بقلم فادي أبو ديب
ما يلي هو بعض الأمثلة على تناقضات الفكر الإلحادي Atheism ووضوح تمسّكه بافتراضات كثيرة مسبقة غير قابلة للنقاش. وعندما نقول “إلحادي” فنحن لا نعني الشكوكيين المتسائلين ولا اللاأدريين Agnostics ، بل نعني حصراً الذي يجزمون بشكل قاطع بعدم وجود الله والعالم الرّوحي، لذلك نرى بعض الأمثلة على الحلقة المفرغة التي يدور بها هذا المنطق:
– إذا لم تحدث الأعجوبة إلّا مرّة واحدة فقط فإنّها لم تحصل في الحقيقة، لأنها غير قابلة للتكرار، وهي بالتالي خرافة.
– إذا تكرّرت عدّة مرّات فهذا يعني أنها ليست أعجوبة، لأنها لم تحصل بشكل استثنائي يدلّ على العجائبيّة.
– إذا تكرّرت القصّة في عدّة سجلّات تاريخية فهذا لا يثبت تاريخيتها بل هذا يعني أنّ أحدهم سرقها من الآخر، أو أنّها كذبة اجتمعت عليها شعوب الأرض قاطبةً.
– إذا لم تتكرّر القصّة، ووردت فقط في مكان واحد، فهي لم تحدث، لأنّها لم ترد في أيّ سجلّ تاريخي آخر!
وهكذا يبدو بأنّ المنطق الإلحادي هو منطق إيماني بالحقيقة، يقوم على اعتقاد مسبق يحاول تكييف كلّ الموجودات والأحداث والتي تقع عليها الحواس أو يُستدلّ عليها بالعقل إلى نتيجة واحدة مقرَّرة مسبَقاً.
أحد الأمثلة على هذه الحلقة المفرغة هي الفرضية الوثائقية Documentary Hypothesis والتي نشأت مع العالم فيلهاوزن بشكل رئيسي، وتقوم على افتراض وجود أربعة مصادر رئيسية للعهد القديم (التوراة والأنبياء)، حيث يمتاز بحسب هذه الفرضية كلّ مصدر عن الآخر بكلمات معينة لا ترد (بحسب الفرضية) في المصدر الآخر، كما يعطي كل مصدر- والكلام دائماً للفرضية- صفات معينة للإله ومطالب معينة من الشعب، فهذا المصدر يركّز مثلاً على الروحانية القلبية، وذاك يركّز على الذبائح الطقسية، بينما الآخر يركّز على تصوير الله كإله غير شخصي..وهكذا.
مشكلة هذه الفرضية تبدأ أنها دائماً مضطرة إلى إيجاد منافذ جديدة تتمكّن عبرها من الاستمرار؛ فلأنه يوجد دائماً إمكانية لإيجاد عبارة واحدة فيها كلّ أو معظم الميّزات الموجودة في المصادر المفترضة (وبالتالي هذا قد يدلّ على أن كل الميزات يمكن أن تتواجد في عبارة واحدة من مصدر واحد)، يجب اللجوء دائماً إلى القول بأنّ هنالك مصدر خامس وسادس وسابع، وأنّ بعض هذه المصادر الإضافية يحتوي على ميّزات أكثر من مصدر واحد من المصادر الأربعة المبدئية ، أو ينبغي الزَّعم بأنّ عبارة واحدة مؤلفة من 10 كلمات تمّ كتابتها بالاعتماد على أربع وثائق مختلفة، وهذا وإن كان ممكناً من الناحية العقلية البحتة، فإنه أمر مثير للسخرية من الناحية المنطقية والعمليّة. وكما يمكن أن نرى فإن جدولاً كالجدول التالي يحتاج إلى إيمان أعمى مستند على عدد لا ينتهي من الفرضيات، أكثر بكثير من الإيمان الواجب للاقتناع بأن حماراً أبكم فتح فاه وتكلّم
حيث يبرز الجدول السابق ومن دون الدخول في التفاصيل التقنية مراحل كتابة العهد القديم، وكيفية الإتيان بالوثائق وجمعها، وكل هذا يستند على مجرّد فرضيات، وهذا ما يدل عليه الاسم العلمي للطريقة السابقة وهي “الفرضية الوثائقية”، فهي لم تبلغ يوماً مرحلة “النظرية” التي تقدّم نوعاً ما من البرهان.
يمكن الاطلاع بشكل أفضل على ما تقوله هذه الفرضية من الرابط التالي:
https://en.wikipedia.org/wiki/Documentary_hypothesis