يبدو أنّ الطريق إلى معركة دمشق لم يكن طويلاً، فقد اشتدّت في هذيْن اليوميْن الأخيريْن (16 و17 تموز من عام 2012) حدّة المعارك بشكلٍ نوعيٍّ وملحوظ في وسط وأطراف دمشق، وتحدّثت الأنباء عن معارك عنيفة بمختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة في مناطق عديدة من المدينة. ويبدو واضحاً بأنّ العملية العسكرية التي أطلقها الجيش العربي السوري والقوى الأمنية ضدّ المعاقل الكبيرةللجماعات المسلَّحة في ريف دمشق لم تُؤتِ ثمارها كما يجب، فالمعارك العنيفة في عدة أحياء وشوارع رئيسية من المدينة، كأحياء الميدان والقابون وكفرسوسة وشارع بغداد وغيرهم، تشير إلى أنّ دمشق لم تعد أبداً بمعزلٍ عن أحداث التدمير التي تجوب معظم المُدُن والأرياف السورية.
وفي الواقع، فإنّه من غير المرجَّح أن يعود الهدوء المستمرّ للعاصمة السورية، طالما أنّها دخلت بوضوح في مرحلة حرب الشوارع والأزقّة والكانتونات المعزولة، بشكلٍ قريبٍ مما حدث ويحدث في مدينة حمص التي دُمِّر معظمها بشكل كامل أو شبه كامل.
من نافل القول أن نتكلّم عن الفرق الكبير في تعداد ونوعية القوات العسكرية النظامية الموجودة في كمشق وريفها، والذي يميّزها عن أيّ منطقة أخرى كمدينة حمص مثلاً، ولكن لا يجب أن ننسى الرّيف الدمشقي الكبير مساحةً وسكّاناً، والذي يضمّ مدناً كبيرة ومكتظّة بالسكّان، وبشكلٍ ملاصقٍ تماماً للعاصمة؛ فمحافظة كبيرة كحمص، تعداد كلّ سكّانها يبلغ أقلّ من مليونيْ نسمة، لا يمكن مقارنتها بتجمّعٍ كبير وهائل من السكّان كما هو الحال في دمشق وريفها القريب، والذي يبلغ تعداد سكانه أضعاف الرّقم السابق، إذا لم نذكر طبعاً وعورة بعض مناطق الرّيف الجبلية. لذلك فلا أعتقد أنّه من المبالغة أن نتوقّع مشاهدة سيناريو شبيه بالسناريو الحمصي داخل وحول مدينة دمشق.
وقد بات من الواضح أنّ الجماعات المتمرِّدة المسلِّحة في سوريا ليست في وارد التراجع عن مبتغاها الذي هو إسقاط النظام والاستيلاء على السًُّلطة بكل ما فيها، ومن البديهيّ في هذه الحالة الحديث عن عدم تراجع للنظام والدّولة في مواجهة هذه الجماعات، بكل وسائل القوّة والتسليح المتوافرة بين أيديهم، ولذلك فإنّ دمشق قد بدأت الآن، على الأقلّ، في أن تكون ساحة حربٍ فعلية، بعد أن كانت ساحة مناوشات وكرٍّ وفرّ في الأشهور الماضية. وإن كان لا يمكننا الجزم بمدّة وأسلوب ونتائج هذه المواجهة المفتوحة، إلا أنه يمكننا تلمُّس ملامح لحلول الخراب في قلب هذه المدينة العريقة والجميلة، ولربّما كانت هذه الملامح هي بداية لتحقّق المكتوب في عدة نصوص نبويّة قديمة في العهد القديم، كما تحدّثنا عن ذلك في عددٍ من المقالات والتعليقات خلال الأشهر الماضية.