بقلم فادي أبو ديب
تبقى نبوءة حزقيال المكتوبة قبل حوالي 2600 عام واحدة من أكثر نبوءات الكتاب المقدَّس والأدبيّات الدينية القديمة إثارة للدهشة. فدقّة هذه النبوءة، وخاصّة بسبب الوقت الذي كُتِبت فيه لا ريب أنّها ستثير كلّ دارسٍ حقيقيّ وباحثٍ جادّ في الكتاب المقدَّس الذي تقرأه قلّة وتدرسه حفنةٌ لا تكاد تُذكَر من هذه القلّة.
وقد تحدّثتُ في مقالاتٍ سابقة عن ما يختصّ بالفصل 38 من هذه النبوءة، والتي تتحدّث عن تفاصيل المعركة العظيمة التي سيشنّها تحالفٌ من الدول على أرض إسرائيل قبل نهاية الدّهر الحالي ومجيء الرب يسوع المسيح ليحكم الأرض بفترة قصيرة.
من ضمن دول التحالف المذكور، تذكر نبوءة حزقيال مشاركة “كوش” حيث تقول في الفصل 38:
” 1وكان إليّ كلام الرب قائلاً:
2يا ابن آدم اجعل وجهك على جوج أرض ما جوج رئيس روش ماشك وتوبال وتنبأ عليه
3وقل: هكذا قال السيد الرب. هانذا عليك يا جوج رئيس روش ماشك وتوبال [تركيا].
4وأُرجِعك وأضع شكائم في فكّيك وأُخرِجك أنت وكلّ جيشك خيلاً وفرساناً كلّهم لابسين أفخر لباس، جماعة عظيمة مع أتراس ومجانّ، كلّهم ممسكين السيوف.
5فارس [إيران] وكوش وفوط [ليبيا والمغرب العربي] معهم كلّهم بمجن وخوذة.”
وقد كان هذا الاسم الذي يشير إلى مملكة أو بلد، محلّ التباس ليس بالكبير ولكن المؤثِّر على فهم منطقية النبوءة. فبعض الدّارسين وقعوا في الخطأ بسبب الترجمة السبعينية للعهد القديم فظنّوا أنّ كوش هي منطقة إثيوبيا الحالية، وهذا خطأ، حيث تشير دائرة المعارف الكتابية إلى أنّ كوش هي “… بلاد النوبة الواقعة جنوبي مصر، وتترجم في السبعينية إلى “إثيوبيا” (وهي ليست المعروفة باسم “إثيوبيا” الآن)… “. كما يذكر موقع تاريخ الشرق الأدنى القديم أن مملكة كوش “[هي] مملكة النوبة القديمة في شمال السودان حالياً والتي سيطر حكّامها على جنوب مصر في القرن الثامن قبل الميلاد، وأسّسوا عاصمةً لهم في نبطة Napata…”. وقد سكن النوبيّون على ضفّتي النيل من أسوان (المصرية حالياً) حتى ما يُعرف بالشلال السادس جنوبي مدينة الخرطوم العاصمة الحالية للسودان. ويذكر الباحثون بأنّ مملكة كوش هذه سيطرت على كامل مصر من حوالي عام 730 ق.م وحتى 671 ق.م. (انظر الرابط).
واسم “كوش” في الأساس يعود لأول أبناء حام بن نوح، وهو الذي ولد نمرود الذي أسّس بابل بحسب الفصل 10 من سفر التكوين. ويذكر المؤرِّخ اليهودي فلافيوس يوسيفوس بأنه “من بين أبناء حام الأربعة، فإن الزمن لم يؤذِ (يطمس أو يغيِّر) أبداً اسم كوش، لأنّ الإثيوبيين الذين حَكَمَهم، ما زالوا حتى اليوم يدعون أنفسهم كوشيين، وكذلك يدعوهم كل الناس في آسيا.”
وكما رأينا فإن الترجمة السبعينية كانت تطلق على النوبيين إسم الإثيوبيين، كما يذكر بعض العلماء مثل يوهانس ميكائيليس بأنّ كتّاب سوريا كانوا يُطلقون على الحِمْيَريين في اليمن اسم كوشيين وإثيوبيين. (انظر الرابط). ويبدو إن إثيوبيا اليوم سمّيت بهذا الاسم نسبةً إلى أجدادهم الإثيوبيين الذين سكنوا في الأساس في شمالي السودان.
