول العالم ولا يصرِّحون (على الأقل من قبل رؤساء حكوماتهم) بأنّهم يريدون الاقتصاص من كل من يلمس قطعة القماش الملوَّنة خاصّتهم.
الفاشية الإردوغانية، وهوس بعض الأعراب به هنا وهناك، جعلا إردوغان هذا يتصرّف ويطلق تصريحاتٍ و”فرمانات” وهو يظنّ بحقٍّ أنه إمبراطور الشرق الجديد، وهو الذي كان قد صرّح قبل بضعة فترةٍ ليست بالبعيدة بأنّ أساطيله ستغزو شرق البحر المتوسِّط وتأخذ من مياهه الدولية مرتعاً لها. فالمشكلة التركية-الإسرائيلية ليست مؤقَّتة كما يعتقد البعض، بل ما زالت في بداياتها، فتركيا تحلم حقاً باستعادة أمجادها الإمبراطورية التي لا يمكن أن تحقِّقها بوجود القوة الإسرائيلية.
في سياقٍ آخر، نحن نتوقّع بشدّة من دراسة كتاب حزقيال النبيّ المكتوب في القرن السادس قبل الميلاد، بأنّ منطقة تركيا الحالية سوف يكون لها دور محوري وهام جداً في إثارة القلاقل في الشرق الأوسط، كما سيكون لها دور رئيسي في الحرب المستقبلية المجهولة التوقيت القادمة، والتي ستكون الفيصل في إزاحة منطقة آسيا الصغرى (تركيا) تماماً من موازين القوّة وفي تغيير شكلها بشكلٍ نهائيّ.