ما هي الروحانيّة؟


بقلم فادي أبو ديب

970155_537885436267244_1634865451_n

مصطلح “الروحانية” وككلّ المصطلحات المهمّة وذات الدلالة العميقة أصبح هو الآخر رخيصاُ يُستَعمَل في كلّ شاردةٍ وواردة من الظواهر والحالات الاجتماعية والدينية.  ولكن الروحانية الحقيقيّة هي ظاهرة نادرة، فليس من الشائع أن يكون المرء “روحانيّاً”، ولا يمكن بسهولة الإشارة إلى مجتمع معيّن بأنّه “روحانيّ”.

يجب في البداية التفريق بين “الروحانية” و”الخرافاتيّة” أو “الغيبيّة”، فهذه المصطلحات ليست مترادفة بتاتاً.  فالغيبية أو الخرافاتيّة تعني التصديق بوجود اللامرئي، الخوف منه أو الإيمان بوجوده، مع كلّ ما يرتبط هذا من إيمانيات حقيقية أو غير حقيقية، ومع كل ما يصاحبه من مظاهر تطيُّر وأساطير شعبية.  والعنصر الأهمّ في الخرافاتيّة هي أنّها لا تسمو بالإنسان، فالإنسان يبقى كما هو، حسْبه أن يقوم ببعض الممارسات الدينية التي تقيه شرّ المجهول كما يعتقد ويظنّ.

فعلى سبيل المثال، يحاول الشرقيّون أو شعوب الشرق الأوسط وصف أنفسهم بالروحانيّة، ولكن السِّمة الغالبة في الواقع هي الارتباط بالغيب والأسطورة، من دون أن يكون لهذه الأسطورة تأثير على السعي نحو الفضيلة والقِيَم المثالية لأجل ذاتها، فيمكن بسهولة أن نجد الجموع تبالغ في ممارساتها الدينية وفي نفس اللحظة تعيش وفق أشدّ القيم المادّيّة والأنانيّة، من دون أن تشعر بأنّها تعيش في تناقضٍ صارخ.

ومن ناحية أخرى يجب التفريق الحاسم بين “الروحانية” و”العاطفيّة”، فالعاطفية هي القابلية للتأثُّر العاطفي ذي المنشأ الديني أو الاجتماعي.  ومن هذه العاطفية تأتي مشاعر الخوف المبالغ فيه من نظرة الآخر، وحبّ المظاهر، والفخامة، وما إلى ذلك.  بعض المتديّنين يربطون بين الروحانية وبلوغ النشوة الروحية أو فقدان الوعي أو بعض مظاهر الهستيريا الفردية أو الجماعية.  ولكن الروحانية أبعد من أن تكون هكذا.

الروحانية في الحقيقة أقرب إلى العقلانيّة منها إلى العاطفيّة.  وفي لغة المظاهر هي أقرب إلى الاستكانة والصمت والهدوء والسلوك اليومي الطبيعي منها إلى الرقص والقفز والبكاء ومظاهر الاندفاع الجسدي أو النفسي.  الروحانية تعلُّق بالمثال الأعلى، وهي إيمان بإمكانية ووجوب التواصل مع اللامنتهي في قلب المظاهر الطبيعية واليومية.  إنّها إيمانٌ بوجود البُعد الآخر والثقة بالاتصال معه في كلّ عملٍ عاديّ.  الروحانية لها الكثير من الصِّلة بالسعي نحو العدالة والحبّ والجمال؛ ولها صلة وثيقة بالدِّفاع عن القيم المُثلى والفضائل النادرة.  إنّها إيمانٌ بوجود المطلق حتى لو لم يبقَ إنسانٌ واحد ليتحدّث عنه، لأنّه موجودٌ بذاته.  الروحانيّة هي تفضيل البحث عن الفضيلة على القيم المادّيّة.

الروحانية لا علاقة لها بالممارسة الدينية.  بعض الممارسات الدينية تعبِّر عن روحانية حقيقية وبعضها الآخر لا يعبِّر.  فالروحانية ظاهرة منفصلة تماماً عن الممارسة الدينية.  إنّها تتعلّق بنظام الأولويات الذاتية.  أي هل الأولوية تتوجّه نحو المثاليّات والحقائق أم تجاه المظاهر والحياة المرتكزة على المادّيّات والاستهلاك وعدم الشِّبَع؟  إن كانت الحياة القائمة على ممارسة المتعة في كلّ لحظة هي الحياة المفضَّلة لدى الإنسان، فبإمكانه أن يبكي طوال النهار والليل وهو منبطحٌ في معبدٍ ما أو وهو يصغي إلى أغنية عاطفيّة أو دينية معيّنة- يمكنه أن يفعل كل ذلك من دون أن يكون قد افترب قيد أنملةٍ من الروحانيّة.

