بقلم فادي أبو ديب
لم يمضِ وقتٌ طويل على نشر هذه المدوّنة (مدوّنة الدّهر الآتي) مقاليْن عن المستقبل الأسود الذي ينتظر تركيا حتّى بدأت الأحداث العاصفة هناك والتي تنذِر بتطوّرات دموية، وهي بالطبع تطوّرات غير مستَبعدة في دولة قامت على الدّماء، وورثت سلطنة عثمانية قامت وانتشرت بواسطة سفك دماء الملايين من الناس داخلها وخارجها.
الاحتجاجات الحالية التي انتشرت في عشرات بل مئات المواقع داخل تركيا، ورافقتها مظاهرات في بعض المدن الأوربية، لا تتعلّق فقط بمسألة قطع بعض الأشجار في ساحة “تقسيم” في اسطنبول، بل هي تمرّد شجاع من الشباب التركي على أسلمة الدولة الجارية على قدم وساق منذ ما يقارب العقد من الزمان، أي منذ استلام الأخوان المسلمون للسُّلطة في تركيا، وبشكل أخصّ منذ وصول الإرهابي الدولي المعروف رجب طيب إردوغان إلى سدّة الحكم. وقد لا يعرف الكثيرون أنّ إردوغان هو أحد المعجبين بالإرهابي الدولي الأفغاني الشهير قلب الدين حكمتيار، وليس من المستَبعد أن يكون أحد تلامذته. (انظر هذا الفيديو) هذا من دون أن ننسى أنّ إردوغان وحزبه هم من أكبر المموّلين والدّاعمين للإرهاب الدولي المتمثِّل بعصابات الجهاد الإسلامي الموجودة في سوريا.
إنّ تركيا بعد الاحتجاجات الحالية لن تعود أبداً تركيا قبل الاحتجاجات، فهذه التحرّكات الشعبية الضخمة ليست احتجاجاً على بعض الإجراءات العثمانية الإردوغانية فحسب، بل هي خلاف عميق مع فلسفة الأخوان المسلمين للسلطة، وتعبِّر عن أحد الشروخ الأيديولوجية العميقة الموجودة في بنية الدولة التركية، وليس من المستبعد أبداً تطوّر الأحداث إلى تحرّك باقي الصفائح المجتمعية التركية لتشكِّل زلزالاً ثوروياً دمويّاً عظيماً، ناتجاً عن تصادم المكوّنات العرقية والدينية المتنافرة التي تشكِّل المجتمع التركي. وهكذا يبدو بأنّ إردوغان سيقف أمام خياريْن: إمّا أن يقمع الثورة دموياً ويعلن السلطنة الديكتاتورية بشكل صريح، وهو بذلك سيكون سائراً نحو الإنتحار السياسي المباشر، أو أنه سيسقط مع تعاظم الاحتجاجات الشعبية، وعندها ستكون السلطنة المبطّنة الموجودة حالياً قد سقطت.
لقد ورد في مقالة “السعودية وقطر وتركيا والغفران الذي لن يُمنَح” المنشورة على هذه المدوّنة ما يلي:
“…[إنّ] دولاً أخرى كقطر والسعودية وتركيا وغيرها من الدول الإسلامية التي تتبع المنهج الفاشي الشنيع في سلوكها الداخلي والخارجي، ليس فيها أدنى سلطة للقوى التي تحترم القوانين الإلهية، وبالتالي فإنّ دينونتها قد تكون أقرب من غيرها… سيرون تبخّر أحلامهم أمامهم، وكلّ ما صنعوه ينهار أمام عيونهم. لن يخاطبوا بعضهم إلّا بالدِّماء، وسيحصدون كلّ ما زرعوه. دولهم وممالكهم ستصبح أشلاء ممزَّقة وستتكالب عليهم أمم العالم العظمى لتأخذ ما استطاعت منها نصيباً.السعودية وتركيا وقطر تجاوزت مرحلة الغفران أمام القانون الكوني، ودماء الملايين الذين قتلوا بسببهم ستصرخ مطالبةً بالثأر. دماء الأرمن والسريان والعرب الذين ذبحت منهم تركيا ملاييناً ولم تعتذر ولم تعوِّض عنهم ستدينها بعد وقت ليس بطويل.”
