لماذا لا يستجيب “الله” للمتظاهرين في سوريا؟


بقلم فادي أبو ديب

بنش

“الله” هو أكثر الأسماء حضوراً حتى اليوم في مجريات “الثورة السورية” التي بدأت منذ حوالي عاميْن على شبكات التواصل الاجتماعي ثم على واقع الأرض؛ فمنذ البداية كان “الله “هو المعين والحامي والمقاتِل، لا بل والمتظاهر الأوّل، كما أنه كان هو المرشد والمعلِّم والمشرِّع؛ وهو بحسب أصحاب الحِراك الافتراضي والواقعي: الحامي والمُحامى عنه، المقاتِل والذي يُقاتَل لأجله، وهو السَّنَد الأوّل للقائمين بالثورة…بعد “أصدقاء” الشعب السوري من العَرَب والعَجَم!

لماذا لا يستجيب “الله” إذاً لثورة  بعض السوريين ويلبّي مطالبهم بتخفيف الخسائر على الأقل، إن لم يكن بتحقيق النصر الساحق لهم؟  لماذا لا يُعين هذا الإله الصارخين إليه نهاراً وليلاً، رغم أنه الحاضر الأوّل في المظاهرات، باسمه و”راياته”؟  أليس هو من يَعِد بالنّصر والاستجابة والحماية في العديد من النصوص والمرويّات الدّينية؟

ليس الجواب معقَّداً إلى درجة كبيرة كما يظنّ البعض، ولكن السّؤال هو:  متى يقف الله إلى جانب الإنسان؟  والجواب المبدئي: ليس بالتأكيد عندما يقوم هذا الإنسان بالقتل  والتخريب والتدمير، و ليس عندما يقوم باحتضان المجرمين تحت أيّة ذريعةٍ كانت، وبالتأكيد ليس بمجرَّد أن يقول “يا رب يا رب” وهو لا يعمل بوصاياه ولا يفكِّر قلبياً بالمعاني الحقيقية للألوهة وقِيَمها.  ونتذكّر هنا مقولة يسوع المسيح الشهيرة “ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات، بل من يعمل مشيئة أبي الذي في السماوات.”

ومن الواضح بأنّ من يصرخون “يا الله مالنا غيرك الله” هم كاذبون بأجمعهم، عن قصدٍ أو عن غفلةٍ من أمرهم؛ فلو كانوا يعتمدون على “الله” (إذا افترضنا أنّ اسم العلم هذا يشير إلى خالق الوجود) بالتأكيد لَمَا كانوا رفعوا السِّلاح تحت أيّ ظرف (إلا ربّما- وأقول ربما- تحت ظروف الدفاع المستميت عن النفس، وهذا لا يشمل بالطبع تحويل القرى إلى ساحات قتال واستقدام مقاتلين وامتهان الحرب)، ولا كانوا وفّروا الأسباب للآخرين لحمل السِّلاح معهم أو ضدّهم؛ ولَما كانوا ايضاً استعملوا تجمّعات ما يُفتَرَض أنّها “صلاة” من أجل الانطلاق نحو إثارة الشَّغَب مهما كان نوعه.

لو كان “الله” هو من يعتمدون عليه حقّاً وواقعاً لَما كانوا بالتأكيد جنّدوا أولادهم القُصَّر في أعمال القتال، ولا تركوا زوجاتهم وأولادهم وامتهنوا الحرب، ولا ربّوا الرُّضَّع على الكراهية، ولا هم بالتأكيد سمحوا لهم بأن يشربوا من نبع الكراهية والبغضاء في مجالس سبّ وشتيمة الآخر، سواء كان هذا الآخر فرداً أم جماعة من البشر.

“لأنّ هذا الشعب قد اقترب إليّ بفمه، وأكرمني بشفتيْه، وأمّا قلبه فأبعده عنّي.” هذا ما قاله السيّد عن شعب إسرائيل قديماً (إشعياء 29: 13)، وهذا ما اقتبسه يسوع المسيح لتقرير حالة المرائين والمنافقين في زمنه (إنجيل مرقس 7: 6)، وهذه هي ايضاً حالةً الدّاعين باسم “الله” زوراً في أيّامنا هذه؛ ولأنّ خالق الوجود لا يتغيّر فقانونه الأخلاقي أيضاً لا يتغيّر، ودائماً ما يكون الإمعان في الخطأ يحمل في طيّاته نفس النتائج المستقبلية؛ فنتائج النفاق الإسرائيلي القديم كانت أن قال خالق الكون مباشرةً بعد ان وصّف حالة الشعب الذي يقول بشفتيه ما لا يؤمن به في قلبه: “لذلك هأنذا أعود أصنع بهذا الشعب عَجَباً عجيباً؛ فتبيد حكمة حكمائه، ويختفي فَهم فهمائه.” (إشعياء 29: 14).  وهكذا فليس من مبرِّرٍ نظريّ أو عمليّ (إن نحن فهمنا مبدأ السبب- النتيجة في القانون الإلهي) ألا ينطبق هذا الكلام أيضاً على شعب اليوم أيضاً.

كما يبدو واضحاً في قائمة البركات واللعنات في نصوص تثنية الاشتراع بأنّ البركة مقترنة باتّباع الجماعة- بشكل عام- للقانون الإلهي، واللعنة مرتبطة بالحالة المعاكسة؛ فوقوف الله إلى جانب شعب ما (إن صحّ التصوير الحرفي بهذه الطريقة)، أو انسياب قضيّة ما في مجراها الصحيح، مرتبط دائماً بالحالة الروحية والقلبية (قبل السلوكية العمليّة) للجماعة، وهذا قانون غير قابل للتبديل.

وعلى هذا فسيبقى يتحوّل من سيّئٍ إلى أسوأ حال هذه الجماعة البشرية الضخمة في سوريا، التي تعتبر أنها تخدم الله وتعبده، في حين أنّ قلوب أفرادها معبّأة بالكراهية وسلوكها العمليّ يتسامح مع القتلة ويتساهل مع الفجور الديني والأخلاقي و يسهِّل التدمير والتخريب تحت مختلف المسمّيات والمبرِّرات؛ فالانتصار والعيش الكريم يرتبطان مباشرةً بالتوبة القلبية والشفافيّة الرّوحية قبل أي تنفيذ مزعوم لحذافير شريعة دينيّة ما.

الإعلان

One comment

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.