الطريق إلى معركة دمشق


بقلم فادي أبو ديب

 

“ارتخت دمشق والتفتت للهرب. أمسكتها الرِّعدة وأخذها الضيق والأوجاع كماخض . كيف لم تُترَك المدينة الشهيرة قرية فرحي! لذلك تسقط شبّانها في شوارعها وتهلك كلّ رجال الحرب في ذلك اليوم يقول ربّ الجنود.”

إرميا النبيّ


لم يكن أحدٌ يتخيّل، قبل منتصف آذار من عام 2011،أنّه سيشاهد بأمّ عينيه هذه المعارك الضارية التي تدور في سوريا اليوم، من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها. ومنذ أشهرٍ عديدة خَلَت، قلّةٌ كانت تعتقد حقّاً أنّ هذه المعارك الشَّرِسة ستنتقل يوماً ما إلى العاصمة دمشق ومحيطها القريب والمباشر.  وأظنّ أنّ معظم الذين مرّت في بالهم هذه الإمكانية قد اعتقدوا بأنّ أيّ محاولة تمرّدٍ مسلّح في العاصمة وما حولها سوف تنتهي خلال ساعات قليلة، وذلك بسبب قربها المفتَرَض من أهمّ مراكز وتحصينات وتجمّعات عديد القوى الأمنية وقوى الجيش العربي السوري.  إلّا أنّ الواقع يشير إلى أنّ المعارك في تلك المنطقة على وجه الخصوص هي أبعد ما تكون عن الانتهاء، كما أنّها آخذة في التمدّد والتوسّع واتّخاذ مناحٍ أكثر خطورةً، وخاصةً مع ما يبدو أنّه ازدياد ملحوظ في أعداد المسلّحين المتمرّدين، وتنامٍ يلفت الانتباه في نوعية السلاح والتكتيكات المستخدمة في حروب العصابات، وكثرة لا يمكن تجاهلها من مستويات وكمّيات رُتَب الضبّاط المنشقّين والفارّين من الجيش السوري.

ما يجري في سوريا اليوم هو معركة مفتوحة ومتعدّدة الجبهات، وخاصّة في العاصمة وما يحيط بها.  وكما يبدو جلّيّاً فإنّ الحراكيْن المعارضيْن في الداخل والخارج لا ينويان التراجع مهما كان الثمن، ونفس الكلام يمكن إثباته فيما يختصّ بنوايا النِّظام الحاكم في دمشق.  ومن المنطقي والبديهيّ أن تكون نتيجة المقدّمتين السابقتين الاستنتاج بأنّ هذه الحرب الداخلية الضارية ليست في طور الانتهاء قريباً، على الأقلّ بدون تدخّل طرفٍ ثالثٍ معيّن.

لن نعود للحديث عن المسبِّبات الأخلاقية لهذه الحرب المستعرة والظواهر اللاأخلاقية الحاصلة فيها والناتجة عنها، ولكن ما ينبغي التأكيد عليه هو أهمية إدراكنا للمستنقع الذي وصل إليه الطرفان واوصلا البلد إليه، بشكلٍ مباشر أو غير مباشر.  وقد يكون من الصحيح أن نعتبر أنّ سوريا ستكون ساحة صراع طويل الأمد، تستغلّها كلّ القوى العالمية لمحاولة كسبها بكل الطرق والوسائل المُتاحة.  ولنكون واقعيين اكثر ينبغي أن نرى بأنّه لا يوجد ما يشير إلى أنّ حدّة الصّراع سوف تتضاءل وخاصّة في العاصمة دمشق وما يحيط بها، وقد لا يكون من المستبعَد نهائياً أن نرى في القريب العاجل أو البعيد الآجل مشاهِد شبيهةً لما حصل ويحصل في مدينة حمص المدمّرة بشكلٍ كبيرٍ جداً، ولا سيما أننا بدأنا نرى مناظر مماثلة، وإن كانت على مساحة أقل، في العديد من مدن ريف دمشق، مثل دوما وقدسيا وحرستا وعربين وغيرها.  وهكذا فنحن إذاً أمام تسسلسل منطقي يفترض استمرار الصراع الضاري هناك وامتداده أكثر فأكثر إلى دمشق، مع تزايد الانشقاقات بين الضبّاط والنقمة بين شرائح واسعة من المواطنين وانضمامهم إلى صفوف التمرّد المسلّح، هذا في حال لم يحدث تدخّل عسكري خارجي قد تلجأ  له بعض الدّوَل الكبرى بمساعدة عربية، يستهدف دمشق بصورة رئيسية، كونها المقرّ الرئيسي لأهم اجهزة ومكوّنات النظام السوري.