الروحانية وثيقة الصلة بالعقل فهي التي تستخدم ما ينظّمه العقل من قناعات تتعلّق بالعلاقة بين الجزء الملموس من الوجود وذلك البعد غير الملموس.  الروحانية هي السلوك بحسب هذا التخطيط العقلي، ومن خلق الانسجام بين هذيْن البُعديْن في الذات الإنسانيّة.  إنّها تشوّقٌ إلى استشعار الكمال والتناغم في الحياة، وتواصلٌ مع المثال عبر الفِعل.  الروحانية تنظر إلى الظواهر المتغيّرة فترى الجوهر الثبات، وتنظر إلى ما يبدو ساكناً من الظواهر الاجتماعية والتاريخية والطبيعانيّة فترى تحوُّلها نحو البُعد غير الملموس وبفعل اللاملموس.

الروحانية تحوُّل الإنسان وتُعيد خلقه مجدَّداً.  إنّها تفتح عقله وقلبه على أشياء جديدة وعلى رؤى جديدة.  إنّها منبع التفاؤل والتصديق بالمعجزات وبالحركات اليومية الصغيرة  التي لا تُرى إلّا بعين الرّوح.  الروحانية تعيش على الثقة بأنّ ما يُرى ليس ما هو كائن، بل هي تنتظر دائماً ما سيكون.

عبر هذا الانتظار والرؤية لهذه الصيرورة تبدأ الذاتويّة بالتلاشي وتصبح المادّة منبعاً للشكر، بحيث تُمتَلَك أو يُتَخلّى عنها بنفس البساطة والسهولة، لأنّها لم تعد “كائنة”.  عبر الروحانية تُرى تحوّلات المادة، ويُعرَف حينها بأنّ هذه التحوّلات تخضع للاملموس بحيث أنّها تصبح عبداً طيّعاً لمن لا يطلبها.

For Donations…

الإعلان

48 comments

    • مو بالضرورة. هي مصطلحات فضفاضة جداً ومنقدر نوسع أو نضيق تعريفها. الاستخدام هنا تقني، يعني يتبع كيفية استعمال المصطلح “غيبي” بالمقالات الفكرية العربية، وهو ذو دلالة سلبية في كثير من الأحيان.
      المهم أنو الخرافاتية أو الغيبية بهي الحالة تحديداً تعني نوع من الإيمان البدائي الذي لا علاقة له بالارتقاء بالإنسان حقيقةً.

  1. ما بعرف حسيت انو مصطلح الخرافاتية ما بيعبر عن هالحالة. بس بغض النظر، نعم البعض ممكن يمارس شعائر من غير ما ينعكس هالشي ع حياتو “ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم”، لكن من الممكن أن يكون أسوأ بكثير لو أنه لا يمارس هذه الشعائر، من يعلم! صح؟ طبعا لا أتحدث هنا عمن يمارسها نفاقا ورياء، وهم كثر.

    • ممكن صح وممكن مش صح، لأن الممارسة تسمح للإنسان بخداع نفسه والظن بأنه تمام. نوع من آلية الدفاع النفسي.
      ولكن قد تشفي في بعض الأحيان. من يدري؟!
      في النهاية معظم البشر لديهم نوع مم الشعائر ولو لم يسموها كذلك- نوع من العادات التي تسمح للإنسان بالشعور بالغبطة وتقديم الذات لما هو أكبر منها.
      الخروج من الذات أمر مهم للغاية، الإنسان إذا لم يجد ما يعطي نفسه لأجله يمرض فعلاً، هو بحاجة أن يعطي كما هو بحاجة ليأخذ.
      ولهذا تكون أحيانا ممارسة الشعيرة، ولو شكلا، مفيدة.
      ولكن لا أعرف إذا كان هذا يصلح للجميع.
      بعض الناس بحاجة إلى ترميم قبل الاستمرار في الشعائر، بحاجة إلى بناء من مكان آخر، إلى بناء للعقل. الممارسة لا توفر هذا الأمر.

    • بيقدر بيقدر، ولكن جزئياً وليس بشكل كلي. فيه ناس مثلاً بالهند ممكن تحس بالخطأ إذا عملت شي معين بيعتبروه هم شرير وهيك تربوا على اعتبارو شرير.

