“إنّها كلمات قليلة لا تصف إلا شيئاً بسيطاً مما يصعب وصفه من مفهوم الإنسان الحقّ”
يخطئ الكثيرون عندما يعتقدون أنّ عبارة “تلميذ ليسوع المسيح” هي صيغة أخرى أكثر ذكاءً من كلمة “مسيحي”، ولكن هذا غير صحيح البتة في عصرنا الرّاهن، فرغم أنّ التلاميذ في أنطاكية أُطلق عليهم وصف “مسيحيون” منذ القرن الأول (ولم يكن هذا هو الوصف الأول الذي يُطلَق عليهم)، إلا أنّ ذلك كان قبل نشوء أيّة صياغات ومذاهب لاهوتية رسمية متطوّرة مرتبطة بشكل رئيسي بعناصر ثقافية وسياسية واقتصادية وطائفية متعدّدة ومتنوّعة.
الديانة المسيحية اليوم مؤلّفة من مجموعة طوائف مختلفة، ومتباينة جداً أحياناً، بحسب ظروف نشاتها وبحسب ردود أفعالها على التحدّيات السياسية والثقافية والاجتماعية التي حصلت خلال 2000 عام من تاريخ رسالة يسوع المسيح الناصري.
وكلّ طائفة موجودة بشكل رسميّ منظّم لديها فِكر لاهوتي، تقترب بعض عناصره من الكتاب المقدّس ويبتعد البعض الآخر من هذه العناصر بطرق متفاوتة. وعلى مستوى أبسط، يمكن ملاحظة أنّ كل جسم كنسي مؤسساتي ضمن الديانة المسيحية لديه محبّذات ومحرّمات ثابتة أو شبه ثابتة، موضوعة أيضاً كردود أفعال على ظواهر مجتمعية وسياسية وثقافية معيّنة.
بالمختصر فإنّ الديانة المسيحية اليوم، هي ظاهرة جمعيّة شعوبية مؤلفة في الحقيقة من “مسيحيّات” مختلفة، كلّ منها يدعم طريقةً سياسية واقتصادية وثقافية منظّمة معيّنة، وهذه الديانة لا علاقة مباشرة لها بفحوى رسالة يسوع الناصري القائمة على المعرفة القلبية للآب الخالق، والمتخلّصة تماماً من كلّ عقد التحزّبات والعصبيّات والتجمّعات الانعزالية التي تصنّف الناس إلى “يهودي” و”سامري”. فالديانة المسيحية وظاهرة التلمذة الروحية والفكرية والقلبية لشخص يسوع الناصري هما ظاهرتان منفصلتان تماماً، قد تتقاطعان أحياناً عن طريق بعض الأفراد وجماعات الأفراد بحكم وجود القيود الاجتماعية والسياسية العديدة.
كوني لا أعتقد بالديانة المسيحية فهذا يعني أني غير ملتزم بالولاء الفكري والقلبي الخالص لأيّ جماعة منظّمة، مع احترامي الشخصي الخالص والقلبي للكثير من الأفراد ضمن الكثير من الجماعات المتنوّعة من منطلق كونهم تلاميذ فكريين وروحيين للمعلّم يسوع المسيح. وكوني لا أعتقد بالديانة المسيحية فهذا يعني أيضاً أنني لن أقول “كذا” لأنّ جماعة ما تقول “كذا”، فطريق المعرفة القلبية والروحية هي طريقٌ وعرة وصعبة، فيها الكثير من السّقطات والنجاحات والضعفات، لكنها في ذات الوقت طريقٌ مشرِّفة ومليئة بالشفافية وعدم التقيّد بمقولات رسمية جاهزة، تريد أن تعطي صورة ما في مكان ما لمجموعة ما.
السائر في هذه الطريق الوعرة والصعبة والحلوة يفتخر بالإنسان الفرد الآخر مهما كان، ويحبّه لأنّه إنسان وليس لأنه من هذه الجماعة البشرية أو من غيرها، وليس لأنه يؤمن بما يؤمن تلميذ المسيح به أو لا يؤمن؛ وهذه السّائر يرحّب بهذا الإنسان، سواء مشى في ذات الطريق أم لم يمشِ، وسواء رافقه ميلاً وميلين أم لم يرافقه، طالما أنّه لا يعيقه ويضع أمامه المعاثر. وهذا السائر يعترف أيضاً بأنه يقع كثيراً من الأحيان فريسةً للكراهية والضعف والمشاعر الرّهيبة، ويكره بعض المقولات ولا يستطيع تحمّلها.
لا أعتقد بالديانة المسيحية لأن “الديانة” و”النعمة الإلهية” مفهومان لا يمكن أن يلتقيا، فالديانة فيها التزامات جمعيّة وقولبات مختلفة، وحدود للمحبّة مهما تعاظمت، أما النعمة الإلهية ففيها تطرّف في القبول واللاانتماء للحزبيّات (بحسب المقياس البشري)، فيسوع المسيح لم يكن مؤسِّساً لدين بل معلِّماً لحياة، هي افضل بما لا يُقاس، هي حياة المعرفة بأنّ الآب الخالق يرغب للإنسان بأن يدركه ويدرك صورته الموجودة في اعماقه المغلقة. وهذه المعرفة أبدية لا تموت، لأنها معرفة لأبديٍّ لا يموت.
يسوع المسيح أسّس جماعة تلاميذ، جماعة أفراد متحابّين بدون صفة رسمية معتَرَف فيها أمام الحكومات والدُّوَل، لأنّ ما لديه لم يكن مما تدركه نُظُم العالم التي لا تستوعب إلا القوالب المدروسة بعناية ودقّة.
لم يؤسِّس يسوع المسيح ديناً آخر، لأنّ الدين كظاهرة جمعيّة مصيرها الفشل، لأنّ كل قانون مصيره الاختراق والفساد.
بنى يسوع بناءه على أسس: محبّة الله من كل الفكر والقلب والعقل، ومحبة القريب كالنفس، أما صليبه فلم يكن إلا إثباتاً على أنّ نظامه يتناقض تماماً مع نظام العالم الذي لم يجد بُدّاً من قتله، لأنه بشّر “بملكية” غير “ملكية قيصر”، وبروحيّة مخالفة للفهم الناموسي الضيّق لله.
إنّ معظم العهد الجديد، مثله كمثل العهد القديم؛ فكلاهما سجلّ تاريخي جليّ للفشل المستمرّ في إصلاح الحالات الجمعيّة، وما محاولات الأنبياء والرُّسُل سوى إظهارات لهذه التجارب التي باءت كلّها في النهاية بالفشل الذريع، ونتج منها تلاميذ منفردين أو جماعات من الأفراد المبعثرين هنا وهناك. والتاريخ اللاحق يشهد على ذلك!
هذا السجلّ الذي أرّخ الفشل بحروفٍ باقية حتى مجيئه (وليس للأبد) هو إثباتٌ “موحىً به” بأنّ هذه هي حال الجماعات، وأنّ صورة المسيح الحقيقة ليس لها مكانٌ أكثر بهاءً إلا فيه. فعدم كمال الجماعات ليس شيئاً فيه حكمة إلهية، بل هو حقيقة مؤسفة يجب أخذها بجدّية، وأن يكون دليلاً للتلاميذ الأفراد على طبيعة الحقيقة الوجودية التي هم بصدد العيش فيها هنا في هذا الدّهر، فايّ قانون جمعيّ يحمل في داخله شيء من الرّياء، مهما كان إخلاص منظّميه، لأن القانون في طبيعته هو ظاهرة مفتعلة تبغي إبراز أو إحداث صورة مؤقتة، غير ثابتة، وغير موجودة في الحقيقة، أما التلميذ الحقيقي، الفرد، الضعيف، المناضل، فهو يقول “أنا هنا، اقف، ضعيفاً، ولكني قوي من حيث أني أعرف حجمي وماهيتي وحقيقتي الحالية التي أحبّها، أو أعرف شيئاً بسيطاً منها، والتي لست مضطرّاً أن أخفيها أو أغيّرها لتناسب آخراً ما، بل أرغب أن أغيّرها لتصير على صورة ذاك المعلِّم.”
هل تؤمن بوجود قوانين إلهية يتوجب علينا اتباعها؟ مثلا هل تؤمن بوجود محرمات تبعد الإنسان عن ملكوت السماوات؟ أم تعتقد أن كون الإنسان يعامل الآخر بطريقة جيدة كاف لدخول ملكوت السماوات؟
باختصار شديد. لا أعتقد بوجود قائمة محرمات ثابتة. أعتقد بأن أي ما يجعل محبة الله والقريب (الإنسان) ليس أولوية هو في قائمة المحرمات. طبعاً الخطايا الكبرى كالقتل وإهانة الناس إذا ما صارت نمط حياة للإنسان فهي تبعد الإنسان عن الله. والخطايا الكبرى هي كل ما يشوه صورة الله في الإنسان.
ولكن المسيحية ليس فيها قائمة ثابتة وهي تعتبر أنها تجاوزت الشريعة التي تمثلها اليهودية مثلاً
ولكن هذا موضوع شائك جداً، لأن بعض الذين لا يعترفون بوجود شريعة دينية يعيدون خلقها بأسماء أخرى.
بالعموم، نحن لسنا مكان الله لنعرف من يدخل ومن لا يدخل. فلنسلك بمحبة الله والقريب وهذا أفضل ما يمكننا فعله.
