ليبيا وتونس والهجوم القادم على أورشليم


بقلم فادي أبو ديب

لا شكّ بأنّ كل متابع لأحداث الشرق الأوسط يلحظ التغيّرات الكبيرة التي قدّمتها الثورة الليبية لدور ليبيا في الشرق الأوسط. وبعد أن كانت ليبيا في عهد القذافي تركّز على إفريقيا بشكل رئيسي، تحوّل التركيز الليبي بفعل كثير من العوامل إلى منطقة ساحل شرق المتوسّط؛ كما أنها تحوّلت إلى مركز هام لتجارة السلاح والثورات في الشرق الأوسط. وباتت مدينة مصراتة أهم مدينة إفريقية في تجارة السلاح غير الشرعي بحسب كثير من التقارير المنتشرة.

أما النقطة الأهم فهو تحوّل ليبيا إلى مرتعٍ للميليشيات المتعدّدة الأشكال والأهداف، وإن كانت الميليشيات الإسلامية التي يرأسها الزعيم السابق للجماعة الليبية المقاتلة عبد الحكيم بلحاج أقواها.  وجود كل هذه الميليشيات الإسلامية، بالإضافة للأحزاب والتيارات الأخرى المشابهة أو التي ليس لديها مشكلة مع الإسلاميين، يجعل من شبه المؤكَّد أن ليبيا لن تخرج من الشكل الإسلامي في الحكم، والذي انتصر في تونس والمغرب ومصر.

كما تشير تقارير أخرى إلى الدور التونسي الكبير، من بين عدة دول، في تسليح المقاتلين الليبين ودعمهم لوجستياً، وهذا ما كشفه أخيراً رئيس الوزراء التونسي السابق الباجي قائد السبسي. (انظر هذا الرابط).

إننا إذاً أمام نقطتين هامتين، هما:

* تحوّل قسم كبير من الثوّار الليبيين إلى عصابات كبيرة تتاجر بالسلاح والمقاتلين، وكلّ المتابعين للأوضاع الحالية أصبح يعلم وجود العديد منهم في تركيا وسوريا ولبنان، وربما الأردن. هذا بالإضافة إلى ما تكشّف عن إرسالهم باخرة- قد لا تكون الأولى- إلى المقاتلين في سوريا ولبنان.

* التقارب الكبير الذي حصل في منطقة شمال أفريقيا بين تونس وليبيا، اللتين كان بينهما عداء كبير في أيام الرئيسين المخلوعيْن، زين العابدين بن علي ومعمَّر القذافي، مما يسمح أيضاً بترسيخ تأثيرات الإسلام السياسي والجهادي- الموجودة أصلاً في ليبيا- بفعل قدومها من تونس التي يحكمها الآن الإسلاميون، والتي أصبحت هي نفسها موقعاً حصيناً لتيارات أخرى سلفية أشد ضرراً وتطرّفاً، والتي أفادت الأنباء نقلاً عن وزير الشؤون الدينية التونسي عبد الرؤوف الخادمي بأنهم الآن يسيطرون على حوالي 400 مسجد من أصل 5000 في تونس، من بينها المسجد الكبير في سيدي بو زريد معقل الثورة التونسية، والمسمّى حالياً “مسجد قندهار”، تيمّناً بمعقل حركة طالبان الأفغانية. (انظر هذا الرابط)

النقطتان السابقتان تبيّنان القوة الجديدة التي تنهض في تلك المنطقة التي يسمّيها الكتاب المقدس “فوط” في غير موضع. هذه القوة التي تتسم بالتطرّف والفكر الجهادي أو الحاضن للجهاديين على أقل تقدير، كما تبيّن التقارب الكبير بين بلدان هذه المنطقة؛ وقد لا نستغرب مستقبلاً نشوء تحالفات تشابه مجلس التعاون الخليجي!