دور السودان اليوم في صراع الشرق الأوسط:
رغم ما قد يظهر من قلّة الأهمية السياسية والعسكرية- على صعيد الشرق الأوسط ككل- لدولة غارقة في الصراعات والحروب الداخلية مثل السودان، إلا أن قليلاً من البحث عن دور السودان في صراعات الشرق الأوسط يجعلنا نكتشف أنّ لهذه المنطقة دوراً كبيراً جدّاً، لا بل أهم من كثير من الدول العربية الأخرى، على صعيد الصراع العربي- الإسلامي- الغربي- الإسرائيلي. والسودان رغم أنه محكوم من نظامٍ أقل ما يمكن وصفه بأنّه ميّال للإسلامية السياسية، فهو يُعتَبر قاعدة رئيسية للنشاطات الإيرانية- ذات النظام الشيعي- في منطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا. فقد تحدّثت العديد من البيانات الصادرة عن الحركة الشعبية السودانية بأنّ القوات السودانية كانت تستعين بخبراء وأسلحة إيرانية في حربها معها، لا بل أنها استعملت، بحسب الادّعاءات، أسلحة كيميائية زوّدتها بها إيران لقصف معاقل الحركة في جنوب كردفان. ومن المعلوم أيضاً أن إيران تستعمل شرق السودان لإقامة معسكرات تدريب لمقاتلي الحركات الإسلامية مثل حماس وغيرها، كما تستعمل المنطقة كموقع رئيسي لتهريب الأسلحة للجماعات الفلسطينية الإسلامية المتشدِّدة. (عمار عوض- مئة سؤال حول زيارة نجاد إلى السودان)
وقد شهد عام 2011 زيارةً للرئيس السوداني عمر البشير إلى طهران، كما زار الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الخرطوم في اواخر شهر أيلول/سبتمبر 2011، حيث أبدى دعمه المطلق للنظام السوداني على جميع الأصعدة في مقابل دعم البشير المطلق للبرنامج النووي الإيراني وفتح بلاده للاستثمارات الإيرانية. وتذكر صحيفة “سودانايل” الإلكترونية السودانية أنّ الطرفين كانا قد وقّعا اتفاقيةً للتعاون العسكري عام 2008. (انظر الرابط).
هذا في حين تنشط الحركات السلفية في السودان التي أصبحت منذ تسعينيات القرن الماضي مقرّاً للعديد من قيادات وأفراد تنظيم القاعدة، بما فيهم أسامة بن لادن نفسه في مرحلة سابقة.
المنظر العام في السودان اليوم هو لدولة يحكمها نظام شبه إسلامي ديكتاتوري، يُعتَبر ملاذاً آمناً للحركات السلفية الجهادية على وجه الخصوص، ويشكّل قاعدةً للوجود العسكري الإيراني الذي يستخدم الأراضي السودانية بحريّة تامّة لتدريب المقاتلين الإسلاميين وتهريب السلاح إلى الأراضي الفلسطينية، لصالح الحركات الإسلامية التي باتت تعمل بأجندة إيرانية واضحة لزعزعة ما بقي من الاستقرار في الشرق الأوسط الذي يقترب شيئاً فشيئاً من الحرب الشاملة.
علاقة تحالف حزقيال:
لم يعد من داعٍ لأن نفكّر في الوقت الذي سيبرز فيه التحالف الوارد في نبوءة الفصل 38 من كتاب حزقيال النبي، فالتحالف موجود ولم يعد يحتاج إلا لبعض الظروف التي ستشدِّد أواصره وتمتّنها، فإيران السودان وتركيا وليبيا وتونس ، بالإضافة لروسيا، قد بدأت تقترب شيئاً فشيئاً من التحالف الوثيق الموجود أصلاً بين عدّة دول منها، وذلك على الرغم من وجود بعض الخلافات هنا وهناك.وتدريجياً تتكشّف علاقات مقاتلي ليبيا مع نظام إيران عبر قيام هؤلاء بتهريب السلاح لمصلحة المعسكرات الإيرانية في السودان القريبة، كما أن علاقة هؤلاء بتركيا أكثر وضوحاً، حيث يبرز دورهم الحالي في دعم الجماعات المسلَّحة في سوريا عن بدعم تركي لا يخفى على أحد.
عندما نطق حزقيال بنبوءته في القرن السادس قبل الميلاد، جمع بين طيّاتها مزيجاً غريباً من الشعوب والمناطق المختلفة الدين والفكر والأهداف حينها، وقال بأنّها ستهاجم قطعة أرضٍ صغيرة محيطة بأورشليم المدمَّرة وقتها. نبوءته هذه، حالها كحال نبوءة زكريا، كانت تبدو غير منطقية في وقتها. ولكننا اليوم نشهد اقتراباً غير مسبوقٍ لهذه الدول والشعوب بفعل اشتراكها بذات الفكر المتشدد مع اختلاف تيّاراته، وبحكم كونها تملك ذات الهدف الي هو السيطرة على أورشليم وما يحيط بها لقيمتها الدينية الكبيرة لعدة أديان لم تكن موجودة في أيام حزقيال.
أيّ حربٍ قادمة أو هجوم من إسرائيل على إيران أو العكس ربما سيجعلنا نرى هذا التحالف موضع التطبيق في السنوات القادمة، فالمسرح قد تم إعداده ولم يعد بحاجة إلا لرفع السِّتار.
مواضيع مرتبطة:
تونس: هل هي بداية النهوض الأخير لفوط؟
هل نشهد حالياً اكتمال عقد تحالف حزقيال 38؟