الطرق التي نخاطب بها الناس وسائل تربوية قد نستعملها بحسب الحاجة. نركز احياناً على هذه الناحية أو تلك، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن نتكلم بلسان الله.
قول المسيح عن التتميم يمكن أن نأخذه بعدة أبعاد، فهو من ناحية جاء لينهي مسألة الذبائح (يتممها بإيصالها إلى نهايتها. تم هدفها) فقال “بيتكم (الهيكل) يُترَك لكم خراباً”. أليس هذا نقضاً من ناحية ما؟ هذه مسألة تأويلية يختلف فيها المسيحيون، لأن المصطلحات يمكن استعمالها على أكثر من مستوى.
في النص التي يتحدث عن التتميم، يقول إن القتل ليس هو الإماتة فقط بل الغضب والشتيمة أيضاً. ليس الزنى هو الخيانة الزوحية (الزنى) بل نظرة الشهوة، و…إلخ. المسيح يبين إذن أن الشريعة الحقيقية هي الكمال، وينتهي بالقول “كونوا كاملين كما أن أباكم السماوي كامل”. في مكان آخر يقول “كونوا رحماء كما أن أباكم رحيم”.
هل هذا يشير إلى أنّ الكمال هو الرحمة؟؟ ربما. هذه قراءة شخصية.
فيما مضى من الزمن كنت أبحث عن “القوانين الإلهية” و”الحكمة المقدسة” و”الأسرار” الكبرى، التي تتجاوز “الكلام الذي نعرفه جميعاً عن المحبة والرحمة واللطف”. لماذا؟ لأنني كنت أظن هذه الأخيرة بديهيات متفق عليها، وانه يجب أن نبحث عن قوانين “أسمى”.
اكتشفت لاحقاً أن اللطف والرحمة والمحبة هي أصعب الأمور على الإطلاق، وليس بديهيات على الإطلاق إلا كشعاراااات.
أنت تسألينني هل أظن أنه يجب على الإنسان أن يكون جيداً فقط وهذا كاف؟
وأين نجد هذا “الجيد”. الجميع يسأل. والجميع يريد شيئاً أكثر من “الجيد”، وكأن”الإنسان الجيد” أمر رائج كائن شائع الوجود. لا والله هو أندر من الكبريت الأحمر كما يُقال!
من يجعل اللطف والرحمة قانوناً لحياته لا ريب أنه إنسان خارق وجبار بالفعل، ومن طينة مختلفة. الرحمة واللطف ليسا مجرد كياسة وتهذيب وأدب اجتماعي. إنهما جوهر من الجواهر النادرة التي لا يمكن العثور عليها بسهولة. الرحمة واللطف مرتبطان بالتحنن. وأين نجد بشراً يتحننون على بعضهم ويفضلون بعضهم على بعض (بعيداً عن غريزة الأمومة والأبوة- وحتى هذه تفشل أحياناً كثيرة).
هذه بضاعة نادرة. أنا لا أتكلم هنا باسم أحد ولكن أتكلم باسم التجربة والاختبار.
“بيتكم يارك لكم خرابا” لماذا تعتقد أنها جاءت لتنهي موضوع الذبائح؟ أنا لا أعرف سياق الآيات هنا. إذا كان هذا نقضا فهناك تناقض إذا في الأقوال وهذا ما لا يمكن أن يفعله الأنبياء بشكل عام.
أعتقد أن عبارة كونوا كاملين فيها تضييق أكثر من الحدود التي جاءت بها الشريعة اليهودية. ولا لا يمكن اعتبار الكمال هو الرحمة.
نعم أن تكون جيدا ليس أمرا سهلا، لكن بالمقابل هل تعتقد ان اليهودي الجيد مثلا سيدخل ملكوت السماوات؟
أفكارك تُخبر أنك تعتقد أن البشر قادرون على انتاج قوانين تخدم البشرية بصورة أفضل من خالقهم. لماذا علي أن أقتنع أن الله خلقني ومن ثم تركني من دون قوانين أستطيع من حلالها بلوغ الجنة؟
مقابيس البشر مختلفة، وهم متحولون. فكيف لمتحول أن يضع قانونا للبشرية؟ وكيف لناقص علم ومعرفة أن يعرف بما هو أننفع للبشر؟
ما هو اعتراضك على الحدود التي تأتي بها الشريعة؟
لي رجاء أن يدخل جميع الرحماء ملكوت السماوات لأنه طوبى للرحماء لأنهم يُرحَمون وطوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله.
الشيء عندما يتم ينتهي وينتقل إلى مرحلة أخرى. هل هذا نقض أم لا؟ بصراحة لا يهمني المصطلح بل المغزى.
أنا لا أعتقد أن البشر يعرفون أكثر من الله. أنا أعتقد أن الله وصع المبادئ العريضة وهي الرحمة والتواضع والوداعة ومنحنا القدرة على الاتصال به وفوضنا باستعمال العقل لوضع ما يناسبنا من قوانين. بطبيعة الحال المجتمعات المختلفة تحتاج قوانين مختلفة قابلة للتغير. اليوم بتنا نعلم الكثير عن الأمراض النفسية مثلاً، وأحياناً-على الأقل- قادرون على إصلاح شخص بدلاً من إعدامه. نحن لا نقوم بذلك بمعزل عن الله.
حتى الشرائع الدينية تتغير فعلياً رغم ثباتها النظري. تتغير من خلال تغير التفاسير والفتاوى. وأنا أتكلم هنا عن التفاسير والاجتهادات والفتاوى المدروسة والمحترمة. اللغة بطبيعتها قابلة للاكتشاف وإعادة القراءة.
وإذا كان الله رضي باستعمال اللغة لمخاطبتنا فلا ريب أنه يعلم بطبيعة اللغة وقابلياتها المختلفة.
ليست لدي مشكلة مع شخص يطبق حدود الشريعة على نفسه. ولكن على نفسه فقط.
طبعا جميعنا لدينا نفس الرجاء، وكل الأديان جاءت بذلك “الراحمون يرحمهم الرحمن”، “إنما يرحم الله من عباده الرحماء”. لكن هل هذا يكفي؟ ببساطة، لا. هذه الإجابة المنطقية لكل من يعتنق ديانة ما. ليس هناك داع للالتفاف على الإجابة :)
قد أوافقك أنه من الممكن تفسير أن الشيء عندما يتم ينتهي. ولكن هنا في هذه الحال نفي النقض لازم التتمة وبالتالي فالأولى إذاً أنه ربما عنى الإضافة، التعديل، الخ، لكن النقض تم نفيه في الآية بشكل واضح. كان بإمكانه الاكتفاء بقول أنه جاء ليتمم (لأن الله ليس إله تشويش بل إله سلام).
هناك تناقض واضح في تعليقاتك. فمثلا أنت مقتنع أن وجود إنسان جيد هو شيء نادر جدا، ثم أنت تقول أن الله أعطانا الرحمة والتواضع والوداعة ومنحنا القدرة على الاتصال به وفوضنا باستعمال العقل لوضع ما يناسبنا من قوانين! يعني البشر أشرار بمعظمهم ومطلوب منهم أن يضعوا قوانين تناسبهم!
ثم لنفترض أن الأمر كذلك، من الذي يضع القوانين اليوم؟ أليس من بيده القوة هو من يفعل؟ يعني مثلا هل علي أن أؤيد زواج المثليين، أو هل يعتبر شرعيا و “”””جيدا للبشر”””” لإن الإنسان الذي وهبه الله العقل وضعه؟ ولماذا يرسلني الله إلى هذه الدنيا بغير قوانين أسير عليها تضمن لي السلام النفسي؟ هل أنا أعرف حقا ما هو الأفضل لي ليعرفه الآخر الذي هو أجهل بي مني؟ شخصيا أرى أني ربما كنت سأنساق لكثير من الأمور التي ربما تدمرني في الدنيا لو أنها لم تكن من المحرمات.
“بطبيعة الحال المجتمعات المختلفة تحتاج قوانين مختلفة قابلة للتغير” ما الذي انتج المجتمعات المختلفة أصلا؟ لماذا لا يرتشي معظم السويدين؟ هل هذا مرتبط بعرقهم ام بالقانون الذي يتبعونه؟ القوانين المختلفة هي من كانت وما زالت تصنع مجتمعات مختلفة.
ومن قال أن الله يأمر بقتل القاتل الذي يعاني اضطرابا نفسيا؟ ومن قال أنه يأمر بقتل القاتل بشكل حاسم أصلا؟ القاتل، حتى وإن لم يكن مريضا نفسيا، لا يعدم إذا عفى عنه أهل القتيل، وهو شيء يشجع الله عليه بوعده لهم أن يعفوَ عنهم إن هم عفوا، وشخصيا لا أرى عدلا أكثر من هذا على الإطلاق ولا قانوناً أكثر حكمة وقدرة على الحد من مستوى الجرائم في العالم. “أإذا كان لديك حل أفضل أحب أن أعرفه”.
“اللغة بطبيعتها قابلة للاكتشاف وإعادة القراءة” أؤيد ذلك بقوة طبعا لكن الشريعة لا تتغير بتغير البشر وإلا لما بقي شريعة أصلا. لكن الشريعة لم تتناول كل الذنوب التي قد يرتكبها البشر، بل هناك ما يسمى بالعقوبات التعزيرية وأمرها متروك للدولة تقررها بناء على دراسة الحالة.
