ما الذي يحدِّد فعلاً مستقبل قطر؟


بقلم فادي أبو ديب

الشيخ-حمد-وولي-عهده-تميم-610x342

الخامس والعشرون من حزيران/يونيو 2013 كان تاريخ بداية الاهتزاز السياسي الذي شهدته دولة قطر بتخلّي أميرها حمد بن خليفة آل ثاني عن العرش لصالح ابنه تميم.  ولأن بعض السذّج من أمّة “إقرأ” كبّروا وسبّحوا لما شهدته عيونهم من “ديمقراطية” قطرية لا تُبارى، فقد كان واضحاً بأنّ هذا التحرّك السياسي المفاجئ جاء عن طريق أوامر خارجية واضحة بضرورة تنحّي الأمير المتضخّم سياسياً وإرهابياً، هو وأركان حكومته البارزين، لمصلحة ابنه الشاب خرّيج مدارس السياسة واللصوصية الدولية البريطانية والأمريكية، ولعلّ أبرز دليل على هذا تمكنه من تشكيل حكومة جديدة في أقل من 24 ساعة، وهو ما لم تتمكّن من إنجازه أعرق الديمقراطيات في العالم.

والسؤال الذي يطرحه المهتمّون بشؤون منطقة الشرق الأوسط هو: ما هو مستقبل قطر؟  وقد تحتاج إجابة هذا السؤال البسيط إلى خبراء في الشؤون الجيوسياسية والاقتصادية ، وإلى خبرة في كواليس السياسة الدولية، وهو ما لا يتوفّر عند كاتب هذه السطور.

وغير بعيدٍ عن الشؤون السياسية والاقتصادية، فإنّ مستقبل قطر الحقيقي يكمن في طبيعة السياسة التي ستنتهجها في دعم الإرهاب الدولي والتدخّل في قضايا المنطقة والعالم.  وبشكلٍ أوضح،  إنّ مستقبل قطر يعتمد اعتماداً كاملاً على إجراء واحد لا ثاني له يمكن أن يقوم به الأمير الجديد الشاب.  وهذا الإجراء هو ببساطة التوبة عن أعمال أبيه الشرّيرة، وسحب كلّ الأموال التي تموّل بها الإمارة الغازونفطية شرايين الإرهاب الإسلامي العالمي، والتخلّي عن ثقافة الغزو الصحراوية الفاجرة، ونبذ فكرة شراء العالم بالمال.  إنّ أيّ إجراءات تخالف ما سبق ذكره ستعود وبالاً على هذا البلد الصغير والذي لا يملك أيّاً من مقوّمات الأمن القومي كأرض وسكّان.

قطر اليوم تملك فرصة ذهبية لتغيير سلوكها قبل أن تحلّ بها الدينونة التي قد تنهي حالتها المستقلّة.  ومن المعروف تاريخياً (حيث لم يشذّ أحد عن هذه القاعدة) أنّ من يظنّ أنه يشتري الدنيا بالمال سيأتي من يبيعه لأجل حفنة صغيرة من الدراهم، وأنّ من يكسب الأصدقاء والحلفاء بالمال، سيفقدهم جميعاً حينما يحتاج لهم.  وكما نقرأ في سفر الرؤيا عن عقوبة بابل الزانية (وهي رمز لمدينة ما على الأرض، البعض فسرها روما وآخرون أورشليم، وتفاسير أخرى) هكذا ستكون عقوبة كلّ من يفعل ظلماً، حيث تظهر الدينونة بوضوح لسبب واضح لا لبس فيه:

جازوها كما هي أيضاً جازتكم، وضاعفوا لها ضعفاً نظير أعمالها. في الكأس التي مزجت فيها امزجوا لها ضعفاً.  بقدر ما مجّدت نفسها وتنعّمت، بقدر ذلك أعطوها عذاباً وحزناً، لأنها تقول في قلبها: “أنا جالسة ملكة، ولست أرملة، ولن أرى حزناً.”   من أجل ذلك في يوم واحد ستأتي ضرباتها: موت وحزن وجوع، وتحترق بالنار، لأنّ الرب الإله الذي يدينها قويّ، وسيبكي وينوح عليها ملوك الأرض، الذين زنوا وتنعّموا معها، حينما ينظرون دخان حريقها  واقفين من بعيد لأجل خوف عذابها، قائلين: “ويل ويل المدينة العظيمة بابل المدينة القوية لأنه في ساعة واحدة جاءت دينونتك .”  ويبكي تجار الأرض وينوحون عليها، لأن بضائعهم لا يشتريها أحد في ما بعد.

هذا ليس سيناريوهاً خيالياً، ولا هو غير متوقّع أو غريب عن التاريخ البشري، فالتاريخ يشهد بأنّه ما من مدينة أو أمّة عاشت على الدماء إلّا وانتهت غارقةً فيها، ومن يكتسب ثروته سريعاً بواسطة الظلم  سيخسرها سريعاً أيضاً وبواسطة ظلمٍ أشدّ منه.  ولعلّ في سوريا نفسها عبرة لمن يريد أن يعتبر!  وحتى إن كانت سوريا تنال جزاء بعض ما فعلت، فإنّ هذا لا يبرِّر أمام القانون الإلهي قتل شعبها عمداً وبدم بارد وتجويعه وتشريده والتآمر عليه واستخدام معاناته لأرباحٍ سياسية، فكل من يفعل هذا سيُدان سريعاً.

بوادر الدينونة والقضاء بدأت في تركيا، كما أنها بدأت في السعودية بشكل شبه علني، والأنباء في هذا الوقت عن الصراعات الداخلية في عائلة آل سعود تنذر بعواقب وخيمة في عصر لم يعتمد يحتمل صراعات كهذه بدون أن تتدخل الدول الكبرى لحسمها بطريقة تطيح بالجميع.

بالعودة إلى قطر، ما هو الذي يحدّد مستقبلها؟  شيءٌ واحدٌ فقط وهو ارتدادها عن سلوكها الحالي.  فتوبتها عن تمويل الإرهاب سيخفّف نتائجه الآتية عليها لا محالة، فهي قد زرعت ولا بدّ ستحصد، إلّا أن تغيير السلوك منذ الآن سينفع في حفظ هذه الدولة لوقتٍ أطول.  أمّا ما عدا ذلك فإنّ ّ دينونتها ستكون أقرب إليها من حبل الوريد!

 موضوع متعلّق:

السعودية وقطر وتركيا والغفران الذي لن يُمنَح

 

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.