ربما يبدو الكلام السابق غريباً في ظلّ فلسفة عالمية لا تعترف بتأثير العالم الروحي على العالم الملموس، ولكن هذا معروف عند الأقدمين حتى من غير المتديّنين أو المختصّين لاهوتياً، فهذا هو الشاعر الشهير حافظ ابراهيم يعبِّر عنها بسلاسة:
وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ
إِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا
فكيف إن كانت الأمّة قد قامت أصلاً- واستمرّت (وهنا الطامة الكبرى)- على مبادئ لاأخلاقية، وعلى ذبح الشعوب وإبادتها وصلب النساء وقطع الرؤوس وشنق المفكّرين؟ أليس بديهياً حينها أنّ هذه الأمّة ستتفكك وستزول بشكلٍ دراميّ، أسوةً بالعديد من الأمم السابقة (كالرومانية والآشورية والفارسية والعثمانية)؟ بالنسبة لقراءة التاريخ لا أعتقد بأنّه يمكن التعويل كثيراً على النظرة المادّية فقط، والتي لا تعترف بالقيم الرّوحية والأخلاقية وتأثيراتها، فالمسير التاريخي الحالي والوحشية التي لا نظير لها لا تشير أبداً إلى أنّه يمكن الوثوق بما يسمّى الإنسان المتحضّر ونظرياته أكثر من الإنسان القديم الذي أنتج كل آداب الحكمة التي تحفظ هذا العالم إلى الآن من الخراب النهائي.
هذه المنطقة من العالم، أي منطقة آسيا الصغرى، ليست بعيدة أبداً عن نبوءات الكتاب المقدّس، فماشك وتوبال وتوجرمة الواردة في نبوءة حزقيال 38 ليست إلّا أرض تركيا الحالية، والتي تذكر عنها النبوءة بأنّها ستكون تحت قيادة قائد حربيّ عظيم سيغزو منطقة أورشليم؛ فمن هو هذا القائد العظيم: هل سيكون سلطاناً تركياً مجنوناً يظنّ بأنّه يملك دعوة إلهية للمُلك، أم سيكون زعيماً روسياً له اليد الطولى والسيطرة على ما نعرفه اليوم بأرض تركيا؟
هذا ما يقوله نص حزقيال 38:
“…هكذا قال السيد الرب هأنذا عليك يا جوج رئيس روش ماشك وتوبال [مناطق في تركيا الحالية]، وأرجِعك وأضع شكائم في فكّيك، وأخرجك أنت وكلّ جيشك خيلاً وفرساناً، كلهم لابسين أفخر لباس، جماعة عظيمة مع أتراس ومجانّ، كلّهم ممسكين السيوف. فارس [إيران] وكوش [السودان] وفوط[ليبيا وتونس والجزائر] معهم كلهم بمجن وخوذة، وجومر[منطقة في تركيا الحالية] وكل جيوشه، وبيت توجرمة [منطقة في تركيا الحالية أيضاً] من أقاصي الشمال مع كل جيشه. شعوباً كثيرين معك. استعد وهيّئ لنفسك أنت وكل جماعاتك المجتمعة إليك فصرت لهم موقَّراً. بعد أيام كثيرة تُفتَقَد، في السنين الأخيرة تأتي إلى الأرض المسترَدّة من السيف، المجموعة من شعوب كثيرة على جبال إسرائيل، التي كانت دائمة خربة للذين أُخرِجوا من الشعوب وسكنوا آمنين كلّهم.”
بعد هدوء طويل وبعد الاستغناء عن تركيا التي تحولت الى مركز عبئ وخاصة بعد زوال الاتحاد السوفياتي فإن سيناريو آخر يتم اعداده لتركيا التي ظلمت كل شعوب الشرق المتحضرة ودمرت الكنيسة الشرقية المقدسة ارا سوفاليان
أهلاً بك أستاذ آرا سوفاليان في المدونة
أعتقد أن تركيا باتت عبئاً على كل الدول المحيطة بها بعد (وربما قبل) مجيء حزب العدالة والتنمية، والسبب أنها تحاول أن تلعب دوراً إقليمياً يتخطى حدودها، على حدود روسيا وأوربا الشرقية (المسيحية إلى حد ما).
يبدو أن هذه الأيام هي أيام تغيرات جذرية. فلننتظر لنرى ما تخبئه الأشهر والسنواتالقليلة القادمة.
مرورك أسعدني.