الحدود في الشريعة جاءت لتحفظ المجتمع لا لتعاقب الفرد بهدف تعذيبه. مثلا، يعاقب الزاني بالجلد، لكن يجب أن يشهد على ذلك أربعة شهود. أي أن الهدف عدم انتشار الفساد في المجتمع.
(هل تحب أن يمتشر الفساد بين الناس؟) وشخصيا لا أرى أن المسيح عليه السلام سامح المرأة الزانية لأنه يريد أن يقول أنه لا عقوبة للزاني، بل لأن الأشخاص الذين أحضروها لم يكونوا أهلا بالثقة لأخذ شهادتهم ولم يكونوا أفضل منها. أليس المسيح وصف اليهود بأنهم جيل شرير فاسق؟ وألم يقل بالكتبة والفربسيين أنهم من الداخل مملوؤن دعارة ونجاسة؟ فكيف إذا يأخذ بشهادتهم؟ وبالمناسبة جاء رجل أيضا إلى محمد عليه السلام وأخبره أنه زنى فأدار وجهه عنه ليصرفه في إشارة منه أنه لايريد عقوبته وأن الأمر بينه وبين الله طالما لم يشهد عليه أربعة. ولم يعاقبه إلا بعد أن عاد عدة مرات وأصر هو نفسه على أن يعاقَب. الشريعة جاءت لخدمة الإنسان والرقي به.
أنا لا ألتف على الإجابات. أنا أعطيك كيف يمكن نقاش أمر من زوايا مختلفة.
الله أعطانا خطوطاً عريضة كوصايا ومنحنا فرصة لنوال الروح القدس. والمسيحية حاسمة في مسألة الشريعة. الشريعة لا تبرر الإنسان ولا تخلصه. هذا في النظرية.
أنت تقولين لو كانت اللغة تغير الشريعة لما بقي شريعة. صحيح، لهذا أعتقد أنه لم تبق شريعة 🙂 لا بل إني أعتبر نقاشها عشر خطوات إلى الخلف. من ذاق ما هو أفضل لا يرتد إلى الخلف.
المسيح سامح الزانية ليس لأن راجميها لم يكونوا أهلا للثقة. كان يستطيع معاقبتها هو ولكنه لم يفعل.
إذا قرأت كامل العهد الجديد سترين الفلسفة خلف هذا الأمر. الإنسان يجب أن يولد من الروح. والحق يحرر من الشريعة لأنه يصبح شريعة داخلية. أنا مثلاً لا أدخن ليس لأن التبغ من المحرمات. أعرف أنه مضر بالصحة. ولا أشرب الكحول إلا نادراً، ولم أشعر يوماً أنني سأنساق خلفه. الابتعاد عن الشيء فقط لأنه محرم يعني أنه ليس قناعة داخلية وسيبقى في حيز الكبت حتى انفجاره بشكل تعويضي نفساني، ويمكن أن يكون حينها مدمراً.
الشريعة جيدة كأمر براغماتي وقد نغيرها. في هذا أنا لست ضد الشريعة بوصفها قانوناً مدنياً وليس أمراً إلهياً.
الدولة تشرع ما يحفظ السلام وليس لأنها بالضرورة تشجع عليه أو تحبه في ذاته. هذا مفهوم الدولة الحديثة. الباقي تفاصيل، لأنني لا أتطلع إلى نقاش هذا القانون أو غيره في الإسلام أو في غيره. ليس هذا هدفي من ناحية، وهو أمر غير منتج من ناحية أخرى.
لكي أناقش قانوناً يجب أن أدرس تاريخه، كنا أنني يجب أن أدرس تاريخ قيم القبائل الجرمانية وظروف حياتهم لأعرف سبب صرامتها القانونية ومحاربتها للرشوة. هذا مجال دراسة، ولا يكفي أن نقول أنهم وضعوا قانوناً وطبقوه. لماذا في الأصل نجحوا في وضع قانون وتطبيقه؟
لهذا أعتقد أن قراءة التاريخ أهم من قراءة الشريعة، لأن التاريخ يبين لنا تطورات الشريعة.
“كان يستطيع معاقبتها هو ولكنه لم يفعل” أنا لم أقل أنه سامحها لعدم وجود من يرجمها، أنا قلت سامحها لأنه لم يأخذ أصلا بشهادتهم ربما.
ليس صحيحا أن ما يحرمه الله على الإنسان يولد كبتا نفسيا، لم أفكر في حياتي بالكحول ولا أجدها ضرورية كالهواء الذي نتنفسه كما يراها البعض ممن اعتادوا عليها! وكل من أدمن لم يعتقد في البداية أنه سيفعل.
بالنسبة لاعتقادك أنه لم يعد هناك شريعة، الله حين أنزل التعليمات لم يجبرنا بها، ولكل إنسان الحق باتباع الطريق الذي يراه مناسبا، لكنه هو اولا وأخيرا من سيتحمل النتائج (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس).
هناك طفل يموت من الجوع لأن هناك لصوص، وهناك قتلى لوجود مجرمين، وهناك فساد لوجود من يجاهر ويستبيح وينشر. نعم نحن بعيدون جدا عن الشريعة اليوم، لكن بالمقابل، إذا كنت تلاحظ، أصبحنا أيضا بعيدين جدا عن الإنسانية.
ثم هل الرحمة تقتضي أن لا يضع الإنسان حدا للفاجر؟ وكيف تعتقد أن المسيح أمرك أن تكون كاملا و أنه اعتبر الشتيمة كالقتل وهو نفسه شتم اليهود غير مرة؟ كيف تفسر هذا؟
هناك مواقف تتطلب القوة، وإدارة الخد الأيسر دائما لمن لطمنا على الأيمن سيجعل هذا العالم محكوما بالشر الذي سيستمر بالتمادي إلى ما لا نهاية.
نقطتان أحب أن ألفت النظر بخصوصهما:
1- المسيح قال للمرأة الزانية “اذهبي ولا تخطئي أيضاً”، فهو عرف ما هي ومن هي. قال لها “ولا أنا أدينك أيضاً”. والسبب كما قلنا ليس لأن فعلها حسن ولكن لأنه كان يريد لفت النظر إلى ناحية أخرى.
2- لست من دعاة السكوت عن الظلم، ولكن هذا يسير جنباً إلى جنب مع اعتقادي بأن الروحانية الحقيقية تتجاوز الشريعة. الروحانية هي ولادة من الروح، بينما الشريعة هي مؤدب للأطفال والمجرمين وللأهواء. وهي كما ذكرت جيدة لأنها تذكر الإنسان بما ينتظره من عقوبة في المجتمع على الأقل. ولكن هذا شيء مختلف عن موضوع ملكوت السماوات. ذاك نقاش آخر.
المسيح لم يتعارك إلا مع السلطة الدينية في زمنه. لم يوبخ جابياً للضرائب (وكانوا لصوصاً) او زانية، بل وبح “الأتقياء” وحراس الشريعة من ناموسيين وكَتَبة. وصف هذه الطبقة الدينية بأنها كالقبور المبيضة من الخارج والمملوءة نجاسة من الداخل. مجدداً، ليس لأنهم اتبعوا الشريعة، ولكن لأنهم كان يجب أن ينتقلوا إلى مرحلة أخرى “أن يولدوا ثانية” كما أخبر الفريسي نيقوديموس، وأن يعتبروا الجميع أقرباء لهم (كما في مثل السامري الصالح)، لأن أولئك كانوا يظنون أن القريب هو اليهودي التقي مثلهم فقط.
إذن حتى الصراع يختلف حين أخاطب السلطة بما هي كيان اعتباري غير شخصاني وحين أخاطب أخي الإنسان من شخص إلى شخص آخر، وحينها لا يجب أن أقول له حتى “رقا” أي “يا جاهل”.
لا أستطيع أن أذكر كل ما يشير إلى مثنوية النعمة والروح/ الشريعة في العهد الجديد، ولكن هذه خلاصة سريعة.
الشريعة لا تفلح حين لا يكون هناك تغير داخلي، والحاضر شاهد والتاريخ شاهد. الشريعة نفسها لا تحمي من الفساد.
وضع القوانين عملية عقلية علمية في المقام الأول، أما اللطف والوداعة فقيم جوهرية روحية، والإنسان لا يتطور على نفس المستوى من كل هذه النواحي. فغير الوديع يمكن أن يضع قانوناً جيداً وخاصة إذا كان لا يحكم أهواءه فيه.
أنا لم أقل أن معظم الناس أشرار بمعنى الشر الإيجابي الفاعل. أنا قلت أن الجيد والرحيم نادر، وهذا ضعف وعدم اكتمال. الشر الفاعل مسألة أخرى.
الشريعة تحمي من الفساد. لأن المجرم سيفكر قبل ارتكاب الجريمة والسارق كذلك. طبعا لا داعي للتذكير أن الشريعة لا تطبق اليوم في اي مكان في العالم. وان بلداننا محكومة باللصوص والفجرة.
ونعم الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، واتباع الشريعة هو ما يقوم النفس.