      هي جدلية كبيرة، أنو يا ترى هل هناك أمور لا تتغير في الضمير أي بالفطرة وأمور أخرى بحاجة إلى تعليم وتربية؟

      أنا ما بقدر جاوب على هالسؤال بكلمة واحدة. هاد شغل الفقهاء. ولهيك فيه رواتب ومناصب لهيك ناس وخاصة أيام زمان :)))

      يعني الأمر مو عشوائي تماماً، وإلا بتنهار البشرية، ولكنها ليست منظمة تماماً.

      طيب ممكن تقليلي يعني ما في حل؟
      اتطلعي حواليكي بهالدنيا :))

      ومع ذلك انا مش متشائم! من وين التفاؤل؟ من ربنا، أو يمكن من قلة الخلطة بالناس!! :D

  2. “لأن الممارسة تسمح للإنسان بخداع نفسه والظن بأنه تمام”. ما بتفق معك أبدا. الإنسان يعلم بتقصيره ويعلم إذا ما كان يؤدي ما عليه أم لا.

    أنا أؤمن تماما أن “الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره”. طبعا لا أتحدث هنا عن من يعانون من أمراض نفسية.

    “بعض الناس بحاجة إلى ترميم قبل الاستمرار في الشعائر، بحاجة إلى بناء من مكان آخر، إلى بناء للعقل” هل حقا تعتقد بذلك؟ هل تؤمن أن الحصول على روحانية وقلب سليم ينبع أولا من عقل سليم؟

    • صدقي إنتي المنيحة زيادة عن اللزوم😌😂 من وين لكن كل هالجريمة والكذب واللؤم والتزوير والغش والإيقاع بالآخرين بالمجتمعات الدينية (وغيرها)؟ من الإنسان العارف بتقصيره؟

      أعتقد أنك تقصدين الأمراض العقلية وهي أوضح للعيان. الأمراض والعلل النفسية أغلبها خفي ومعقد.

      نعم أؤمن بأن الإنسان متكامل. ليس بالضرورة أن يكون عالما بالذرة لكي يكسب قلبا سليما. أنا أقصد بالعقل هنا سعة الأفق والقدرة على الفهم والاستماع. هذه صفات نادرة والعمل عليها يحتاج إلى تربية وتنشئة.
      هذا هو العقل السليم بالنسبة إلي، وليس العقل الرياضي كما يريد كثير من الناس.

  3. “إذا بدك تروحي لهونيك، ولا هو قادر على التأكد من صلاحيتها 🤔” صحيييييح تماما. التأكد من صلاحيتها لا يكون بالضرورة بمناقشة الأمر عقلانيا أو الاقتناع به، بل بالتأكد من مصدره والاقتناع به 🙂
    يعني عندما يصف الطبيب دواء لمريضه لن تجد المريض يجادل الطبيب في صلاحية الدواء لأنه واثق بالمصدر أساسا.
    أنا فسرتها وغيري فسرها هكذا لأنها هكذا فعلا. نزلت آية “لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي” عندما حاول بعض من أسلموا حديثا إجبار أولادهم (الذين سبق وأن هودوهم وفاء لنذور نذروها) على الإسلام. والرسول عليه السلام لم يقتل من ارتد، وحرب الردة كانت حرب سياسية بالدرجة الأولى ضد أشخاص منعوا الزكاة( يعني بتقدر تقول منعوا الضرايب وهذا تمرد على الدولة التي تحميهم ويعيشون في كنفها).
    سيد قطب إنسان مرهف جدا نعم وأسلوبه في الكتابة ساحر جدا حقيقة. لم أسمع بمسألة التكفير (سأعود لأبحث فيها) لكن كبشر لسنا معصومين وجميعنا نخطئ. كل يؤخذ منه ويرد عليه إلا الرسل. (أنت شخصيا قد تكون اليوم مقتنعا بأمر ما وترفضه غدا، المهم ألا يصر الإنسان على الخطأ)
    طبعا أنا أتفق معك تماما أن البعض قد يفسر الآيات على هواه، القرآن نفسه يذكر ذلك. هنا تأتي :”بل الإنسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيره”.

    • طيب. مو مختلف معك. ولكن تفسيرك وتفسير غيرك لهذه الجزئية من الدين يعني إذن أنّ هذا الجزء من الدين (سواء أكان جزءاً من الشريعة أم من تقليد الدين) له شرط تاريخي، وبالتالي هو “غير صالح” للتطبيق اليوم، أو إذا ما حبيتي عبارة “غير صالح” فينا نسميه “لم يعد مطلوباً” اليوم.

