في النهاية…إنّه يسوع المسيح


بقلم فادي أبو ديب

290aykonat_html_m4e229d81

تحتدم الصّراعات في الشرق الأوسط، وتعلو الأصوات التي تتحدّث عن حقوق الإنسان وقيمة الحياة الإنسانية، وعن حقوق الشعوب في العدالة والسعادة وحكم نفسها بنفسها وغير ذلك من الشعارات الرنّانة الكثيرة، التي تذيب قلب كلّ إنسان يسعى لعيش شيء مما تعتبره الأغلبية الخيرَ الأعظم.  تبدأ الاصطفافات السياسية والعسكرية، وتُلقى الخُطَب التي تعد بالعدالة والانتصار وإعلاء كلمة الحقّ (وكلّ يفهم الحقّ بطريقته!)، وتتوه الناس باحثةً عن مخلِّص هنا ومنقذٍ هناك.

إنّ نظرة متفحّصة بعض الشيء للتاريخ الإنساني، وخاصة في العصور الحديثة، تبيِّن بأنّ حقوق الإنسان هي أكبر كذبة عرفتها البشرية من بعد أساطير الغولة  وفرانكشتاين وغيرها من الخرافات الطفولية، لا بل يتضح أن أكثر الدول التي تتحدّث بالحق الإنساني هي أكثر الدّول انتهاكاً له ومحاربةً لكل من يتوق إليه حقاً.  ولا داعي هنا لذكر أمثلة وشواهد، فصحف كل يوم زاخرة بكلّ ألوان الوضاعة البشرية في الشرق والغرب.

لقد بات واضحاً لكلّ من لا يخشى أن يعترف بما تراه عيناه بأنّ الإنسان اليوم عالقٌ في وسط معركة  الشرّ الذي يحارب نفسه.  هذه الحروب هي عبارة عن دوّامة من الشر الذي يغلي فيحرق كلّ من يدخل معركته.  لا معارك حقّ ضد الباطل ولا من يحزنون.  إلّا أنّ هذا لا يعني التقاعس عن القيام بعمل الخير وصدّ الإعتداءات على الإنسانية، ولكن ينبغي عدم التفاؤل الزائد واعتبار أنّ هنالك طرفاً ما في الصراع يمكن النظر إليه على أنه يمثّل الخير وأنّه المخلِّص المنقذ.

الواقع المرئي والمكتوب يقول أنّ المعلّم يسوع المسيح هو الوحيد حقاً الذي أبدى رغبة حقيقية وقوة جديرة بالثقة بأنّه يمثّل الحق في أجلى صوره.  كثيرون امتلكوا الرغبة في التغيير، فسقراط مثلاً كان توقه إلى تعريف الناس بحالتهم المتردّيّة، وقد اشتُهر بعبقرية حواراته التهكمية التي تهدف إلى لفت النظر نحو الحق وكشف جهل الغرور البشري، ولكن سقراط لم يكن يملك القوة والقدرة.  لقد مات سقراط من دون أن يترك أثراً حقيقياً في نفوس الناس، ولم يبدُ في أي لحظة بأن لديه القدرة على إنقاذ البشرية.  ونفس الكلام تماماً ينطبق على بوذا.

كلّ معلّمي الحكمة أمس واليوم يتحدّثون بكثير من الأمور الرائعة، ولكنهم يفتقرون للقدرة.  أين هي قدرتهم؟  كيف تظهر؟  الإسلام بكل سطوته العسكرية، تراه اليوم يتردّى من سيئٍ إلى أسوأ، وهو إن كان قد جاء لكي يجعل حياة الناس أفضل كما يقول معلّموه فإنّه قد أثبت عبر العصور بأنّه أصبح مشكلة في حدّ ذاته، والكلام هنا عن الإسلام كظاهرة، مع وجود أفرادٍ يرغبون بحق في تغيير الإنسان نحو الأفضل هنا وهناك، ولكنهم بالطبع يفتقرون إلى القدرة على إنقاذ العالم أو إحداث أي تغيير عميق ذي قيمة.  علم التأمل والتفكير الإيجابي وكلّ الأفكار الخلابة الموجودة في العالم تساعد وتنفع، ولكنها لا تشرح أنطولوجية الوجود، ولا تعطي أملاً، ولا تمنح ثقة، ولا تخاطب فرديتنا وأشخاصنا، بل تخاطب بيولوجيتنا وميكانيكية أجسادنا وعقولنا.  ليس فيها أي قدر ولو نزير من التحنّن أو الاهتمام بأعماقنا.  لا تخاطب قلقنا الوجودي بل تأمرنا، لا تلمس عمق جرحنا بل تعمل على تخديرنا وصرف نظرنا عنه او إيهامنا بعدم وجوده.