وعلى سيرة الفريسيين والمسيح. صحيح أن يسوع هاجم الفريسيين، ولكن هل تعلمين أن كثيراً من الفريسيين اتبعوا يسوع ودافعوا عنه؟ كان هنالك أناس اهل للثقة في أيامه، وكان يمكنه أن يحكموا بالشريعة. وهو حين أتاه رجل يريد له أن يقضي له، قال له اذهب للقضاة “من أقامني قاضياً عليكم؟”
ولكن كما يُقال “الرحمة تفتخر على الحكم”. المسيح لم يأت ليحكم على الناس بل ليشفيهم حسب تعبيره الشخصي. والخطايا كلها أمراض بحسب نظرة اللاهوت الشرقي لها، والمرض يُعالَج، ليس بالضرب والجلد وما شاكل.
هذا من ناحية الروحانية (الدين). أما الدولة فأمر منفصل. أنا أفصل بينهما. المسيحية تفصل بينهما في أغلب الغالب. الدولة تضع القوانين بوصفها حامية للأخلاق الاجتماعية. والأخلاق الاجتماعية تتغير أحياناً بحسب تغير الظروف وقوانين الملكية (مثلاً كان هنالك قوانين للعبودية ولامتلاك النساء حتى في اليونان القديمة). وهذا الأمر زال ولم يعد موجوداً فسقطت قوانينه.
الإسلام لا يفصل الدين عن الدولة. ولهذا أفهم المنطلق الذي تنطلقين منه، وأفهم سبب تداخل مفهوم الشريعة الجزائية بملكوت الله في النقاش. بالنسبة إلي الأمران منفصلان كلياً.
اتباع بعض الفريسيين للمسيح لن يغير من الأمر شيئا. الإنسان قبل وبعد الإيمان شخص مختلف تماما، ولا بد أنهم استحقوا ما أطلقه المسيح عليهم قبل أن يتبعوه.
بعد الاتباع أصبحوا من اتباع المسيح. الأمر مختلف.
كررت أكثر من مرة أن “الرحمة تفتخر على الحكم” لكنك في تعليق سابق أخبرتي أن إبعاد آدم وحواء عن الجنة كان لأن الله عادل ورحيم في نفس الوقت ولا يجب لرحمته أن تجعله غير عادل.
نعم، أخبرتك أن البعض يفسر الأمر بتلك الطريقة وأنني لست من أنصار هذا التفسير. أنا أفهم ابتعاد الإنسان عن الحالة الفردوسية هو نتيجة لفقدان لغة التواصل الحميمي مع الله. هي حالة شرخ معرفي. الطرد من الجنة هو كناية عن هذه الحالة. وهذا التواصل يسترد بالحرية فقط عن طريق الارتقاء الواعي للإنسان.
بالعموم هذه مسألة أخرى.
كما ذكرت مسألة الخلاص الروحي منفصلة عن القانون المدني الذي ينظم المجتمع. من وجهة نظري لا يمكن نقاشهما كمترادفين.
الآن انتبهت إلى حرفية ما قلتِ :))
قلتِ: “طبعا جميعنا لدينا نفس الرجاء، وكل الأديان جاءت بذلك “الراحمون يرحمهم الرحمن”، “إنما يرحم الله من عباده الرحماء”. لكن هل هذا يكفي؟ ببساطة، لا. هذه الإجابة المنطقية لكل من يعتنق ديانة ما. ليس هناك داع للالتفاف على الإجابة 🙂”
نعم، هذه الإجابة المنطقية لكل من يعتنق ديانة ما.
طيب، انظري من فضلك إلى عنوان المقالة التي نتناقش تحتها. :)))
ثانياً، أنا لا أرضى بهذه السهولة بالإجابات “المنطقية” التي يقدمها “كل من يعتنق ديانة ما”. لهذا أنا باحث، ولست من الأتباع المستكينين حتى وإن اتفقت ببعض الأمور مع الديانة الرسمية.
ثالثاً، الإجابات المنطقية والسهلة هي ما يؤمن به عامة الناس. وهي جيدة أحياناً وكافية أحياناً أخرى. ولكن البحثين وقراء التاريخ يعرفون أن الإجابات متعددة جداً والمذاهب (حتى التي ليس لها عنوان واضح) مختلفة، وهناك إجابات متعددة. وهذه مجال بحثي.
ولذلك إنت تسألينني في انتظار إجابة قاطعة. وفي بعض المسائل ليس لدي إجابات قاطعة لأنني ما زلت أزن الكثير منها. إلى حين العثور إلى الإجابة المقنعة المتماسكة نصرف وقتنا في محاولة العيش بصورة جيدة. أما رجائي بدخول البشر ملكوت السماوات فليس شعاراً أتغنى به. هو رجاء حقيقي لديّ وشعور حقيقي تجاه البشر، بغض النظر عما يؤمن به ملايين البشر وقادتهم الدينيين، ومبني على بعض الرؤى والإمكانيات التي توفرها النصوص.
“نعم، هذه الإجابة المنطقية لكل من يعتنق ديانة ما.
طيب، انظري من فضلك إلى عنوان المقالة التي نتناقش تحتها. :)))”
نعم قرأت العنوان يالتأكيد، لكن هناك فرق شاسع جدا بين “اتباع” و”اعتناق” ديانة ما :))))))
أنت معتنق للديانة المسيحية ولا ترتضي الإجابات السهلة والجاهزة بل تصر على البحث بنفسك. هذا ما وصفت به نفسك. وإذا فإجابتك هي نعم.
وطبعا أرجو أن تجد الإجابات التي تقربك من الله أكثر و تمنحك السلام الداخلي
أتمنى أن لا تضعي إجابة معينة في فمي 🙂🙂🙂 ومن فضلك اقرئي العنوان جيداً. قد يكون الاعتناق دافعاً لي لأجيب ب “لا”. أو “ليس بالضرورة”.
لا تتسرعي من فضلك
“والسبب ليس لأن فعلها حسن لكن لأنه يريد لفت الانتباه الى ناحية اخرى”.
ما هي هذه الناحية؟
“وهي كما ذكرت جيدة لأنها تذكر الإنسان بما ينتظره من عقوبة في المجتمع على الأقل. لكن هذا شيء مختلف عن موضوع ملكوت السماوات”
أعتقد أن عدم ارتباط العقوبة الدنيوية بملكوت السماوات فيها ظلم للطرفين، وإليك ما أقصد.
لنفترض أن شخصا ظل يسرق من سيده الغني (الذي لن يتأثر بهذه السرقة) ولم تكتشف أفعاله في الدنيا، هل من العدل أن لا يحاسب في الآخرة؟ والقاتل الذي يُقتل في الدنيا هل من العدل أن يُحاسب في الآخرة؟
من الطبيعي أن لا يتعارك المسيح مع السلطة الوثنية (التي كانت تمتلك القوة في ذلك الوقت). هذا الشيء يعمم على كثير من الأنبياء. لكني حسب ما أذكر قرأت في بعض مقالاتك عن وصفه أحد القادة بالثعلب واستهزائه بآخر ( أو به نفسه ). سأعود للتأكد منها.
هو وبخ بعض الأتقياء لأنهم كانوا مرائييييييييين. هذا واضح جدا في الآيات التي ترد على لسان المسيح عليه السلام، وليس لأنهم كانوا مؤمنين وهو القائل: الحق أقول لكم، إن لم يزد إيمانكم على إيمان الفريسيين لا تدخلون ملكوت السماوات. هو طلب أن يتبع تلاميذه ما يقوله الكتبة والفريسيون لا ما يعملون به. بمعنى آخر طلب منهم اتباع الوصايا.
ثم هناك تناقض في حديثك دائما. أنت تؤيد وصف المسيح لليهود بكل هذه الألفاظ (حيات، أولاد الأفاعي، جيل شرير فاسق، مملوء دعارة، الخ).
لكن المسيح أُرسل من وجهة نظرك لنشر الرحمة والسلام وانهاء الشرخ بين الإنسان والله. فهل كان شتمهم ضروريا؟ وكيف سيؤمن بك من تشتمه؟ الدعوة دائما تكون بالحسنى. هل ستقبل دعوة ونبوءة شخص يشتمك بهذه الألفاظ؟
لا يوجد تناقض.
ينبغي أن تقرئي كل العهد الجديد لتري مستويات كلام المسيح وسياقاتها. أنا لا أستطيع أن ألخص كل شيء،. ودائماً تبقى تفاصيل لا أذكرها في السياق وهي متعددة وكثيرة.
المسيح كان في مهمة واضحة وهو قد بين لهم ما بين من معجزات وتعاليم قبل وصفهم بأي شيء. هو أرسل للمرضى وليس “للأطباء” المرائين على حد تعبيره. طبعا لم يوبخهم على إيمانهم بل على تمسكهم بالقشور والنفاق، وعلى تركهم الرحمة “أريد رحمة لا ذبيحة”. كما وبخهم على إضافتهم الأعباء الشرعية على الناس حين قال إنهم يزيدون الأثقال على الناس ولا يريدون تحريكها بإصبعهم.
ولكنه أتى أيضاً لغفران الخطايا حين غفر الخطايا لأكثر من شخص.
الطبقة الدينية كان شبه ميؤوس منها وقد واجهها المسيح لأجل السعب، وعلى كل حال كثير من الفريسيين آمنوا ولم تمنعهم “يا أولاد الأفاعي”.
المسيح أتى لعدة أشياء وعلى عدة مستويات تراتبية ولعدة أغراض آنية ومستقبلية.
هذه كخلاصة لا يسعني الوقت في نهاية هذا العام أن أقدم أكثر منها بسبب ضيق الوقت. العهد الجديد موجود ويمكن قراءته مع عدم التسرع في إطلاق الأحكام.