      هذا اللي عم قولو. ومع ذلك غيرك رح يعتبر هي المسألة رئيسية جداً ولا يجوز التهاون فيها، ومن أساسيات الدين أو من أساسيات المجتمع الإسلامي لأكون أكثر دقة.

      أنت لست بوارد الحكم على سيد قطب. أنا استعملته كمثال فقط لأوضح كيف أن الآراء، بما فيها بعض القضايا المصيرية، لا يمكن حسمها بهذه السهولة، باستثناء ربما بعض النقاط العريضة كالإيمان بالله ورسوله (رسله) والبعث وغيرها من الأمور العريضة، وهي خارج قائمة الحلال والحرام الشرعية.

      أنا حتى لم أتطرق لمن يفسر على هواه حتى الآن. ما زلت أقصد الذين يجتهدون بالتفسير بكل صدق وأمانة للنفس.

      • نعم الأمور دائما تؤخذ ضمن سياقها. هذا أمر مفروغ منه تماما، ولا يعني أن الأحكام غير مناسبة لهذا الزمن أو ذاك.
        (في عام الجوع مثلا لم تقطع يد السارق).

        نعم أتفق مع الأن البعض سيعتبر هذه المسألة أو تلك مسألة رئيسية، لذا فالإنسان مطالب بالبحث والتدبر في كل شيء. وإذا كان القرآن يذم من يدينون بديانة الآباء فقط لأنهم ولدوا هكذا، فما بالك بمن يتبعون غيرهم اتباعا أعمى؟

        بالنهاية سيحاسب الإنسان على نواياه، وهذا الأمر مريح نفسيا. أن تعرف أن الله يعلم ما في قلب المرائي والمنافق، وما في قلب البسطاء الدراويش الذين يتم التلاعب بهم.

        ليس مطلوبا من الإنسان إلا أن يبذل جهده. الله كلفنا العمل، لا النتائج.

      • تمام، الإنسان يبحث عن حلول نهائية أحياناً يمكن التصريح عنها بجملة واحدة لأنه منشغل بغيره أو يريد أن يستثمر في الحل بطريقة ما. ما مصير فلان؟ هل في هذا الحكم خيارات أخرى؟ ماذا لو؟…إلخ

        الأفضل هو أن يتدبر الإنسان أمره الشخصي أولاً وربما أقرب المقربين إليه في حال كان هذا في المتناول. ويبذل جهده من دون أن يقتلها ويحول الحياة إلى جحيم، كما حصل ويحصل وسيحصل حين يعتقد الناس انهم يطبقون إرادة الله على الأرض، وغالباً تنتهي الأمور بمجزرة من نوع ما وشكل ما، أو ينتهي الأمر بتحريم أم كلثوم وعبد الحليم حافظ أو انتخاب ترمب :)))
        ولله الأمر من قبل ومن بعد…

      • ملاحظة أخيرة ومهمة،

        إذا كان من المفروغ منه أخذ الأمور في سياقها، هل نأخذ أيضاً باقي تفاصيل التحليل والتحريم في الأكل مثلاً؟

        هذا أمر يخضع للنقاش، وسلسلة الشروط والسياق تستمر وتطول. تماما كسلسلة اللغة المجازية. أين تتوقف؟

        لا أظن أن هناك جوابا حاسما يمكن أن يقنع الجميع على هذه المسألة.

      • “الأفضل هو أن يتدبر الإنسان أمره الشخصي أولاً” طبعا هذا أمر مفروغ منه.

        بالنسبة للأكل الحلال والحرام نعم يؤخذ الأمر أيضا ضمن سياقه “فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه”. هل سبق أن أخبرك أحدهم بغير ذلك؟

        ليس المطلوب أن يقتنع الجميع :)) “وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين”.

        بالمقابل، الاقتناع بالأمر لا يعني بالضرورة تطبيقه واتباعه؛ طبيب رئة يدخن على سبيل المثال لا الحصر.

      • تمام. يعني هل يمكن شرب الخمر في حالات معينة؟ او أكل شيء يعتبر محرماً في حالات معينة؟

        إذا كان الأمر كذلك، فهذا تصريح من الشريعة نفسها بعدم إطلاقية القاعدة ومشروطيتها. وهذا أمر جيد!

        لا تحرفي كلامي عن موضعه من فضلك 🤭 أنا أقصد بالاقتناع، الوصول إلى قواعد ثابتة ونهائية للقراءة يتفق عليه الجميع، وليس الاقتناع بمعنى الإيمان القلبي.

      • أنا نفسي أتناول دواء بشكل دائم وهذا الدواء عرفت مؤخرا أنه يحتوي على جيلاتين من الخنزير، وحين سألت أحد الأطباء عن بديل أخبرني أن البديل ليس بنفس الجودة فاستمربت على الدواء الذي أتناوله منذ أكثر من عشر سنوات ولم أغيره.