يظنّ الكثيرون أنّ الغرب يسيطر على كل هذه الحركات الإسلامية، إلا انني أؤمن أنّ هذا الاعتقاد ليس في محلّه؛ فالغرب وإن تمكّن من السيطرة على بعض الحركات، فهو لا يمكنه التحكّم فيها جميعاً وبأشدّها عنفاً؛ وحتى إن كانت علاقة الطرفين جيّدة الآن، فيكفي أن نتذكّر علاقة القاعدة والولايات المتحدة أيام الغزو السوفييتي لأفغانستان، وما حلّ بهذه العلاقة فيما بعد؛ ويكفي أن نتذكّر ايضاً كيف أنّ علاقة الغرب الممتازة  بدول الخليج العربي لم تمنع وجود بيئات شديدة العداء لهذا الغرب نفسه، بل إنّ الخليج بالذات هو أكبر منبع فكري وجهادي في العالم.

أمّا النقطة المهمة التي يجب أن نتذكّرها فهي أنّه مهما كانت علاقة الحكومات الإسلامية بالغرب، فإنّ هذا لا يمنع نموّ الفكر المتطرّف في داخل البلاد المحكومة بهؤلاء الإسلاميين؛ فهذه العلاقة لا تمنع من أن يصبح البلد مصدِّراً للجهاديين لكل انحاء العالم، كما هي باكستان والمغرب والجزائر وإندونيسيا.

منطقة فوط (ليبيا والمغرب العربي) تتحضّر تدريجياً لأن تلعب دورها الكبير في الحرب القادمة حول أورشليم القدس؛ وهذه الثورات التي أوصلت الإسلاميين والجهاديين للحكم والنفوذ في الدولة والمجتمع ليست وليدة مصادفة تاريخية عديمة الهدف، بل هي أحداث ترتِّب لظهور الممثّلين الحقيقيين على مسرح الأحداث القادمة. وهنا نتذكر تصريحات حمادي الجبالي، رئيس الوزراء التونسي الحالي، عن “خلافته السادسة” وموضوع تحرير القدس؛ فهذه الأمور حتى لو لم تُنفَّذ في عهد الحكّام الحاليين، إلا أنها تعطي صورة واضحة عن مدى تمكّن الأيديولوجية الجهادية في تلك الدول والمجتمعات.

الحرب القادمة ستكون إحدى المعارك الأخيرة التي تسبق مجيء الرب المسيح إلى أورشليم. وتخصّص نبوءة حزقيال مقاطع طويلة وشبه تفصيلية عن وصف هذه المعركة وما يليها، ونذكر هنا فقط موقع المعركة والأطراف المشاركة فيها، والواردة في الفصل 38:

…هكذا قال السيد الرب هأنذا عليك يا جوج رئيس روش ماشك وتوبال [مناطق في تركيا الحالية]، وأرجِعك وأضع شكائم في فكّيك، وأخرجك أنت وكلّ جيشك خيلاً وفرساناً،  كلهم لابسين أفخر لباس، جماعة عظيمة مع أتراس ومجانّ، كلّهم ممسكين السيوف. فارس [إيران] وكوش [السودان] وفوط[ليبيا وتونس والجزائر] معهم كلهم بمجن وخوذة، وجومر[منطقة في تركيا الحالية] وكل جيوشه، وبيت توجرمة [منطقة في تركيا الحالية أيضاً] من أقاصي الشمال مع كل جيشه. شعوباً كثيرين معك. استعد وهيّئ لنفسك أنت وكل جماعاتك المجتمعة إليك فصرت لهم موقَّراً. بعد أيام كثيرة تُفتَقَد، في السنين الأخيرة تأتي إلى الأرض المسترَدّة من السيف، المجموعة من شعوب كثيرة على جبال إسرائيل، التي كانت دائمة خربة للذين أُخرِجوا من الشعوب وسكنوا آمنين كلّهم.”

(ويمكن قراءة دراسات حول ارتباط الأسماء القديمة بالدول الحديثة في المقالات التالية)

مواضيع مرتبطة:

ليبيا: الطريق نحو فوط؟

تونس: هل هي بداية النهوض الأخير لفوط؟

هل نشهد حالياً اكتمال عقد تحالف حزقيال 38؟

السودان وإيران: حلقة أخرى من حلقات نبوءة حزقيال

الثورات العربية: إعداد المسرح لحروب الأيّام الأخيرة

الطريق إلى وادي يهوشافاط

أورشليم والخلافة السادسة

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.