الأفضل عدم التسرع في إطلاق الأحكام. وخاصة حين لا نكون مختصين في الموضوع، حتى لو بدا الموضوع في البداية سهلاً. تماماً كقصة المرأة الزانية التي أغفلت بذكرك إياها جزئيتين مهمتين فيها أشرت إليهما أنا في تعليق متأخر.
عندما ندخل في الجزئيات يجب أن يكون جميع أطراف النقاش على علم بكامل التفاصيل. عدا ذلك يغدو الأمر غاية في الصعوبة ويصبح مثل صراعات منتديات الإنترنت القديمة حين كان الضباع الدينيون من مسيحيين ومسلمين يهجمون على بعضهم من دون معرفة عميقة بالكتب.
هذه المقالات في هذا الموقع كتبت في غالبيتها ضمن سياق معين في وقت ما، وكانت غالباً موجهة لجمهور يعلم تماماً التفاصيل، ولهذا أغفلت العديد والعديد من الجزئيات المتفق عليها بيننا وركزت على الرسالة. لا يمكن بأي شكل من الأشكال قراءتها من خارج هذا السياق لأن الفكرة ستفهم بشكل مجتزأ وأحياناً عبثي.
لا أريد نقاشاً يضع الإسلام في الخلفية للدفاع عنه. أنا لم أهاجمه ولم أقارن معه، لأن الديانات تنتمي إلى بيئات مختلفة وظروف معرفية مختلفة.ولذلك لا داعي للنقاش من هذا المنطلق.
لا يمكن ولا أستطيع تلخيص كل الظروف والخبرات النظرية النصية والعملية غير النصية التي دفعت إلى مقالاتي القديمة هذه، ولا يمكن أيضاً أن ألخص كل أبحاثي وأسباب بعض نتائجها.
أنت تريدين نعم أو لا. الأمور ليست هكذا في معظم الأحيان. هذا النوع من النقاشات يحتاج أشخاصاً يرحبون بالنهايات المفتوحة ولا يريدون الآن معرفة كافة تفاصيل الذهاب إلى الجنة، وتفاصيل الطرق التي لا تؤدي إلى هناك.
هذه الأمور يكتب فيها كتب بسبب كثرة تفاصيلها ومهما كان الملخص جيداً سيبقى ناقصاً ودافعاً لمئات الأسئلة، ولطالما كان النقص مثيراً لشبهة التناقض لأنه يغفل جزئيات. هذا في الحالة الموضوعية. فكيف إذا كان الدافع الدفاع عن دين في وجه دين.
هجرت هذه النقاشات منذ زمن لسبب معين ولن أعود إليها مهما كان الثمن. لم أهجرها عبثاً أو لقلة الحيلة، ولكن لأسباب وجيهة وخاصة النقاشات الكتابية.
هل تؤمن بوجود قوانين إلهية يتوجب علينا اتباعها؟ مثلا هل تؤمن بوجود محرمات تبعد الإنسان عن ملكوت السماوات؟ أم تعتقد أن كون الإنسان يعامل الآخر بطريقة جيدة كاف لدخول ملكوت السماوات؟
باختصار شديد. لا أعتقد بوجود قائمة محرمات ثابتة. أعتقد بأن أي ما يجعل محبة الله والقريب (الإنسان) ليس أولوية هو في قائمة المحرمات. طبعاً الخطايا الكبرى كالقتل وإهانة الناس إذا ما صارت نمط حياة للإنسان فهي تبعد الإنسان عن الله. والخطايا الكبرى هي كل ما يشوه صورة الله في الإنسان.
ولكن المسيحية ليس فيها قائمة ثابتة وهي تعتبر أنها تجاوزت الشريعة التي تمثلها اليهودية مثلاً
ولكن هذا موضوع شائك جداً، لأن بعض الذين لا يعترفون بوجود شريعة دينية يعيدون خلقها بأسماء أخرى.
بالعموم، نحن لسنا مكان الله لنعرف من يدخل ومن لا يدخل. فلنسلك بمحبة الله والقريب وهذا أفضل ما يمكننا فعله.
31 «وَمَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ مَعَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ.
32 وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ، فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الْخِرَافَ مِنَ الْجِدَاءِ،
33 فَيُقِيمُ الْخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ وَالْجِدَاءَ عَنِ الْيَسَارِ.
34 ثُمَّ يَقُولُ الْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ.
35 لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي.
36 عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ.
37 فَيُجِيبُهُ الأَبْرَارُ حِينَئِذٍ قَائِلِينَ: يَا رَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا فَأَطْعَمْنَاكَ، أَوْ عَطْشَانًا فَسَقَيْنَاكَ؟
38 وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيبًا فَآوَيْنَاكَ، أَوْ عُرْيَانًا فَكَسَوْنَاكَ؟
39 وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟
40 فَيُجِيبُ الْمَلِكُ وَيَقوُل لَهُمْ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ.
41 «ثُمَّ يَقُولُ أَيْضًا لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ،
42 لأَنِّي جُعْتُ فَلَمْ تُطْعِمُونِي. عَطِشْتُ فَلَمْ تَسْقُونِي.
43 كُنْتُ غَرِيبًا فَلَمْ تَأْوُونِي. عُرْيَانًا فَلَمْ تَكْسُونِي. مَرِيضًا وَمَحْبُوسًا فَلَمْ تَزُورُونِي.
44 حِينَئِذٍ يُجِيبُونَهُ هُمْ أَيْضًا قَائِلِينَ: يَا رَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا أَوْ عَطْشَانًا أَوْ غَرِيبًا أَوْ عُرْيَانًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا وَلَمْ نَخْدِمْكَ؟
45 فَيُجِيبُهُمْ قِائِلًا: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَفْعَلُوهُ بِأَحَدِ هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي لَمْ تَفْعَلُوا.
46 فَيَمْضِي هؤُلاَءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ وَالأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ».
الآيات جميلة، ونعم يجب أن يكون المؤمن هكذا، لكن المسيح قال ما جئت لأنقض الناموس بل لأكمل أو لأتمم لا أذكر بالضبط، فما تفسير ذلك؟
ثم إذا اعتمدنا على هذه الآيات فقط فكيف ستقنع شخص فقيرا جدا ان السرقة من غني لا تحوز؟ هذا فقط على سبيل المثال.
الطرق التي نخاطب بها الناس وسائل تربوية قد نستعملها بحسب الحاجة. نركز احياناً على هذه الناحية أو تلك، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن نتكلم بلسان الله.
قول المسيح عن التتميم يمكن أن نأخذه بعدة أبعاد، فهو من ناحية جاء لينهي مسألة الذبائح (يتممها بإيصالها إلى نهايتها. تم هدفها) فقال “بيتكم (الهيكل) يُترَك لكم خراباً”. أليس هذا نقضاً من ناحية ما؟ هذه مسألة تأويلية يختلف فيها المسيحيون، لأن المصطلحات يمكن استعمالها على أكثر من مستوى.
في النص التي يتحدث عن التتميم، يقول إن القتل ليس هو الإماتة فقط بل الغضب والشتيمة أيضاً. ليس الزنى هو الخيانة الزوحية (الزنى) بل نظرة الشهوة، و…إلخ. المسيح يبين إذن أن الشريعة الحقيقية هي الكمال، وينتهي بالقول “كونوا كاملين كما أن أباكم السماوي كامل”. في مكان آخر يقول “كونوا رحماء كما أن أباكم رحيم”.
هل هذا يشير إلى أنّ الكمال هو الرحمة؟؟ ربما. هذه قراءة شخصية.
فيما مضى من الزمن كنت أبحث عن “القوانين الإلهية” و”الحكمة المقدسة” و”الأسرار” الكبرى، التي تتجاوز “الكلام الذي نعرفه جميعاً عن المحبة والرحمة واللطف”. لماذا؟ لأنني كنت أظن هذه الأخيرة بديهيات متفق عليها، وانه يجب أن نبحث عن قوانين “أسمى”.
اكتشفت لاحقاً أن اللطف والرحمة والمحبة هي أصعب الأمور على الإطلاق، وليس بديهيات على الإطلاق إلا كشعاراااات.
أنت تسألينني هل أظن أنه يجب على الإنسان أن يكون جيداً فقط وهذا كاف؟
وأين نجد هذا “الجيد”. الجميع يسأل. والجميع يريد شيئاً أكثر من “الجيد”، وكأن”الإنسان الجيد” أمر رائج كائن شائع الوجود. لا والله هو أندر من الكبريت الأحمر كما يُقال!
من يجعل اللطف والرحمة قانوناً لحياته لا ريب أنه إنسان خارق وجبار بالفعل، ومن طينة مختلفة. الرحمة واللطف ليسا مجرد كياسة وتهذيب وأدب اجتماعي. إنهما جوهر من الجواهر النادرة التي لا يمكن العثور عليها بسهولة. الرحمة واللطف مرتبطان بالتحنن. وأين نجد بشراً يتحننون على بعضهم ويفضلون بعضهم على بعض (بعيداً عن غريزة الأمومة والأبوة- وحتى هذه تفشل أحياناً كثيرة).
هذه بضاعة نادرة. أنا لا أتكلم هنا باسم أحد ولكن أتكلم باسم التجربة والاختبار.
