هل هي خرافةٌ أن نتحدّث عن إمبراطوريّاتٍ قديمةٍ تعود للحياة؟ وهل هذا وهمٌ أم أنّها حقيقة؟ يستطيع كلّ شخصٍ أن يرى الأمور من وجهة نظره> فالبعض يرى الموضوع كمجرَّد احداثٍ سياسية عادية، والبعض الآخر يرى أن التاريخ عبارة عن دوراتٍ متشابهةٍ تكرِّر نفسها، وآخرون غيرهم يجدون أنّ ما يحصل عبارة عن أحداث فوضوية تماثل كل ما حصل خلال تاريخ البشرية الطويل، بكل ما شهده من قيام وسقوط دول وممالك وإمبراطوريات، وهناك فريقٌ من الناس يرى أنّ هناك يداً خفيّةً خلف كلّ ما يحصل. وهؤلاء هم المؤمنون بنظرية المؤامرة.
وفي كلّ الأحوال فإنّ مَن يرى الأمور بعيون روحيّةٍ هم قلّة قليلة جدّاً في هذا العالم، فحتى من بين الذين يعتبرون أنفسهم من أتباع الإيمانيات الروحية، المسيحية واليهودية خاصّةً، نجد ان قلّةً قليلة تعطي للنبوءات الكتابية أهميّة تُذكّر في نظرتهم لمسار التاريخ وأحداثه. ودائماً ما يُنظّر لوجهات النظر التي تعالج المسار التاريخ بفلسفة تاريخية تعتمد على نوعٍ من أنواع الحتمية التاريخية، وهي الفلسفة اليهودومسيحية، على انّها رؤية غريبة وفريدة في أحسن الأحوال، أو أنها سخيفة ولا تستحق الاطّلاع كما يراها التشاؤميون والليبراليون وغيرهم الكثير.
الأحداث التي تجري في العالم الآن تشير بالنسبة لدارسي الكتب النبويّة المسيحية-اليهودية، بأنّ شيئاً ما يحصل بشكلٍ متسارعٍ نسبيّاً في هذا العالم، وخصوصاً منذ أواخر العام 2010 وخلال مجرى العام 2011، ويبدو جليّاً بأن العام 2012 سيكون دراماتيكياً بشكلٍ كبير. الأحداث كثيرة وهي تتضمّن ثورات المنطقة العربية والإسلامية، والأزمات المالية في الولايات المتحدة وأوروبا، وسقوط عدة حكومات في أوربا والعالم العربي، والدعوات المتزايدة من الفاتيكان ودول وشخصيات سياسية أوروبية هامة لإقامة “سلطة عالمية” و”بنك مركزي عالمي” لتوزيع الثروة ولإقامة “ولايات متحدة أوروبية”. وفي الواقع، فإن كل ما يحدث يشير إلى أننا، ورغم كل الفوضى البادية حالياً على الساحة العالمية، نشهد بدايات ظهور تكتُّلات عالمية ضخمة سياسية واقتصادية، يتبع كلّ منها شكلاً من أشكال الديكتاتورية. وسيكون لهذا التوجُّه العالمي الجديد- القديم مئة ذريعة بدل الذريعة الواحدة في خضمّ كل هذه الكوارث الاقتصادية والأمنية والسياسية، في عالمٍ بات مُستَنزَفاً من جهة موارده وثرواته من ناحية، ومن جهة فشل الحلول الاشتراكية والرأسمالية الليبرالية وغيرها من ناحيةٍ أخرى.
وبعيداً عن الحديث في العامّيات، سنتّخذ في هذه المقالة، كما في مقالات أخرى قادمة، مثالاً على التغيُّرات الجذرية الحاصلة. ففي منطقة شمال أفريقيا التي كانت بداية شرارة الانتفاضات والثورات في المنطقة العربية، تجري تحوُّلاتٌ مهمّةٌ على كافّة الصُّعُد. فبعد سقوط الرئيس التونسي زين العابدين بن علي كانت الآمال عند طيفٍ واسعٍ من المتفائلين بأنّ هذا البلد سيشهد ولادة أوّل نظامٍ عربيٍّ يتّخذ من حرّية الإنسان شعاراً له. طبعاً بعض هؤلاء المتفائلين لخّص الحريّة كلّها بقيام الانتخابات الديمقراطية عبر صناديق الاقتراع، ولعلّ بعضهم الآخر ظنّ أن السياسات التي اتّبعها بن علي ومن قبله الحبيب بورقيبة لعلمنة المجتمع التونسي ستجدي نفعاً. إلّا أن الانتخابات الأخيرة التي حصلت بيّنت بما لا يدع مجالاً للشكّ بأن سياسات العلمنة والانفتاح لم يكن لها إلا تأثير محدود على المجتمع التونسي، ففوز حزب النهضة الإسلامي دلّ على أنّ أغلبية الشعب التونسي ما تزال تضع آمالها ومستقبلها ومصيرها بيد الحركات الإسلامية، ومن خلفها الإيديولوجيات المتشددة، رغم كل ما يُشاع عن “الوسطيّة” و”الاعتدال”.