في حال استمرار الوضع على نفس الوتيرة التي نشاهدها اليوم، فنحن بشكلٍ شبه مؤكَّد في الطريق لنشهد ما يمكن أن نطلق عليه اسم “معركة دمشق”، والتي بالطبع لا يمكن التكهّن بالطرف الفائز فيها، رغم أنّه من المؤكِّد أنّ الخاسر الأكبر في هذه المعركة سيكون دمشق نفسها التي ستتعرّض للتدمير بشكلٍ غير مسبوق، في حال كانت موقعةً لحرب عصاباتٍ طويلة، أو هدفاً لاعتداءٍ أجنبيّ كاسح.  فهل ستتحوّل دمشق، أو أجزاء كبيرة منها، إلى ركامٍ كما تحوّلت حمص؟

الكثير من دارسي النصوص النبويّة في الفصل 17 من كتاب إشعياء والفصل 49 من كتاب إرميا يرون أننا ربّما أمام تحقيقٍ وشيكٍ نسبيّاً لهذه المدوّنات التاريخية الهامّة (رغم أنّه لا يمكن الجزم بزمن هذا التحقيق المفتَرَض للنبوءة). ورغم أنّ البعض الآخر يرى فيها قصصاً تاريخية، إلا أنه لا يوجد ما يشير إلى أنّ هناك أي حدث تاريخي يمكن القول  عنه أنّه تحقيق لمقول إشعياء بأنّ دمشق تزال من بين المدن وتكون رجمة ردم (إشعياء 17: 1).

قد يجد البعض الآخر سهولةً أيضاً في عدم تصديق ما ورد في إشعياء وإرميا من الأساس (ولماذا يصدّق كتباً دينية قديمة!)، ولكننا في الحقيقة نقف أمام كتابيْن نبويّين في أقسامٍ كبيرةٍ منهما، وهما من جملة كتبٍ لها سجلّ مهم في النبوءات التي تحققت بشكل كامل حول مدن مثل بابل وصور وصيدا، ومناطق كاملة مثل مصر وعمون ومؤاب وأدوم والإمبراطوريات الفارسية واليونانية والرومانية، حيث في كثير من هذه النبوءات لا يمكن حتى للنقّاد إيجاد تفاسير جازمة للكيفية التي تمكّن كتّاب النبوءة من  تدوينها، وخاصة إذا تحدّثنا عن أنّ أكثر النقّاد تشدّداً يمكن أن يؤكّد تدوين كلّ الكتب قبل ظهور الإمبراطورية الرومانية على الأقل، وهي المشار لها في الفصلين 2 و7 من نبوءة دانيال.

مواضيع مرتبطة:

وحيٌ من جهة دمشق

ذنوب دمشق:1- الكبرياء الدينيّ

ذنوب دمشق:2- قتل الضمير

ذنوب دمشق: 3-كبرياء أشور وخطيئة صدقيا

ذنوب دمشق: 4-الجماعات المسلَّحة وخطيئة الرِّياء

سوريا أرض القضاء والمخاض

دمشق وحماة ودراسة النبوءة

النُّكران السوريّ الذي لا يُغتَفَر

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.