“بيتكم يارك لكم خرابا” لماذا تعتقد أنها جاءت لتنهي موضوع الذبائح؟ أنا لا أعرف سياق الآيات هنا. إذا كان هذا نقضا فهناك تناقض إذا في الأقوال وهذا ما لا يمكن أن يفعله الأنبياء بشكل عام.
أعتقد أن عبارة كونوا كاملين فيها تضييق أكثر من الحدود التي جاءت بها الشريعة اليهودية. ولا لا يمكن اعتبار الكمال هو الرحمة.
نعم أن تكون جيدا ليس أمرا سهلا، لكن بالمقابل هل تعتقد ان اليهودي الجيد مثلا سيدخل ملكوت السماوات؟
أفكارك تُخبر أنك تعتقد أن البشر قادرون على انتاج قوانين تخدم البشرية بصورة أفضل من خالقهم. لماذا علي أن أقتنع أن الله خلقني ومن ثم تركني من دون قوانين أستطيع من حلالها بلوغ الجنة؟
مقابيس البشر مختلفة، وهم متحولون. فكيف لمتحول أن يضع قانونا للبشرية؟ وكيف لناقص علم ومعرفة أن يعرف بما هو أننفع للبشر؟
ما هو اعتراضك على الحدود التي تأتي بها الشريعة؟
لي رجاء أن يدخل جميع الرحماء ملكوت السماوات لأنه طوبى للرحماء لأنهم يُرحَمون وطوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله.
الشيء عندما يتم ينتهي وينتقل إلى مرحلة أخرى. هل هذا نقض أم لا؟ بصراحة لا يهمني المصطلح بل المغزى.
أنا لا أعتقد أن البشر يعرفون أكثر من الله. أنا أعتقد أن الله وصع المبادئ العريضة وهي الرحمة والتواضع والوداعة ومنحنا القدرة على الاتصال به وفوضنا باستعمال العقل لوضع ما يناسبنا من قوانين. بطبيعة الحال المجتمعات المختلفة تحتاج قوانين مختلفة قابلة للتغير. اليوم بتنا نعلم الكثير عن الأمراض النفسية مثلاً، وأحياناً-على الأقل- قادرون على إصلاح شخص بدلاً من إعدامه. نحن لا نقوم بذلك بمعزل عن الله.
حتى الشرائع الدينية تتغير فعلياً رغم ثباتها النظري. تتغير من خلال تغير التفاسير والفتاوى. وأنا أتكلم هنا عن التفاسير والاجتهادات والفتاوى المدروسة والمحترمة. اللغة بطبيعتها قابلة للاكتشاف وإعادة القراءة.
وإذا كان الله رضي باستعمال اللغة لمخاطبتنا فلا ريب أنه يعلم بطبيعة اللغة وقابلياتها المختلفة.
ليست لدي مشكلة مع شخص يطبق حدود الشريعة على نفسه. ولكن على نفسه فقط.
طبعا جميعنا لدينا نفس الرجاء، وكل الأديان جاءت بذلك “الراحمون يرحمهم الرحمن”، “إنما يرحم الله من عباده الرحماء”. لكن هل هذا يكفي؟ ببساطة، لا. هذه الإجابة المنطقية لكل من يعتنق ديانة ما. ليس هناك داع للالتفاف على الإجابة :)
قد أوافقك أنه من الممكن تفسير أن الشيء عندما يتم ينتهي. ولكن هنا في هذه الحال نفي النقض لازم التتمة وبالتالي فالأولى إذاً أنه ربما عنى الإضافة، التعديل، الخ، لكن النقض تم نفيه في الآية بشكل واضح. كان بإمكانه الاكتفاء بقول أنه جاء ليتمم (لأن الله ليس إله تشويش بل إله سلام).
هناك تناقض واضح في تعليقاتك. فمثلا أنت مقتنع أن وجود إنسان جيد هو شيء نادر جدا، ثم أنت تقول أن الله أعطانا الرحمة والتواضع والوداعة ومنحنا القدرة على الاتصال به وفوضنا باستعمال العقل لوضع ما يناسبنا من قوانين! يعني البشر أشرار بمعظمهم ومطلوب منهم أن يضعوا قوانين تناسبهم!
ثم لنفترض أن الأمر كذلك، من الذي يضع القوانين اليوم؟ أليس من بيده القوة هو من يفعل؟ يعني مثلا هل علي أن أؤيد زواج المثليين، أو هل يعتبر شرعيا و “”””جيدا للبشر”””” لإن الإنسان الذي وهبه الله العقل وضعه؟ ولماذا يرسلني الله إلى هذه الدنيا بغير قوانين أسير عليها تضمن لي السلام النفسي؟ هل أنا أعرف حقا ما هو الأفضل لي ليعرفه الآخر الذي هو أجهل بي مني؟ شخصيا أرى أني ربما كنت سأنساق لكثير من الأمور التي ربما تدمرني في الدنيا لو أنها لم تكن من المحرمات.
“بطبيعة الحال المجتمعات المختلفة تحتاج قوانين مختلفة قابلة للتغير” ما الذي انتج المجتمعات المختلفة أصلا؟ لماذا لا يرتشي معظم السويدين؟ هل هذا مرتبط بعرقهم ام بالقانون الذي يتبعونه؟ القوانين المختلفة هي من كانت وما زالت تصنع مجتمعات مختلفة.
ومن قال أن الله يأمر بقتل القاتل الذي يعاني اضطرابا نفسيا؟ ومن قال أنه يأمر بقتل القاتل بشكل حاسم أصلا؟ القاتل، حتى وإن لم يكن مريضا نفسيا، لا يعدم إذا عفى عنه أهل القتيل، وهو شيء يشجع الله عليه بوعده لهم أن يعفوَ عنهم إن هم عفوا، وشخصيا لا أرى عدلا أكثر من هذا على الإطلاق ولا قانوناً أكثر حكمة وقدرة على الحد من مستوى الجرائم في العالم. “أإذا كان لديك حل أفضل أحب أن أعرفه”.
“اللغة بطبيعتها قابلة للاكتشاف وإعادة القراءة” أؤيد ذلك بقوة طبعا لكن الشريعة لا تتغير بتغير البشر وإلا لما بقي شريعة أصلا. لكن الشريعة لم تتناول كل الذنوب التي قد يرتكبها البشر، بل هناك ما يسمى بالعقوبات التعزيرية وأمرها متروك للدولة تقررها بناء على دراسة الحالة.
الحدود في الشريعة جاءت لتحفظ المجتمع لا لتعاقب الفرد بهدف تعذيبه. مثلا، يعاقب الزاني بالجلد، لكن يجب أن يشهد على ذلك أربعة شهود. أي أن الهدف عدم انتشار الفساد في المجتمع.
(هل تحب أن يمتشر الفساد بين الناس؟) وشخصيا لا أرى أن المسيح عليه السلام سامح المرأة الزانية لأنه يريد أن يقول أنه لا عقوبة للزاني، بل لأن الأشخاص الذين أحضروها لم يكونوا أهلا بالثقة لأخذ شهادتهم ولم يكونوا أفضل منها. أليس المسيح وصف اليهود بأنهم جيل شرير فاسق؟ وألم يقل بالكتبة والفربسيين أنهم من الداخل مملوؤن دعارة ونجاسة؟ فكيف إذا يأخذ بشهادتهم؟ وبالمناسبة جاء رجل أيضا إلى محمد عليه السلام وأخبره أنه زنى فأدار وجهه عنه ليصرفه في إشارة منه أنه لايريد عقوبته وأن الأمر بينه وبين الله طالما لم يشهد عليه أربعة. ولم يعاقبه إلا بعد أن عاد عدة مرات وأصر هو نفسه على أن يعاقَب. الشريعة جاءت لخدمة الإنسان والرقي به.
أنا لا ألتف على الإجابات. أنا أعطيك كيف يمكن نقاش أمر من زوايا مختلفة.
الله أعطانا خطوطاً عريضة كوصايا ومنحنا فرصة لنوال الروح القدس. والمسيحية حاسمة في مسألة الشريعة. الشريعة لا تبرر الإنسان ولا تخلصه. هذا في النظرية.
أنت تقولين لو كانت اللغة تغير الشريعة لما بقي شريعة. صحيح، لهذا أعتقد أنه لم تبق شريعة 🙂 لا بل إني أعتبر نقاشها عشر خطوات إلى الخلف. من ذاق ما هو أفضل لا يرتد إلى الخلف.
المسيح سامح الزانية ليس لأن راجميها لم يكونوا أهلا للثقة. كان يستطيع معاقبتها هو ولكنه لم يفعل.
إذا قرأت كامل العهد الجديد سترين الفلسفة خلف هذا الأمر. الإنسان يجب أن يولد من الروح. والحق يحرر من الشريعة لأنه يصبح شريعة داخلية. أنا مثلاً لا أدخن ليس لأن التبغ من المحرمات. أعرف أنه مضر بالصحة. ولا أشرب الكحول إلا نادراً، ولم أشعر يوماً أنني سأنساق خلفه. الابتعاد عن الشيء فقط لأنه محرم يعني أنه ليس قناعة داخلية وسيبقى في حيز الكبت حتى انفجاره بشكل تعويضي نفساني، ويمكن أن يكون حينها مدمراً.
الشريعة جيدة كأمر براغماتي وقد نغيرها. في هذا أنا لست ضد الشريعة بوصفها قانوناً مدنياً وليس أمراً إلهياً.