وكما ذكرت سابقاً في مقال “تونس: هل هي بداية النهوض الأخير لفوط؟” فإنّ الحركات الإسلامية لم تكن لتفوِّت الفرصة التاريخية الذهبية السانحة لاستلام الحكم حتى لو كان هذا بمساعدة الأمريكان أو الشيطان!
تصريحات حمادي الجبالي، رئيس الوزراء التونسي الجديد، تبيِّن بأنّ الأجندة الإسلامية لا تحمل أيّة آمال بالحريّة للإنسان الفرد التونسي. فقد صرّح الجبالي بكل وضوحٍ لا لَبس فيه ولا يمكن الهرب من معانيه:
“يا إخواني أنتم الآن أمام لحظة تاريخية، أمام لحظة ربّانية فى دورة حضارية جديدة إن شاء الله في الخلافة الراشدة السادسة إن شاء الله، مسؤولية كبيرة أمامنا والشعب قدّم لنا ثقته، ليس لنحكم لكن لنخدمه “. (رابط الخبر)
لا أفترض بأن هذا الحديث يحتاج لكثيرٍ من الشرح، كما انني لا أعتقد أبداً بأنّه من نوع بيع الكلام لبسطاء القوم. فالحركات الإسلامية لها أجندة واضحة، وهي حتى لو تعاملت مع الغرب والأمريكان، فهو لخدمة مصالحها وليس مصالحهم، ولنا في النظام الإسلامي في تركيا عبرة ومثالاً، والمستقبل سيكون الشاهد الأكير على تكتيك الحركات الإسلامية المتعاونة مع الغرب الذي ربما يظنّ أنّه يضمن عمالة هذه الحركات للأبد.
الحركات الإسلامية نوعان: نوعٌ متشدِّدٌ صِدامي كالنظام الإيراني والطالباني، ونوعٌ يتبع تكتيكاتٍ أخرى تتمثّل بالتعاون مع الغرب وربما خدمته حتى يتمكّنوا لاحقاً هم أنفسهم، أو من ياتي بعدهم، من الاستقواء وتحدّي العالم كلّه، ولنا في تركيا والأخوان المسلمين أيضاً شاهداً ومثالاً.
وقد ذكرتُ سابقاً في المقالة نفسها أعلاه، بأنّه وحسب نبوءة الفصل 38 من كتاب حزقيال النبي، فإن منطقة المغرب العربي ممثَّلةً بليبيا وتونس والجزائر وربما المغرب، سيكون لها دور كبير في حروب الشرق الأوسط الدينية القادمة التي ستكون أورشليم (القدس) محورها. فهذه المنطقة التي تطلق عليها الأسفار النبوية اسم “فوط” لا يمكن أن تقوم بخطوةٍ موحَّدةٍ واحدة إلا بقيادة إيديولوجيّة متطرِّفة واحدة، وفي هذا العام ظهرت هذه الإيديولوجية على السطح وتمكَّنت من السيطرة على الحكم في تونس وليبيا (وقريباً مصر)، وأعتقد أنّ من يظنّ بأنّ هذه المنطقة ستظلّ فريسةً سهلة بيد الأوروبيين الغارقين أصلاً في أزماتهم الاقتصادية والمالية سيكون مخطئاً، وعموماً فإنّ هؤلاء لن يمنعوا قيام أيّ نظامٍ إسلاميٍّ متشدِّد طالما أنه يؤمّن احتياجاتهم ريثما تتحقّق له القوة اللازمة. ولمن لا يقتنع نسأل: هلى تمكّن الأمريكان برغم إمساكهم بكل منابع النفط الخليجية، من منع السعودية من أن تكون المصدِّر والمعلِّم الأوّل للإرهاب في العالم؟
حمادي الجبالي عاد وحاول التوضيح بأنّ حديثه عن “الخلافة الراشدة السادسة” يعني “المعنى الحضاري” لتلك الفترة. والأسئلة هنا: هل يقصد بالمعنى الحضاري حروب الردّة التي انطلقت لمحاربة كلّ من أراد التخلّي عن الدين؟ أم هل يعني بها انطلاق الفتوحات من جديد؟ أم أنّه يحلم بمعركة “حضارية” أخرى على نمط معركة اليرموك وفي موقعٍ قريبٍ جدّا منها؟!
