بقلم فادي أبو ديب
يسوع المسيح، أنظر إليك بشُكر لأنّك أعطيتني حُلُماً رأيتُهُ ممكناً فيك: أن أعرف أنّ الإنسان يمكن له أن يكون ما لا يتوقّعه في نفسه. في لحظةٍ ما يولَد الحلم. ما الذي أحتاجه أكثر من حُلُم يا معلِّم لكي أصل إلى النّجوم؟
أعتقد أنّه إن كُنّا نظنّ أنّ يسوع المسيح قُتِل بسبب ادّعائه الألوهية نكون قد أضعنا البوصلة. يسوع “اغتيل” لأسباب دينيّة-سياسية، فوعظه كان يؤدّي بالضرورة إلى تفكيك المؤسسة الدينيّة اليهودية بشكل غير مباشر، وذلك عن طريق تخريب صورة المسؤولين فيها وتغيير صورة الله المرسوم في أذهان العامّة. وقد كان هذا أكثر ممّا يستطيع المجمع اليهودي الأعلى تحمُّله، لأنّه يؤدّي بالضرورة إلى تفكيك الهويّة اليهوديّة القومية وتفكيك الكثير من المشاعر والصُّوَر الدينية المرتبطة بها. وقد نطق رئيس الكهنة حينها بتلميح إلى هذه الحقيقة في يوحنا 11: 48-50: “…إن تركناه هكذا يؤمن الجميع به، فيأتي الرّومانيّون ويأخذون موضعنا وأمّتنا. فال لهم واحدٌ منهم، وهو قيافا، كان رئيساً للكهنة في تلك السنة: أنتم لستم تعرفون شيئاً، ولا تفكِّرون أنّه خيرٌ لنا أن يموت إنسانٌ واحدٌ عن الشعب ولا تهلك الأمّة كلّها!”
قتله بسبب ادّعاء الألوهية كان فقط النقطة التي يمكن لهم أن يصيبوه فيها في مقتل بشكلٍ سهل. كان يمكنهم ببساطة أن يقولوا عنه أنّه عبارة عن متنبّي مهووس وينتهي الموضوع. ولكن ما كان يقوم به على أرض الواقع، ووعظه الذكيّ جدّاً، المباشر وغير المباشر، لم يكونا يحتملان تأجيل اغتياله.
يسوع كان ذكيّاً جداً، ولم يكن من الغباء بمكان بحيث يعظ بشكل مباشر ضدّ الآلة اليهودية في جوهرها، لأنّ هذا سيؤدّي إلى صدّ كلّي مباشر، وهو ليس بحاجة إلى هذا طالما الوسائل الأخرى التي تحتاج إلى صبر ممكنة، فكان يضرب تارةً بشكل مباشر وطوراً بشكلٍ غير مباشر، ولكن النتيجة الأخيرة لتعليمه هو أنّه كان يفكِّك ما هو غير مسموح له أن يتفكَّك: “صورة الله في أذهان العامّة- الإله القومي.” صورة الآب الذي يمكن التقدُّم إليه من دون معونة الماكينة الدينيّة؛ الآب الذي يمكنه أن يكون قريباً كقربه من عصفور أو زهرة في الحقل، هذا ما لم يكن بالإمكان السّماح به لأنّه يدمِّر الحُلم الجماعي القومي.
بدايات هذا الخطر بالاضمحلال توضَّحَ جيّداً في نظرة يسوع إلى يوم السبت المقدَّس، فالسّبت لم يكن مجرَّد يوم راحة عاديّ، بل كان علامة التزام الأمّة بالشريعة الموسوية، وبشكل ضمنيّ كان علامة هويّة قوميّة تفصل الأمّة عن باقي الأمم، وحجر أساس في سلطان المؤّسسة الدينية. إلّا أنّ يسوع قلب الأمور بشكل لم يكن بالحسبان، فاختراق السّبت لم يكن ممكناً تحت أيّ عذر، ولكنّه لم يكتفِ بخرقه بل جعل السّبت كيوم راحة وعبادة مجرَّد خادمٍ للإنسان، لكلّ إنسان، وليس له سلطة على الفرد:“إنّما جُعِل السّبت لأجل الإنسان، وليس الإنسان لأجل السّبت”
الحُلم الذي أنشأه يسوع المسيح ظلّ حلماً إلى حدٍّ بعيد. لقد أسّس حلماً كالواقع وهو حلم الجماعة الحرّة التي تعاكس الماكينة الدينية اليهودية قلباً وقالباً. هذا الحلم لم يتحقّق يشكل ملموس، ولكنه بقي صورة ملهمة على مدى الأجيال.
الكنيسة ما هي إلّا حلم جميل مهمّته أن يبقى صورةً ملهمة في قلوبنا.
قتل الأنبياء، أو محاولات قتلهم حدثت دائما لأسباب دينية سياسية.