الدولة تشرع ما يحفظ السلام وليس لأنها بالضرورة تشجع عليه أو تحبه في ذاته. هذا مفهوم الدولة الحديثة. الباقي تفاصيل، لأنني لا أتطلع إلى نقاش هذا القانون أو غيره في الإسلام أو في غيره. ليس هذا هدفي من ناحية، وهو أمر غير منتج من ناحية أخرى.
لكي أناقش قانوناً يجب أن أدرس تاريخه، كنا أنني يجب أن أدرس تاريخ قيم القبائل الجرمانية وظروف حياتهم لأعرف سبب صرامتها القانونية ومحاربتها للرشوة. هذا مجال دراسة، ولا يكفي أن نقول أنهم وضعوا قانوناً وطبقوه. لماذا في الأصل نجحوا في وضع قانون وتطبيقه؟
لهذا أعتقد أن قراءة التاريخ أهم من قراءة الشريعة، لأن التاريخ يبين لنا تطورات الشريعة.
“كان يستطيع معاقبتها هو ولكنه لم يفعل” أنا لم أقل أنه سامحها لعدم وجود من يرجمها، أنا قلت سامحها لأنه لم يأخذ أصلا بشهادتهم ربما.
ليس صحيحا أن ما يحرمه الله على الإنسان يولد كبتا نفسيا، لم أفكر في حياتي بالكحول ولا أجدها ضرورية كالهواء الذي نتنفسه كما يراها البعض ممن اعتادوا عليها! وكل من أدمن لم يعتقد في البداية أنه سيفعل.
بالنسبة لاعتقادك أنه لم يعد هناك شريعة، الله حين أنزل التعليمات لم يجبرنا بها، ولكل إنسان الحق باتباع الطريق الذي يراه مناسبا، لكنه هو اولا وأخيرا من سيتحمل النتائج (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس).
هناك طفل يموت من الجوع لأن هناك لصوص، وهناك قتلى لوجود مجرمين، وهناك فساد لوجود من يجاهر ويستبيح وينشر. نعم نحن بعيدون جدا عن الشريعة اليوم، لكن بالمقابل، إذا كنت تلاحظ، أصبحنا أيضا بعيدين جدا عن الإنسانية.
ثم هل الرحمة تقتضي أن لا يضع الإنسان حدا للفاجر؟ وكيف تعتقد أن المسيح أمرك أن تكون كاملا و أنه اعتبر الشتيمة كالقتل وهو نفسه شتم اليهود غير مرة؟ كيف تفسر هذا؟
هناك مواقف تتطلب القوة، وإدارة الخد الأيسر دائما لمن لطمنا على الأيمن سيجعل هذا العالم محكوما بالشر الذي سيستمر بالتمادي إلى ما لا نهاية.
نقطتان أحب أن ألفت النظر بخصوصهما:
1- المسيح قال للمرأة الزانية “اذهبي ولا تخطئي أيضاً”، فهو عرف ما هي ومن هي. قال لها “ولا أنا أدينك أيضاً”. والسبب كما قلنا ليس لأن فعلها حسن ولكن لأنه كان يريد لفت النظر إلى ناحية أخرى.
2- لست من دعاة السكوت عن الظلم، ولكن هذا يسير جنباً إلى جنب مع اعتقادي بأن الروحانية الحقيقية تتجاوز الشريعة. الروحانية هي ولادة من الروح، بينما الشريعة هي مؤدب للأطفال والمجرمين وللأهواء. وهي كما ذكرت جيدة لأنها تذكر الإنسان بما ينتظره من عقوبة في المجتمع على الأقل. ولكن هذا شيء مختلف عن موضوع ملكوت السماوات. ذاك نقاش آخر.
المسيح لم يتعارك إلا مع السلطة الدينية في زمنه. لم يوبخ جابياً للضرائب (وكانوا لصوصاً) او زانية، بل وبح “الأتقياء” وحراس الشريعة من ناموسيين وكَتَبة. وصف هذه الطبقة الدينية بأنها كالقبور المبيضة من الخارج والمملوءة نجاسة من الداخل. مجدداً، ليس لأنهم اتبعوا الشريعة، ولكن لأنهم كان يجب أن ينتقلوا إلى مرحلة أخرى “أن يولدوا ثانية” كما أخبر الفريسي نيقوديموس، وأن يعتبروا الجميع أقرباء لهم (كما في مثل السامري الصالح)، لأن أولئك كانوا يظنون أن القريب هو اليهودي التقي مثلهم فقط.
إذن حتى الصراع يختلف حين أخاطب السلطة بما هي كيان اعتباري غير شخصاني وحين أخاطب أخي الإنسان من شخص إلى شخص آخر، وحينها لا يجب أن أقول له حتى “رقا” أي “يا جاهل”.
لا أستطيع أن أذكر كل ما يشير إلى مثنوية النعمة والروح/ الشريعة في العهد الجديد، ولكن هذه خلاصة سريعة.
الشريعة لا تفلح حين لا يكون هناك تغير داخلي، والحاضر شاهد والتاريخ شاهد. الشريعة نفسها لا تحمي من الفساد.
وضع القوانين عملية عقلية علمية في المقام الأول، أما اللطف والوداعة فقيم جوهرية روحية، والإنسان لا يتطور على نفس المستوى من كل هذه النواحي. فغير الوديع يمكن أن يضع قانوناً جيداً وخاصة إذا كان لا يحكم أهواءه فيه.
أنا لم أقل أن معظم الناس أشرار بمعنى الشر الإيجابي الفاعل. أنا قلت أن الجيد والرحيم نادر، وهذا ضعف وعدم اكتمال. الشر الفاعل مسألة أخرى.
الشريعة تحمي من الفساد. لأن المجرم سيفكر قبل ارتكاب الجريمة والسارق كذلك. طبعا لا داعي للتذكير أن الشريعة لا تطبق اليوم في اي مكان في العالم. وان بلداننا محكومة باللصوص والفجرة.
ونعم الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، واتباع الشريعة هو ما يقوم النفس.
وعلى سيرة الفريسيين والمسيح. صحيح أن يسوع هاجم الفريسيين، ولكن هل تعلمين أن كثيراً من الفريسيين اتبعوا يسوع ودافعوا عنه؟ كان هنالك أناس اهل للثقة في أيامه، وكان يمكنه أن يحكموا بالشريعة. وهو حين أتاه رجل يريد له أن يقضي له، قال له اذهب للقضاة “من أقامني قاضياً عليكم؟”
ولكن كما يُقال “الرحمة تفتخر على الحكم”. المسيح لم يأت ليحكم على الناس بل ليشفيهم حسب تعبيره الشخصي. والخطايا كلها أمراض بحسب نظرة اللاهوت الشرقي لها، والمرض يُعالَج، ليس بالضرب والجلد وما شاكل.
هذا من ناحية الروحانية (الدين). أما الدولة فأمر منفصل. أنا أفصل بينهما. المسيحية تفصل بينهما في أغلب الغالب. الدولة تضع القوانين بوصفها حامية للأخلاق الاجتماعية. والأخلاق الاجتماعية تتغير أحياناً بحسب تغير الظروف وقوانين الملكية (مثلاً كان هنالك قوانين للعبودية ولامتلاك النساء حتى في اليونان القديمة). وهذا الأمر زال ولم يعد موجوداً فسقطت قوانينه.
الإسلام لا يفصل الدين عن الدولة. ولهذا أفهم المنطلق الذي تنطلقين منه، وأفهم سبب تداخل مفهوم الشريعة الجزائية بملكوت الله في النقاش. بالنسبة إلي الأمران منفصلان كلياً.
اتباع بعض الفريسيين للمسيح لن يغير من الأمر شيئا. الإنسان قبل وبعد الإيمان شخص مختلف تماما، ولا بد أنهم استحقوا ما أطلقه المسيح عليهم قبل أن يتبعوه.
بعد الاتباع أصبحوا من اتباع المسيح. الأمر مختلف.
كررت أكثر من مرة أن “الرحمة تفتخر على الحكم” لكنك في تعليق سابق أخبرتي أن إبعاد آدم وحواء عن الجنة كان لأن الله عادل ورحيم في نفس الوقت ولا يجب لرحمته أن تجعله غير عادل.
نعم، أخبرتك أن البعض يفسر الأمر بتلك الطريقة وأنني لست من أنصار هذا التفسير. أنا أفهم ابتعاد الإنسان عن الحالة الفردوسية هو نتيجة لفقدان لغة التواصل الحميمي مع الله. هي حالة شرخ معرفي. الطرد من الجنة هو كناية عن هذه الحالة. وهذا التواصل يسترد بالحرية فقط عن طريق الارتقاء الواعي للإنسان.
بالعموم هذه مسألة أخرى.
كما ذكرت مسألة الخلاص الروحي منفصلة عن القانون المدني الذي ينظم المجتمع. من وجهة نظري لا يمكن نقاشهما كمترادفين.
الآن انتبهت إلى حرفية ما قلتِ :))
قلتِ: “طبعا جميعنا لدينا نفس الرجاء، وكل الأديان جاءت بذلك “الراحمون يرحمهم الرحمن”، “إنما يرحم الله من عباده الرحماء”. لكن هل هذا يكفي؟ ببساطة، لا. هذه الإجابة المنطقية لكل من يعتنق ديانة ما. ليس هناك داع للالتفاف على الإجابة 🙂”
نعم، هذه الإجابة المنطقية لكل من يعتنق ديانة ما.