الادعاءات والأفعال التي أظهرها يسوع للعالم، هي باعتراف أحبائه (تلاميذه) وأعدائه (التلمود) كانت بالفعل خارقة للمنطق والسيرورة الطبيعية.  يسوع كان يملك رغبة في إنقاذ كل إنسان.  رغبة لا يمكن لأحد أن يشكّ فيها، وهذا أمر بعيد عن الإيمان اللاهوتي.  و لكنه كان ايضاً يملك القدرة على هذا، فلقد سار بتصميم نحو هدفه الذي هو الموت.  إنّ شخصاً بقدرته المعجزية يمكن أن يوثَق به بأنّه كان يعرف ماهية التغيير الكبير اللذي يفعله موته وما يتلوه من تغيير وجودي عميق في بنية الوجود الكوني الإنساني.  يسوع أعلن بقوة “أنا هو  نور العالم، مَن يتبعني لا يمشي في الظلام بل تكون له نور الحياة”، وهو قد أكد “أنا القيامة والحياة من آمن بي وإن مات فسيحيا”.

يسوع وصف بتأكيد أنه سيأتي في نهاية هذا العصر الذي افتتحه بمجيئه ليبدأ عصراً آخراً من السلام والعدل.  مجيئه الثاني لن يكون بأقلّ من إنهاءٍ عنيف للمسيرة البشرية البائسة.  سيكون مجيئه غلبة لعنصر الجمال الإلهي في الخليقة على عنصر الضعف والتهالك المسيطر.

معارك اليوم ينتصر فيها أحد الأطراف في ساعة لينتصر الآخر في الساعة التي تليها.  الأكيد المؤكَّد هو أنّ الجميع مهزومون في النهاية.  ومن نافل القول أن نؤكِّد على أنّ الثقة ووضع الأمل في أيّ من دجّالي عالم السياسة والإقتصاد والحروب ليس إلّا وهماً لن ينتج إلّا ألماً واكتئاباً ويأساً.

الانتظار ليس سهلاً.  ليس من يدّعي هذا.  ولكننا ونحن نتتظر المخلِّص هنالك الكثير لكي نقوم به.  هنالك عملٌ في إحياء الإيمان يوجود الخير عبر تمثيله في حياة  كل إنسان يؤمن به.  كل إنسانٍ يسعى للحق مهما كان توجهه مدعو لكي يعمل من أجل الخير والحق والجمال حتى في أبسط التفاصيل اليومية.  الانتظار المنشغل بالعمل هو انتظار مبارك رغم كل الإحباطات، لأنّه يرى بأمّ العين تجسّد الخير وحقيقته، لأنّ كل فعل خير وكل لمسة جمال تلد دائماً أفعالاً مثلها واستجابات مليئة بالمحبة والرجاء.

المسيح المنقذ هو هو أمس واليوم وإلى الأبد.  هو في البداية منقذ لمفاهيمنا، ومحرِّر من التبعية الفكرية لكل أكذوبة تعد بحقوق الإنسان، لأنها تعد بما هي غير قادرة عليه، وهو في النهاية مخلِّص العالم الفيزيائي من الاضمحلال والتدهور.  ما يحدث اليوم على الرغم من هولهِ ليس غريباً عن فلسفة التاريخ الموجودة في الكتاب المقدّس والتي تحدّث عنها يسوع نفسه مراراً.  الحروب، الأوجاع، الكوارث الإنسانية كلها آلام لا نطيقها ونخافها، ولا نعرف لماذا يسمح بها الله.  من الطبيعي أن لا نفهم، فنحن لا نفهم الكثير من الأمور العلمية العادية فكيف سنفهم أنطولوجية الوجود؟!

هنالك شخص أعطى الإنسانية شعوراً بالثقة وخاطب عمق ألمها بشخصانية مباشرة، والملايين اعتمدوا عليه في حياتهم.  إن وُجِد أمل في العالم، إن وُجِد إنسان-إله لديه  اجتماع الرغبة مع القدرة، فهو بالتأكيد ليس شخصاً آخر غير يسوع المسيح.

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.