نعود إلى تونس، فقد صرّح أيضاً الجبالي بحضور ضيفةٍ فلسطينية كانت تحضر خطابه بالتصريح الغريب التالي:
“حضور الأخت من فلسطين هذه إشارة ربانية، من هنا ينطلق بعون الله فتح القدس إن شاء الله، من هنا بدأت الثورة العربية ومن هنا انتصر الشعب التونسى ومن هنا الفتح بعون الله، تاكدوا إخواني.”
إذاً أصبح لدينا الآن متلقٍّ جديد “للوحي الإلهي” غير الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد! وإذا كان الجبالي يصرِّح بهذا وهو في بداية طريقه للحكم، فما حال التعبئة النفسية والتعليمية الدينية التي سيمارسها هو وحزبه على الشعب التونسي المعبَّأ أصلاً بغالبيته أو على الأقل بقسمٍ لا يُستهان به منه؟ ألا يؤشِّر هذا إلى أنّ تونس ربما ستصبح خزّاناً آخر من الخزّانات الجهادية العالمية؟ وإذا افترضنا أنّ الجبالي معتدلُ حقّاً، أفلن تكون فترة حكمه بما فيها من سياسات ممهِّداً لمن هو أكثر تشدُّداً وخطورةً يأتي بعده؟
دوماً إذاً، أورشليم القدس هي محطّ أنظار كلّ حركةٍ سياسية ونظامٍ استبداديٍّ في العالم العربي، وحجّة كلّ ثورة شعبية و”كتيبةٍ” جهادية تنتفض أو تقاتل هنا أو هناك. هذه الرّوح ليست بلا عواقب، والبرميل الذي يهتزّ بفعل الحقد والكراهية والآمال بعودة المعارك والانتصارات لا بدّ سينفجر في يومٍ ما لا يبدو أنه بعيدٌ جدّاً.
نقطة أولى : ظهور تكتُّلات عالمية ضخمة سياسية واقتصادية، يتبع كلّ منها شكلاً من أشكال الديكتاتورية
هذه حقيقة … مزيد من استعباد الناس واستغلالهم …
نقطة ثانية : الحركات الإسلامية نوعان: نوعٌ متشدِّدٌ صِدامي كالنظام الإيراني والطالباني، ونوعٌ يتبع تكتيكاتٍ أخرى تتمثّل بالتعاون مع الغرب وربما خدمته حتى يتمكّنوا لاحقاً هم أنفسهم،
بالحقيقة هما وجهان أو شكلان لعملة واحدة.
نقطة ثالثة : حجّة كلّ ثورة شعبية و”كتيبةٍ” جهادية تنتفض أو تقاتل هنا أو هناك.
القضية أن هنالك :
من هو مكتوب عنه أنه كان قتالاً للناس منذ البدء
وآخر تعرض للقتل ليعطي حياته للناس.
والسؤال في صف من نحن نقف اليوم , ولأي فكر نتبني وننتمي اليوم .
بعد الشكر والتقدير لكاتب المقال
لي بعض التعليقات أشارك بها.
نقطة أولى : ظهور تكتُّلات عالمية ضخمة سياسية واقتصادية، يتبع كلّ منها شكلاً من أشكال الديكتاتورية
هذه حقيقة … مزيد من استعباد الناس واستغلالهم …
نقطة ثانية : الحركات الإسلامية نوعان: نوعٌ متشدِّدٌ صِدامي كالنظام الإيراني والطالباني، ونوعٌ يتبع تكتيكاتٍ أخرى تتمثّل بالتعاون مع الغرب وربما خدمته حتى يتمكّنوا لاحقاً هم أنفسهم،
بالحقيقة هما وجهان أو شكلان لعملة واحدة.
نقطة ثالثة : حجّة كلّ ثورة شعبية و”كتيبةٍ” جهادية تنتفض أو تقاتل هنا أو هناك.
القضية أن هنالك :
من هو مكتوب عنه أنه كان قتالاً للناس منذ البدء
وآخر تعرض للقتل ليعطي حياته للناس.
والسؤال في صف من نحن نقف اليوم , ولأي فكر نتبني وننتمي اليوم .
تحية لك أخ مازن
أسعد دائماً بمشاركتك وتعليقك