كنت قد تحدّثت في مقالات عديدةٍ سابقة عن الحرب القادمة التي يتحدّث عنها كتاب حزقيال العبري القديم بين إسرائيل وعدة دول، معظمها شرق أوسطية وأفريقية، ولكني لم أتعرّض لكل الأسباب المحتملة لهذه الحرب المدمِّرة، باستثناء الكراهية الدينية غير القابلة للزوال بين شعوب الشرق الأوسط والشعب اليهودي، والتي لها مسبِّبات كثيرة لن أتعرّض لها في هذا المقام.
وقد يسأل أحدنا: ما الذي يمكن أن تطمع به كل هذه الدول لتشنّ حرباً على إسرائيل؟ وبالطبع ستكون مفاجأة كبرى إن جاءه الجواب: “إنّها مصادر الطاقة. ستكون حرباً على النفط والغاز”. فالأخبار التي تأتينا من هناك منذ بضعة أعوام حتى الآن تنبئ بأنّ الأهمية الجيوسياسية للدولة العبرية قد تكون في طريقها للتغيّر بصورة حاسمة. ويقول برِت ستيفنز في صحيفة الوول ستريت جورنال بأنّ “المجلس العالمي للطاقة يقدِّر المستودعات الجوفية المتموضعة على بعد حوالي 30 ميلاً جنوب غرب أورشليم القدس، يمكن أن تنتِج في النهاية حوالي 250 مليار برميل من النفط.” وهذا بحسب الكاتب يقترب من مخزون المملكة العربية السعودية التي يُقدَّر احتياطها بحوالي 260 مليار برميل، مع العلم أن الولايات المتحدة الأمريكية تستهلك سنوياً حوالي 7 مليارات برميل من النفط. [1] ورغم الصعوبات التي تكتنف استخراج النفط في تلك المنطقة (بعكس النفط في الخليج العربي)، إلا أنه من المحتمَل أن يبدأ الإنتاج بحلول عام 2018 أو بعدها بقليلٍ من السنوات.[2]
وكان الشهر الأول من عام 2009 قد شهد اكتشاف حقل ضخم للغاز قبالة السواحل الإسرائيلية، فيما عُرِف لاحقاً بحقل “ثامار” والذي يحتوي على حوالي 9 تريليونات قدم مكعَّبة من غاز الميثان الصافي (غاز نخب أوّل). وبعد هذا الاكتشاف بشهرين اكتُشِف مستودعٌ آخر في حقل آخر للغاز هو حقل “داليت”. امّا الاكتشاف الكبير فقد كان ما أُعلِن في نهاية عام 2010، حيث أعلنت شركة Noble Energy Inc. التكساسية الأمريكية والتي تدير حقل “لوياثان” للغاز، والذي يبعد حوالي 84 ميلاً عن الشاطئ، أنّ هذا الحقل يحتوي على 16 تريليون قدم مكعّبة من الغاز، وهذا ما يجعله أكبر اكتشافات حقول الغاز البحرية في العالم خلال عقد كامل. وكانت إحصائية جيولوجية أمريكية أُجريت في آذار/ مارس 2010 قد قدّرت أن حوض بلاد الشام البحري يحتوي على حوالي 122 تريليون قدم مكعبة من الغاز (وهو ما يعادل نصف مخزون الولايات المتحدة تقريباً حتى ذلك العام) و1،7 مليار برميل من النفط. [3]
ومؤخّراً أعلنت الحكومة الإسرائيلية بدء تنفيذ مشروع “السد العالي الإسرائيلي”، ويبدو هنا أن الاسم المقتَبَس من اسم السد المصري الشهير يوحي بضخامة المشروع الجديد، حيث يهدف إلى تصدير الطاقة الكهربائية إلى أوربا انطلاقاً من مدينة أسدود الساحلية القريبة من قطاع غزّة. ” ويعد مشروع السد العالي الإسرائيلي على قرب إسرائيل الجغرافي من قبرص وجزيرة كريت واليونان، والأخيرة تقيم فيها إسرائيل حاليا البنية التحتية للناقل الكهربائي علي عمق 5.2 كيلو تحت سطح البحر، لربط إسرائيل بشبكات الكهرباء القبرصية واليونانية حتي 53 ألف كيلو متر تصل إلي بداية الساحل الأوروبي في المرحلة الأولي وينتظر أن تصل إلى 600 كيلو متر داخل الأراضي الأوروبية لتمد أكثر من 10 دول أوروبية بقدرة كهربائية قدرها ألفا ميجاوات ترتفع عام 2020 إلى 4 آلاف ميجاوات.”[4]
يمكننا بعد هذه الإحصائيات المختصَرة أن نتخيّل المكانة التي ستحتلّها الدولة العبرية في ميزان القوى العالمية، وفي عالمٍ يعيش أزمة اقتصادية تعد بإسقاط كثير من الدول العظمى عن عروشها في قيادة اقتصاد العالم، وفي الوقت الذي بدأ فيه النفط الخليجي بالنضوب، حيث أعلنت الكويت في عام 2007 عن هبوط العمر الافتراضي لأكبر حقولها “برقان” من 25 عام حتى 5 شهور! كما تتحدث بعض الدراسات عن قرب وصول العديد من حقول النفط الخليجية إلى نقطة تضطر فيها إلى تخفيض إنتاجها، هذا إن لم تكن فعلاً قد وصلت فعلاً إلى هذا الحد، ورغم أن هناك انتقادات كثيرة لما يُعرَف بنظرية ” نفط الذروة Peak Oil”، إلا أنه يبدو أن هناك اتفاقاً أن هذه النظرية صحيحة على الأقل بالنسبة للسعودية. (الرابط). وهكذا يبدو أنّ العديد من حقول النفط الخليجية ستكون في خريف عمرها الإنتاجي عندما تبدأ الحقول الإسرائيلية بإنتاجها القوي، ربما في بداية العقد القادم من هذا القرن.