        “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر”

      • شكرا لك، وأتمنى لك ذلك أيضا.

        بالنسبة للخنزير والسبب من تحريمه، أستطيع طبعا أن أسوق لك بعض الأمثلة التي يتم تداولها عن أنه يعيش في القذارة وقد يأكل ابنه الميت وووو الخ.

        لكن، أنا لا أحب أن ألجأ لهذه الأمور. هناك أمر رباني واضح جدا بتحريمه (وبالمناسبة وحسب ما أذكر غالبا ما يذكر الحنزير في الكتب المقدسة بأنه مقزز)، لذا أنا أبتعد عنه دون محاولة تفسير الأسباب تواضعا مني لله الذي يعلم ما لا أعلم.

        العلم يكشف جديدا كل يوم، لماذا علي أن أضع نفسي تحت رحمته :))

      • أوكي، إذن الأمر غير مشروط بسياق معين.

        ربما إجابتك بالتواضع لله تبقى أفضل برأيي من تلك الأمثلة، لأن الذي يتحدث عن كيف يعيش الخنزير لا فكرة لديه على ما يبدو عن طريقة عيش الدجاج 😂 وإلى ماذا تؤدي تربية البقر اليوم من تأثيرات تدمر البيئة (وهذا أمر معاصر لم يكن معروفاً في الماضي لأن هذه التأثيرات لم توجد وقتذاك).

        أنا لا مشكلة لدي في الموضوع بحد ذاته. أردت أن أبين موضوع السياق وكيف نتعامل معه.
        بالعموم الابتعاد عن اللحم الأحمر كله أو التخفيف منه يبقى أمراً جيداً للصحة.

        الموقف من العلم هذا يحتاج إلى بحث منفصل؛ ولهذا ربما ذكرت سابقاً أنه قد يكون من المفيد أن نميز في الدين ما هو فوق العلم وما يمكن للعلم أن يضيء عليه فنفهمه بطريقة مختلفة.

        ولكن هذه مسألة شائكة وطويلة.

    • شوف القرآن ما بيطلب من الإنسان إنو يكون روبوت، ولا بيطلب منو إنو يكون مثالي. يعني مثلا خليني آخد الخنزير والخمر. الأصل هو التحريم، لكن لنفرض أن الإنسان سيموت من الجوع أو العطش ولم يجد سواهما، هل يترك نفسه للموت؟ طبعا لا.

      شخص وقع بين أيدي الشبيحة وسألوه عن توجهه السياسي، هل سيعتبر مذنبا إذا كذب؟ طبعا لا.

      كل هذا يندرج تحت “فمن اضطر غير باغ ولا عاد”

      حتى الأحكام الأخرى المتعلقة بالسرقة وغيرها هي أحكام المقصود منها حفظ المجتمع بالعموم ولها سياقاتها، وليس تعذيب الإنسان أو ملاحقته على كل تفصيل في حياتته وتعذيبه(الرسول محمد عليه السلام حاول مرارا أن يصد الرجل الذي جاء يعترف له، والمسيح عليه السلام لم يعاقب أيضا المرأة التي جاؤوه بها).

      الأمر بسيط جدا والله :))

      آسفة أنا ما تقصدت قولك شي انتا ما قلتو، أنا بس ذكرت ملاحظة ع الهامش انطلاقا من تعليقي نفسو 🙂

      • أنا موافق معك ع كل هالحكي. أنا بفهم أنو الشريعة هي قانون لحفظ المجتمع بالنهاية. هيي اللي منسميه اليوم دستور وقانون عقوبات و…إلخ

        لهون ما في مشكلة.

        كلامي عن السياق هو أكثر من موضوع الاستثناءات. يعني هل تم تحريم الخنزير مثلاً لأن لحمه يمكن أن تعشش فيه أمراض معينة لا يمكن درءها من دون نظام صحي وعلم متطور، أم لسبب آخر؟
        لأنو إذا كان السبب الأول مثلا فيمكن أن نقول إن هذا الحكم لا داعي له اليوم بعد تطور الشروط الصحية وتخلصها من الأمراض بنسب كبيرة تجعل لحم الخنزير كغيره تقريباً.

        هذا سؤالي. هذا ما أعنيه بشروط السياق.
        ويمكن تطبيق هذه الطريقة في التساؤل على كثير من الأمور الأخرى.