طيب، انظري من فضلك إلى عنوان المقالة التي نتناقش تحتها. :)))
ثانياً، أنا لا أرضى بهذه السهولة بالإجابات “المنطقية” التي يقدمها “كل من يعتنق ديانة ما”. لهذا أنا باحث، ولست من الأتباع المستكينين حتى وإن اتفقت ببعض الأمور مع الديانة الرسمية.
ثالثاً، الإجابات المنطقية والسهلة هي ما يؤمن به عامة الناس. وهي جيدة أحياناً وكافية أحياناً أخرى. ولكن البحثين وقراء التاريخ يعرفون أن الإجابات متعددة جداً والمذاهب (حتى التي ليس لها عنوان واضح) مختلفة، وهناك إجابات متعددة. وهذه مجال بحثي.
ولذلك إنت تسألينني في انتظار إجابة قاطعة. وفي بعض المسائل ليس لدي إجابات قاطعة لأنني ما زلت أزن الكثير منها. إلى حين العثور إلى الإجابة المقنعة المتماسكة نصرف وقتنا في محاولة العيش بصورة جيدة. أما رجائي بدخول البشر ملكوت السماوات فليس شعاراً أتغنى به. هو رجاء حقيقي لديّ وشعور حقيقي تجاه البشر، بغض النظر عما يؤمن به ملايين البشر وقادتهم الدينيين، ومبني على بعض الرؤى والإمكانيات التي توفرها النصوص.
“نعم، هذه الإجابة المنطقية لكل من يعتنق ديانة ما.
طيب، انظري من فضلك إلى عنوان المقالة التي نتناقش تحتها. :)))”
نعم قرأت العنوان يالتأكيد، لكن هناك فرق شاسع جدا بين “اتباع” و”اعتناق” ديانة ما :))))))
أنت معتنق للديانة المسيحية ولا ترتضي الإجابات السهلة والجاهزة بل تصر على البحث بنفسك. هذا ما وصفت به نفسك. وإذا فإجابتك هي نعم.
وطبعا أرجو أن تجد الإجابات التي تقربك من الله أكثر و تمنحك السلام الداخلي
أتمنى أن لا تضعي إجابة معينة في فمي 🙂🙂🙂 ومن فضلك اقرئي العنوان جيداً. قد يكون الاعتناق دافعاً لي لأجيب ب “لا”. أو “ليس بالضرورة”.
لا تتسرعي من فضلك
“والسبب ليس لأن فعلها حسن لكن لأنه يريد لفت الانتباه الى ناحية اخرى”.
ما هي هذه الناحية؟
“وهي كما ذكرت جيدة لأنها تذكر الإنسان بما ينتظره من عقوبة في المجتمع على الأقل. لكن هذا شيء مختلف عن موضوع ملكوت السماوات”
أعتقد أن عدم ارتباط العقوبة الدنيوية بملكوت السماوات فيها ظلم للطرفين، وإليك ما أقصد.
لنفترض أن شخصا ظل يسرق من سيده الغني (الذي لن يتأثر بهذه السرقة) ولم تكتشف أفعاله في الدنيا، هل من العدل أن لا يحاسب في الآخرة؟ والقاتل الذي يُقتل في الدنيا هل من العدل أن يُحاسب في الآخرة؟
من الطبيعي أن لا يتعارك المسيح مع السلطة الوثنية (التي كانت تمتلك القوة في ذلك الوقت). هذا الشيء يعمم على كثير من الأنبياء. لكني حسب ما أذكر قرأت في بعض مقالاتك عن وصفه أحد القادة بالثعلب واستهزائه بآخر ( أو به نفسه ). سأعود للتأكد منها.
هو وبخ بعض الأتقياء لأنهم كانوا مرائييييييييين. هذا واضح جدا في الآيات التي ترد على لسان المسيح عليه السلام، وليس لأنهم كانوا مؤمنين وهو القائل: الحق أقول لكم، إن لم يزد إيمانكم على إيمان الفريسيين لا تدخلون ملكوت السماوات. هو طلب أن يتبع تلاميذه ما يقوله الكتبة والفريسيون لا ما يعملون به. بمعنى آخر طلب منهم اتباع الوصايا.
ثم هناك تناقض في حديثك دائما. أنت تؤيد وصف المسيح لليهود بكل هذه الألفاظ (حيات، أولاد الأفاعي، جيل شرير فاسق، مملوء دعارة، الخ).
لكن المسيح أُرسل من وجهة نظرك لنشر الرحمة والسلام وانهاء الشرخ بين الإنسان والله. فهل كان شتمهم ضروريا؟ وكيف سيؤمن بك من تشتمه؟ الدعوة دائما تكون بالحسنى. هل ستقبل دعوة ونبوءة شخص يشتمك بهذه الألفاظ؟
لا يوجد تناقض.
ينبغي أن تقرئي كل العهد الجديد لتري مستويات كلام المسيح وسياقاتها. أنا لا أستطيع أن ألخص كل شيء،. ودائماً تبقى تفاصيل لا أذكرها في السياق وهي متعددة وكثيرة.
المسيح كان في مهمة واضحة وهو قد بين لهم ما بين من معجزات وتعاليم قبل وصفهم بأي شيء. هو أرسل للمرضى وليس “للأطباء” المرائين على حد تعبيره. طبعا لم يوبخهم على إيمانهم بل على تمسكهم بالقشور والنفاق، وعلى تركهم الرحمة “أريد رحمة لا ذبيحة”. كما وبخهم على إضافتهم الأعباء الشرعية على الناس حين قال إنهم يزيدون الأثقال على الناس ولا يريدون تحريكها بإصبعهم.
ولكنه أتى أيضاً لغفران الخطايا حين غفر الخطايا لأكثر من شخص.
الطبقة الدينية كان شبه ميؤوس منها وقد واجهها المسيح لأجل السعب، وعلى كل حال كثير من الفريسيين آمنوا ولم تمنعهم “يا أولاد الأفاعي”.
المسيح أتى لعدة أشياء وعلى عدة مستويات تراتبية ولعدة أغراض آنية ومستقبلية.
هذه كخلاصة لا يسعني الوقت في نهاية هذا العام أن أقدم أكثر منها بسبب ضيق الوقت. العهد الجديد موجود ويمكن قراءته مع عدم التسرع في إطلاق الأحكام.
الأفضل عدم التسرع في إطلاق الأحكام. وخاصة حين لا نكون مختصين في الموضوع، حتى لو بدا الموضوع في البداية سهلاً. تماماً كقصة المرأة الزانية التي أغفلت بذكرك إياها جزئيتين مهمتين فيها أشرت إليهما أنا في تعليق متأخر.
عندما ندخل في الجزئيات يجب أن يكون جميع أطراف النقاش على علم بكامل التفاصيل. عدا ذلك يغدو الأمر غاية في الصعوبة ويصبح مثل صراعات منتديات الإنترنت القديمة حين كان الضباع الدينيون من مسيحيين ومسلمين يهجمون على بعضهم من دون معرفة عميقة بالكتب.
هذه المقالات في هذا الموقع كتبت في غالبيتها ضمن سياق معين في وقت ما، وكانت غالباً موجهة لجمهور يعلم تماماً التفاصيل، ولهذا أغفلت العديد والعديد من الجزئيات المتفق عليها بيننا وركزت على الرسالة. لا يمكن بأي شكل من الأشكال قراءتها من خارج هذا السياق لأن الفكرة ستفهم بشكل مجتزأ وأحياناً عبثي.
لا أريد نقاشاً يضع الإسلام في الخلفية للدفاع عنه. أنا لم أهاجمه ولم أقارن معه، لأن الديانات تنتمي إلى بيئات مختلفة وظروف معرفية مختلفة.ولذلك لا داعي للنقاش من هذا المنطلق.
لا يمكن ولا أستطيع تلخيص كل الظروف والخبرات النظرية النصية والعملية غير النصية التي دفعت إلى مقالاتي القديمة هذه، ولا يمكن أيضاً أن ألخص كل أبحاثي وأسباب بعض نتائجها.
أنت تريدين نعم أو لا. الأمور ليست هكذا في معظم الأحيان. هذا النوع من النقاشات يحتاج أشخاصاً يرحبون بالنهايات المفتوحة ولا يريدون الآن معرفة كافة تفاصيل الذهاب إلى الجنة، وتفاصيل الطرق التي لا تؤدي إلى هناك.
هذه الأمور يكتب فيها كتب بسبب كثرة تفاصيلها ومهما كان الملخص جيداً سيبقى ناقصاً ودافعاً لمئات الأسئلة، ولطالما كان النقص مثيراً لشبهة التناقض لأنه يغفل جزئيات. هذا في الحالة الموضوعية. فكيف إذا كان الدافع الدفاع عن دين في وجه دين.
هجرت هذه النقاشات منذ زمن لسبب معين ولن أعود إليها مهما كان الثمن. لم أهجرها عبثاً أو لقلة الحيلة، ولكن لأسباب وجيهة وخاصة النقاشات الكتابية.
شكرا جزيلا لك.
نعم أتفهم ذلك بالتأكيد، وأشكرك على وقتك :)
شكراً لك دائماً وأتمنى لك نهاية عام هانئة وبداية عام جديدة أفضل مما تتوقعين 🙂🙂
ولك أيضا مثل ذلك :)