يمكننا هنا ربما أن نفهم ما يقوله سفر حزقيال، حين يتوجّه بالكلام نبوياً لقائد الجيوش المحاربة فيقول في الفصل 38:
“هكذا قال السيد الرب ويكون في ذلك اليوم أنّ أموراً تخطر ببالك فتفكِّر فكراً رديئاً. 11 وتقول أني أصعد على أرض أعراء، آتي الهادئين الساكنين في أمن. كلّهم ساكنون بغير سور، وليس لهم عارضة ولا مصاريع. 12 لسلب السلب ولغنم الغنيمة لردّ يدك على خرب ٍمعمورة وعلى شعب مجموع من الأمم، المقتني ماشية وقنيةً، الساكن في أعالي الأرض. 13 شبا وددان وتجار ترشيش وكلّ اشبالها يقولون لك: هل لسلب سلبٍ أنت جاءٍ؟ هل لغنم غنيمةٍ جمعت جماعتك؟ لحمل الفضة والذهب، لأخذ الماشية والقنية، لنهب نهبٍ عظيم؟ 14 لذلك تنبّأ يا ابن ادم وقل لجوج: هكذا قال السيد الرب: في ذلك اليوم عند سكنى شعبي اسرائيل آمنين أفلا تعلم؟! 15 وتأتي من موضعك من أقاصي الشمال، أنت وشعوب كثيرون معك. كلّهم راكبون خيلاً، جماعةً عظيمةً وجيش كثير. 16 وتصعد على شعبي إسرائيل كسحابةٍ تغشّي الأرض، في الأيام الأخيرة يكون، وآتي بك على أرضي، لكي تعرفني الأمم حين أتقدّس فيك أمام أعينهم يا جوج.”
بالتأكيد لم يملك يهود ما بعد السبي البابلي، في أواخر القرن السادس قبل الميلاد، كلّ تلك الثروات التي تستأهل ان يشنّ عليها حلفٌ عالميّ كالذي نقرأ عنه سابقاً حرباً كالموصوفة أعلاه. فالنص السابق لا يمكن أن يكون قد تمّ تاريخياً لهذا السبب ولأسباب أخرى لا يتّسع المقام هنا لشرحها.
والسؤال الذي يطرح نفسه أيضاً هو: أيّ “ذهبٍ وفضّةٍ”، وأيّ ثرواتٍ يمكن أن تملكها رقعة صغيرة من الأرض وتجعلها مطمعاً لدولٍ أخرى، إلا إن كانت تمتلك شريان حياة الطاقة في منطقة يسكنها مئات الملايين؟ فكثيرٌ من الصراعات والقضايا العالقة يمكن أن تُحلّ بالنَّفَس الطويل إلا ما يتعلّق منها بالنفط والغاز، والتي هي مسألة حياة او موت في عالم اليوم وعالم المستقبل الذي يبدو أنّه لا ينوي، او لا يستطيع، التحوّل إلى سُبُل الطاقة البديلة؟
إن أصبحت إسرائيل مصدِّراً للطاقة، ينافس أو يتفوّق على دول الخليج، ولاعباً قادراً على التحكّم بالثروة بأسعار الطاقة العالمية، فإنّ هذا قد يجرّ عليها الويلات وخاصّة مع الإصرار التركي على أن يكون “للإمبراطورية العثمانية الجديدة” نصيبٌ من غاز البحر المتوسط ونفطه، بحجة حصّة قبرص التركية. ولا ريب أنّ إمبراطورية تحاول البروز كتركيا لن تتسامح مع دولةٍ أخرى تحاول أن تكون اللاعب الأوّل والوحيد والأغنى ومالك شريان الطاقة في منطقة الشرق الأوسط.
إنّ النفط والغاز الذي جعل منطقة الخليج العربي وشمال إفريقيا محطّ أنظار كل دول العالم، لا شكّ أنه سيجعل الدولة العبرية محطّ أنظار دولٍ كثيرة تناصبها العداء من الأساس لأسباب لا تُخفى على أحد.
الهوامش:
[1]برِت ستيفنز، صحيفة وول ستريت جورنال. انقر هذا الرابط