        يعني هل أوجد المجتمع المعاصر مكافئات أخرى تحفظ المجتمع وأمنه لما كان ضروريا منذ ١٤٠٠ عام أم لا؟

        أنا لا أطالب بإجابة واحدة محددة عن كل شيء لأن التفاصيل كثيرة. ولكن أوضع معنى السياق الذي أقصده.

      • الأمر غير مشروط في سياق معين باتجاه واحد؛ يعني الخنزير محرم قطعا مالم يضطر الإنسان لأكله حفاظا على حياته أو لأسباب قاهرة لكن هل لحم البقر مثلا حلال دائما؟ الشخص الذي يمنعه الطبيب عن أكل لحم البقر سيعتبر آثما إذا أكله لأنه يلقي بنفسه في التهلكة. بنفس المقياس إذا تبين أن البقر تتم تربيته وذبحه بطرق تؤدي إلىضرر الإنسان فيتوجب على الإنسان الابتعاد عنه.

        الأصل إذا الإباحة مالم يرد نص في التحريم، لكن هل كل مباح يكون مباحا دائما؟ هنا تدخل أمو أخرى تأخذ السياق بعين الاعتبار.

      • نحن إذن نستعمل السياق حيناً وحيناً لا نستعمله.
        هذا في كل مكان على فكرة.

        وهذا نفعله لكي نقونن حياتنا، فلا مشكلة فيه طالما أننا ندرك ما نفعل.
        المشكلة تحصل حين نستعمل السياق والمرونة في مكان ولا نستعملهما في مكان آخر، ونبقى على اعتقادنا بأننا نسير بالحرف والوصية.

        والحقيقة أننا نسير بالحرف والوصية والتأويل أيضاً 😊

        من ناحية شخصية، أنا متصالح مع هذه المحدودية وأعتبرها طبيعية.

  4. 😑😑
    يعني المجرم والكذاب والمزور والغشاش واللئيم واللي “بيطقطق براغي للعالم” ما بيعرف حالو إنو هو هيك؟

    على فكرة مو اذا الإنسان بيمارس شعائر معناها هو إنسان كامل ما بيغلط، بس حبيت إلفت النظر لهالنقطة.

    • هلأ بالصدق ما بعرف إذا بيعرف حالو! جزء
      😂منهم لازم بيعرف حالو

      أكيد طبعا ً ما حدا كامل. أنا ما عم بحكي عن الكمال. ما بيحقلي ولا من زاوية.

      أنا عم بحكي عن ممارسة الشر والتخطيط إلو بالحروب وبالسرقة وبالغش وبالاحتلال وبتبرير الظلم (وهي يمكن الأكثر انتشاراً)…إلخ

      • طبعا بيعرف حالو! لو الإنسان بيعمل الشر وهو مو عارف إنو شر معناها كل الأديان بتصير بلا فائدة، صح؟

        معقول واحد حرامي عم يخطط يروح يسرق ومو عرفان إنو هو حرامي؟!

        تبرير الظلم، انتا قلتا. الإنسان ممكن يحاول يبرر أعمالو لكن ضمنيا بيعرف حالو وبيعرف شو النية اللي أضمرها لما قام بالفعل.

      • نعم صح، ولكن بالفعل في ناس يبدو أنها ما بتعرف. كتير ناس بتوقف مع الديكتاتورية ولا يبدو عليها نهائياً أنها عارفة أنو هالشي غلط.

        لهيك قلت أنو بناء العقل رافد للضمير. الضمير مش مكتمل بالفطرة. البدوي كان يعمل الغزوة ويسبي وهو فرحان أنه عمل واجبه الأخلاقي تجاه القبيلة، وهيك اليوم حتى بالقتال.
        أنا ما بقدر إجزم أنو دايماً الضمير عم يحكي.

        الحرامي وطقيق البراغي بيعرفو 😂 بس فيه أمور أعقد وأعمق. يا ستي وفيه طقيقين براغي برأيهم أنهم عم يعملوا عين الصواب.
        لهيك التربية والعقل أساااس.

