لم يعد خافياً أنّ الأردن يعاني من ضغوط اقتصادية متزايدة لم تعد تُحتَمَل، وقد تجلّى هذا في التزايدات الملحوظة والمتكرّرة في أسعار كثير من السِّلَع الحيوية مثل المازوت والبنزين والكهرباء، بالإضافة لأنباء بات لها كثير من المصداقية، بناءً على تجارب سابقة، عن رفع سعر الخبز وما يتعلّق به، وذلك بالإضافة لما سبق وارتفعت أسعاره من مختلف أصناف الحاجات اليومية للمواطن الأردني، لدرجة باتت اللحوم ومعظم أنواع الخضار والفاكهة بمثابة الرّفاهية حتى للأسر الميسورة الحال. هذا التدهور الكبير الذي دفع ايضاً إلى اقتطاع اجزاء من رواتب الوزراء والضبّاط، ياتي ايضاً مع تأخّر المساعدات الخليجية والأمريكية، في ظلّ ما تسمّيه وسائل الإعلام “ربيعاً عربياً”، حيث يبدو جليّاً أن المطلوب من الأردن أمريكياً وخليجياً في هذه المرحلة سيكون أكبر من أن يستطيع الأردن تحمّله حتى لو في مقابل مساعدات مالية كبيرة؛ فأيّ تدخّلٍ مسلَّح بشكل مباشر أو غير مباشر في الحرب السورية سيكون ذا نتائج كارثية على الأردن على المدى القريب والبعيد، كما أنّ هذا البلد لن يكون قادراً على استيعاب فلسطينيي القدس والضفة الغربية تحت أيّ ظرفٍ من الظروف، لأسبابٍ مادّية ومعنوية. وهكذا نرى أنّ تاريخ الأردن المعروف بعلاقاته الممتازة مع الولايات المتحدة لا يشفع له حالياً حتّى في أخذ حقّه في بضعة عشراتٍ أو مئات ملايين من الدولارات، مما يضعه في ازمة خطيرة على المستويين الشعبي والسياسي، وخاصّةً مع ارتفاع سقف المطالب الشعبية شيئاً فشيئاً، وعلوّ صوت التيّارات الإسلامية أكثر من ذي قبل. وهكذا فإذا كان الملك الأردني سيجد نفسه في كلّ الأحوال معرَّضاً للخطر، فما الذي سيمنعه من بدء التقارب مع المحور الإيراني، وهو بالتأكيد ما سيكون ثمنه كبيراً جداً، وخاصّة بسبب الموقع الاستراتيجي الذي يسيطر عليه الأردن بالنسبة للمصالح الإيرانية في المنطقة. التعاون قد لا يكون على الأغلب في صيغةٍ واضحة كما هو الحال مع التحالف السوري مع إيران، ولكنه قد يكون، وربما هذا قد بدأ فعلاً، في تقديم معونات امنية هامة للنظام السوري المخنوق، ومنح خاصرةٍ آمنة، لابل ومعينة، للأجهزة الأمنية السورية.
يبدو من المستبعد حالياً حصول تحالف واضح بين الأردن وإيران، لأسباب تتعلّق بتاريخ العائلة المالكة وارتباطاتها ومصالحها التاريخية، ولكن إن كان أمرها مقضيّاً والثمن المطلوب منها ان تدفعه في هذا الوقت الخطير عالياً جداً ولا يمكن تحمّله مهما كان العائد المادّي والسياسي، فما الذي يمنع من محاولة إنقاذ تنتشل البلد من هذه الهوّة الاقتصادية والسياسية الرهيبة التي بدأ حقاً ينزلق إليها؟؟ الأيام ستكشف لنا تطوّرات خطيرة في شكل المنطقة عموماً، والأردن خصوصاً، والذي يقترب شيئاً فشيئاً من رياح الفوضويات العربية. فهل يعلم حكّام الأردن كم الثمن الذي يمكن أن تدفعه دول مثل إيران وروسيا والصين في مقابل مركز نفوذ، جزئي أو كلّي، يأتيهم على طبقٍ من ذهب؟ ومن سيكون أكثر كرماً؛ مَن لديه عشرات مواقع النفوذ في المنطقة، أم مَن لم يتبّقَ لديه سوى بضع جيوب نفوذ ومراكز قوى مترنّحة، هنا وهناك؟ وكم من الفائدة قد تجنيها دولة، في مثل هذا الموقع، وقادرة على مساومة الدول الكبرى “بنعومة”؟
نحتاج لأن نخرج، كشعوب هذه المنطقة، من تصنيفات الوطنية والخيانة والعمالة عندما يتعلّق الموضوع بالاستراتيجيات والتكتيكات السياسية، فهذه كلّها أحكام اخلاقية وليس لها أيّ معنى في العملية السياسية البراغماتية. والتاريخ العالمي والعربي قديماً وحديثاً يعطينا أمثلة لا تُحصى عن تبدّل التحالفات السياسية والعسكرية وانقلابها رأساً على عقب؛ فلا يمكن القول بأنّ فلان حاكم “عميل” وبالتالي تحالفه مع هذه الجهة أمر حتميّ. هذا غير موجود في السياسة ولعبة المصالح، وكلمة “عميل” أو “خائن” لا تعدو عن كونها تعبيراً ساذج أو مصطلح قَبَلي، يصلح في أحسن الأحوال في نزاعات المصاهرات العشائرية أو الصراعات القبلية على نمط “حرب البسوس”. فهل سنشهد في الأشهر أو السنوات القليلة القادمة تبدّلاً جذرياً في موازين التحالفات السياسية في المنطقة؟ أم أنّ ما يحصل هو مجرّد “فركة أذن” مؤقّتة للأردن؟
من نافل القول بأنّ الدول الإمبراطورية الكبرى لن توقف مشاريعها العالمية من أجل “صديقٍ” هنا أو “حليفٍ” صغيرٍ هناك، وعلى هذا فالأردن، كما غيره من الدّول العربية، ليس بمعزلٍ عن رياح التدخّلات الأجنبية، وخصوصاً فيما يختصّ بالمسألة الفلسطينية وحلولها المفتَرَضة، ولو أدّى ذلك لتغيير كامل المشهد المألوف. وإن حدث هذا، فلن يكون هناك أقرب وأجدى نفعاً من إيران، والتي سترحّب بدورٍ جديد في المنطقة، وفي نفس الوقت تستغلّ حجّة حماية المسألة الفلسطينية من التصفية. والغريق يتعلّق بقشّة، كما يّقال!
[…] نقلاً عن مدونته – 2/6/2012 […]