سلامٌ لي وانا أخاطبك فأنا من يحتاج السّلام الدّاخلي وليس أنت…أمّا بعد:
لم أزدد تشبّثاً برحمتك وتقديراً لعملك العظيم إلّا خلال مجريات هذه الحرب الطاحنة التي تعصف ببلدي. والحقّ الحقّ أقول لك فإنّي كنت أكثر ولعاً بتعاليمك التي تختصّ بملكوت السماوات، وبما يُسرد ويُحكى من نظرياتٍ تختص بما خفيَ من أسرار هذا الكون، ولكن فظاعة الألم البشري جذبني لكي أجلس كمزارعٍ جليليّ بسيط عند قدميك أستمع إلى قصصك وأمثالك، ثم أتبعك خفيةً لكي أراقب محادثاتك الغريبة مع من منحتهم الشفاء.
أصبحتُ يا معلِّم أكثر أملاً برحمتك تجاه الفقراء والمظلومين في هذا العالم، وأكثر إيماناً بخلاصك العجيب الذي يأتي لمن لا نتوقّع أو نفتكر. قصة بسيطة مثل قصة الغنيّ ولعازر أصبحت تعني لي الكثير، أصبحت تعني لي أنّك فعلاً تضع عينيك على الفقير والمحتاج لتضمّه إليك بمجرّد أن يلفظه العالم إلى خارج. كنّا وما زلنا نقرأ قصة هذا الفقير المخلَّص أو قصّة اللصّ التائب الذي قابلك على الصليب كما تريد تعاليمنا وعقائدنا وليس كما تريد رحمتك ومحبّتك.
ما الذي قد يعرفه متشرِّدٌ كلعازر عنك أو ما مدى معرفته وإخلاصه لأبيك السماوي؟ لا نعرف…لم تخبرنا، ولكننا نعرف أنّ عينيك نظرتا إلى عذابه فمنحته في النهاية ما بخلت عليه يد الإنسان.
ما الذي عرفه عنك اللصّ اليمينيّ؟ لربّما ظنّ أنّك ملكٌ أرضيّ ذو قدراتٍ عجيبة. ما عرفه في الحقيقة هو الفرق الهائل بينك وبينه، ولكن رحمتك تجاوزت ما عرفه أو ما آمن به لكي تنتشله من هذا العالم الظالم.
كنت تشفي الناس وتنقذهم من براثن المرض والشعور بالذنب من دون أن تطلب مقابل كما يفعل أتباعك اليوم في معظم الأحيان، لم تطلب منهم حتى لو اتّباعك في الطريق.
يا يسوع الذي نشتاق، في بلدي اليوم وفي بلاد العالم كلّها ألف ألف لعازر وألف ألف لصّ دفعه الظلم إلى اللصوصية وألف ألف عشّار يعرف أنّه خاطئ ولا يجد سبيلاً إلى الصّلاح أو للسماع عنك بدون تشويه مليءٍ بالدوغمائيات المشوِّشة.
في العالم يا معلِّم ملايين من المنبوذين الذي ما برحوا يكونون مشاريع استثمار لكلّ صاحب مالٍ أو جيشٍ أو دين، كلّ منهم يعده بالخلاص عن طريقه. بعضهم يستعمل اسمك وبعضهم يستعمل اسم غيرك، بعضهم بالسيف والمال وبعضهم بالكلام والوعود. المهمّ أنّ الحال يبقى ذاته ويبقى المستَغَلَ مستَغَلّاً ويبقى المنبوذ منبوذاً ويبقى السيّد سيّداً! حتى الخلاص الذي قدّمته أنت أصبح بالنسبة للكثيرين كلمة نقبلها أو لا نقبلها من فم إنسان…وبمعنى آخر بات الخلاص رهناً بشخص المتكلِّم. أصبح كثيرٌ من المبشّرين باسمك يظنّون أنّ خلاصك يمرّ بهم. أثق بأنّك ترى بأنّ ملاييناً رفضوا إسمك بمجرّد إحساسهم بأنّهم يخضعون للاستغلال. هل رفضوك حقاً، أم رفضوا المنظومة التي تنطق باسمك؟ هل رفضوك أم رفضوا قصة بائسة احتوت على اسمك؟
هنالك ألف ألف لعازر يا ربّ، قد لا يعرفونك ولكنك انت تعرفهم جيداً، وتعرف عذابهم ومعاناتهم ، تعرف ألمهم اليومي، والظلم الذي نالوه في طفولتهم. ربما بعضهم لم يرَ عدالةً منذ وُلِد فظنّ أنّ أباك ظالمٌ فنأى بنفسه عنه، ولكنك تعلم أنه يتوق في كلّ حينٍ إلى الخلاص. تعلم أنّه يعلم أنه غير قادر على تخليص نفسه، تعلم أنه ما كره الآب وإنما كره ما صوّره له الآخرون عنه. تعلم أنّه لو سمع منك كلمة اليوم لتبعك إلى آخر الكون. نحن لسنا أكثر رحمةً ومعرفةً منك يا سيدي. هذا أملنا الكبير ورجاؤنا الدائم، فرسالتك اليوم لم تعد في أيدي اثني عشر أميناً فقط، بل باتت في أيدي الملايين الذين قد يشوّهها بعضهم أو قد يعتبرها بعضهم الآخر مصدر فخرٍ وكبرياءٍ له حتى لو نطقت شفتاه بكلّ قصائد التواضع البليغة!
يا سيدي، هنالك ألف ألف ألف لعازر بانتظارك أو ماتوا فانتقلوا إلى ديارك وليس لهم إلّاك. لن أطلب منك رحمةً عليهم فأنا أثق بأنّ محبّتك تفوق كل وصف ولو قال كلّ زعماء القبائل غير ذلك، أثق بخلاصك ولو صيغ معنى خلاصك بألف طريقة. أثق تماماً أن صليبك قد أهدى الكيان الإنساني طُهراً وفتح أبواب السّماء، وأثق أنّ كلّ من يملك بؤس لعازر أو قلب لصّ نادم لا يعرف عنك شيئاً أو مساوئ عشّار متواضع سينال برّاً من عندك ولو كره الكارهون وزعماء القبائل.
سلاماً قد نلت منك في نهاية أسطر هذه الرسالة، فلست أنا إلّا لعازر من بين هذه الملايين المنتظرة، وانت تعلم أنّي أبحث عنك!