  5. “بيقدر بيقدر، ولكن جزئياً وليس بشكل كلي”

    كتير حلو هالحكي. معناها الإنسان بحاجة إلى شريعة وقوانين إلهيه تحددلو شو الخير وشو الشر، ولا؟ 🤭

    • رجعنا للمربع الأول 😂 بحاجة طبعاً لقوانين وأنظمة، “إلهية” و”غير إلهية”. ولكن هذا نقاش، ونقاش تصنيف هالقوانين وطبقاتها وصلاحيتها الدائمة أو عدمها، وكونها تؤخذ بالحرف دائماً أم بالقياس عليها، وما حالها عندما توجد في مجتمع آخر له أصلا قوانين أخرى، نقاش آخر تماماً وهو لم ينته منذ قرون طويلة، وسالت لأجله دماء، وقامت عليه حروب، وسقط بسببه ملوك، وتآمر فيه المتآمرون، ووقع به القائمون، وقام لأجله القاعدون، واحترب لأجله الأمراء، وغضبت لأجله النساء، وثار لأجله العبيد وانحبس لأجله الأحرار، وأقيمت لأجله المحاكم، وانحلت لأجله الركب وامتُشقت لأجله الصوارم…

      قصة طويلة🤣

  6. إذا كان الإنسان غير قادر على تصنيف الخير والشر بصورة مطلقة بدايةً وأساساً، فهو بالضرورة غير قادر على إطلاق حكم من قبيل عدم دائمية صلاحية بعض الأوامر الإلهية 😏.

    قصة قصيرة :))

    • ايواااا…إذا بدك تروحي لهونيك، ولا هو قادر على التأكد من صلاحيتها 🤔
      الحقيقة هي مسألة اتباع أو قياس، متل مثلا تفسير معنى الجهاد، البعض يتبع بالحرف كما يعتقد، والبعض يفسر الأمر ضمن شروطه.
      إنت نفسك فسرتي “من بدل دينه فاقتلوه” ضمن شرط تاريخي ولم تأخذيها كوصية لكل زمان.
      بغض النظر إذا كانت أساس بالدين أم ثانوي.
      أصلا لماذا الناس تتقاتل؟ على أمور كهذه وعلى ما هو أولي أو ثانوي.

      سيد قطب مثلا كفر المسلمين ابتداء من القرن الرابع الهجري او ما شابه ذلك. هو فسر الأولويات بشكل مختلف. و عفكرة سيد قطب مانو شخص غبي. هو شخص واسع الاطلاع ومرهف الأحاسيس ولم يولد متشدداً.
      هذا كلامي. ما في حل لهالمشكلة😌

  7. ليست القصة في أن الحديث أدنى من القرآن. القصة هي أنه لا تضارب بين القرآن والحديث، وبالتالي يؤخذ هنا الحديث في سياقه فقط لأن كل شيء يشير إلى ذلك .

    يعني بعطيك مثال تاني:
    القرآن يقول: وأما بنعمة ربك فحدث.
    الحديث يقول: استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان.

    هل هناك تناقض؟
    الحديث هنا يؤخذ في سياق ما قبل التطبيق؛ يعني شخص يريد أن يبتدأ مشروع ما يفضل أن يتكتم عليه لأسباب كثيرة قد يكون منها التحبيط والتدخل والحسد ووو الخ. شخص يريد خطبة فتاة نفس الأمر، لكن هل يتكتم على الخطبة أو الزواج بعد أن يتم؟ لا.

    • أوكي هالجملتين ما في تناقض بينهما لأنو عبارتين عامتين وما بيتطرقوا لنقطة محددة واحدة.

      هلأ بالمجتمعات التقليدية الكتمان ضروري بالخطبة والزواج، لأنو مجتمع “مو مسمى برحمن” بلا مؤاخذة، كل الناس بتعرفها بعضها وما بتنم أبداً :) :D
      بمجتمعات أخرى، ما بيتكتموا، لأنو نسبة القيل والقال أخف.

      هي أمور مفهومة ما فيها مشكلة.

      • الأمراض القلبية هيي أمراض منتشرة بكل المجتمعات. شخصيا لا أضع أي مجتمع ضمن هالة مقدسة، ولا أعمم صفة سلبية على مجتمع.

        أنا طرحت الخطوبة والزواج كمثال فقط، لكن بالعموم خيبة أمل الإنسان بينه وبين نفسه أقل أذى من خيبته أمام الناس في حال لم يتم له أمر ما أو خطة أو مشروع أو أو . ما بعرف إذا وصلت فكرتي.

    • يعني إله علاقة بأمور قلبية أو معنوية أو متعلقة بذات الإنسان، متل الحث على الفضيلة أو المحبة أو اللطف أو بر الوالدين.

      • بر الوالدين لا يكون في حال أمر الوالدين للأبناء بعصيان الله مثلا. حتى الكذب إذا كذب الإنسان تحت التهديد بالقتل كمان ممكن. ما بعرف اذا فهمت قصدك صح

      • يعني بظن بنفس الإطار. بالعموم هي وصايا استثناءاتها قليلة، بمقابل وصايا ثانية مدنية ذات طبيعة قضائية أكثر قابلية للتأويل. مثلا العقوبات الجنائية بالشريعة ما عاد حدا طبقها بحذافيرها إلا السعودية حتى وقت قريب.
        صار إلها قوانين مدنية. مثل ما عاد حدا طبق قطع اليد أو الرأس أو الرجم…إلخ

  8. “نحن إذن نستعمل السياق حيناً وحيناً لا نستعمله.
    هذا في كل مكان على فكرة” عطيني مثال لو سمحت.

    “المشكلة تحصل حين نستعمل السياق والمرونة في مكان ولا نستعملهما في مكان آخر، ونبقى على اعتقادنا بأننا نسير بالحرف والوصية.”

    مو صحيح. باختصار شدييييد القرآن يريد من الإنسان أن يكون إنسانا مو روبوت 😌 وأن يأخذ الأوامر ككل.

    • ما عم بحكي عن القرآن. في النهاية نحن الذين نقرأ. القرآن لا يقرأ نفسه بنفسه 😌

      المثال سبق وتحدثنا عنه. مثلا نأخذ السياق في شأن وصية قتل المرتد ولا نأخذه في تحريم الخنزير مثلاً.

      مو بس بالإسلام هيك عكل حال. حتى بالقانون المدني نقوم بهذا. لهيك فيه محامين أشطر من محامين 😉

      ربما نحن نتحدث عن أمرين مختلفين؟ أنا أبدي ملاحظات عن تقنيات القراءة وفهمنا للأشياء. وليس إذا كان هذا الأمر جيدا أم سيئا.

      هذا لا ذنب للقرآن أو غيره به.

      • قتل المرتد لم يرد في القرآن. القرآن يؤكد على حرية الدين. وحين قال الرسول بذلك قاله بظرف معين ولأشخاص معينين تخويفا لأعدائه (فيك تقول شي سياسي)

        تحريم الخنزير هناك نص واضح فيه، فالأصل التحريم، لكن الله قال في القرآن أيضا أنه لا ذنب على من يضطر لأكله لأسباب قاهرة.

        مايرد نص في تحريمه فهو حرام مالم نضطر، وما هو مباح يعود لكل شخص وحالته الصحية لأن هناك قاعدة أخرى تقول “ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة”

        الموضوع مو معقد 🙂

      • طيب. مين قلك شي سياسي؟
        هيك مكتوب ولا هي قراءة للموقف؟

        (انتبهي أنو أنا مع تفسيرك مو ضدو).

        هل ينظر المسلمون لأحاديث النبي على أنها أقل مرتبة من القرآن؟ الرسول لا ينطق عن هوى.

      • أعتقد أنني أستطيع تلخيص ما تقولين في بضعة نقاط:

        – إذا كان هناك نص بالتحريم فهذه وصية مطلقة.
        – إذا كان هناك نص يحتمل وجهين نأخذه إلى جهة الإباحة.
        – إذا كان هناك أمر أخلاقي يعتبر وصية مطلقة.
        – إذا كان هناك أمر اجتماعي أو “مدني” (يخص الدولة)، أو هناك مشكلة كبيرة في تطبيقه، يمكن الحديث بشأنه عن طريق قراءة السياق التاريخي مثل “من بدل دينه…” أو نصوص عن الجهاد أو ما يسمى اليوم بالجهاد. ولكن هذا قد يعني أن التفسير ربما يتغير في حال توفرت الفرصة لتطبيقه. (أقول ربما).

        بعض من هذا ربما قلتيه والبعض من استنتاجي الشخصي.

  9. “مثلا العقوبات الجنائية بالشريعة ما عاد حدا طبقها بحذافيرها إلا السعودية حتى وقت قريب”
    السعودية مع الأسف لا تمثل الدين الإسلامي، ويمكن عم تشوف كيف عم يتم سجن وإقصاء أي عالم أو شيخ عم يحاول يقول كلمة حق وكيف أنو اللي بالساحة معظمهم شيوخ السلاطين.
    الإسلام جميل جدا بس بعض المسلمين عم يشوهوه أكتر من أعداؤو 😦
    نعم ممكن تقول هيك شي.

    • 😊😊
      للسعودية حديث آخر. أنا فقط نبهت إلى مسألة قراءة قوانين العقوبات اليوم.
      لم تعد تؤخذ بحرفيتها.

      • إي الموضوع وارد. يعني مثلا متل زكاة الفطر (وهي شيء آخر غير زكاة المال) مقدارها صاع طعام للفقراء. ممكن الإنسان يعطي ما يعادلها من مال مثلا. هذه الأمور يحددها أهل العلم والفقهاء 🙂

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.