ملاحظات سريعة إلى هرمان هسّه


بقلم فادي أبو ديب

hermann-hesse

إلى السيّد هرمان هسّه:

لا أنكر با سيّدي أنّني ومنذ الطفولة رازحٌ تحت هذا الصوت الغريب الذي يدعوني إلى الفوضويّة.  لم تفلح الأنظمة الاشتراكية ولا الدينية التقليدية في أنّ تجعل منّي إنساناً “لابساً” و”قاعداً” يمكن ان يمثِّل أيّة جهة من دون أن يسبِّب لها المشاكل أخيراً.  “الواقع”، الذي لا يمتّ للواقع بصلة، بات على ما أفترض أكثر وحشيةً وسجناً وسماجةً مما كان عليه أوائل القرن المنصرم، لذلك فقد باتت حاجتي إلى التخيُّل والإمعان الجدّي في الأفكار والصٌّوَر (الموحاة بلا ريب) ضرباً من الضرورة الذي لا يعرف الرّفاهية.

وبشكلٍ عام فإنّ أفكارك، التي أعلم أنّك لم تعرضها على سبيل النُّصح، جيّدة لتمضية الوقت في هذا “الواقع المزعوم” كما تسمّيه، ولكنّ عندي بضعة ملاحظات:
– لا أستطيع السَّفَر مثلك، فدول منطقتي تحتاج كلّها إلى تأشيرات دخول، وبعضها يمنعك من الدّخول مرّة أخرى إن خرجتَ منها.
– سأفكِّر ألف مرّة قبل تمضية عطلتي بالرَّسم، فالأدوات غالية جداً، حيث أنّ الفنون هنا للطبقة ما فوق البرجوازية.  وإن لم تكن محترفاً فالأفضل ألّا تجرِّب إنفاق أموالك- إن وُجِدت- فيما ليس طارئاً.

– لم أستطع حتّى اليوم الجمع بين شراء كتاب وشراء شطيرة من اللحم في اليوم نفسه، من دون أضرارٍ بعيدة المدى على المستوى الاقتصاديّ الشّخصيّ.


– كنت أودّ لو أتأمّل الغابات والأزهار والطّحالب النهرية، أو أتمشّى على ضفاف بحيرة،ولكنّ السّماء شاءت أن أعيش في بلاد العرب الصّحراوية، وأمّا البحيرات فهي إن وُجِدت ثكنات نصف عسكرية وما تبقّى منها فمخصَّص للطبقة الأرستقراطيّة أو للعصابات.
– أحبّ القطار ولكنّه غير موجود أو غالي الثَّمَن.
– أرغب في مراقبة الفتيات الجميلات في الرّيف ولكن ليس على حساب رأسي.  فمراقبة الفتيات هنا عملٌ من رجس الشيطان.  هذا طبيعي حين يكون الإله العربيّ يخاف النِّساء فيحبسهنَ كالإله الأوروبي الكَنَسيّ في القرون الوسطى.  المرأة هنا إلهةٌ حبيسة نمارس في حضرتها أشدّ انواع الساديّة بحقّها، وفي غيابها أبشع أنواع المازوشيّة.
– ظهري يؤلمني أحياناً ولكن ليس لدينا منتجعات إستشفائية مخصَّصة للإنسان العادي.
– لدينا داعش، وهي منظّمة إسلامية يدعمها هؤلاء الأوربيون المملّون، تريد أن تعود بنا إلى عصر الكنيسة الإسلامية.  ما هي هذه “الكنيسة”؟  إنّها أسوأ مما هربت منه قارّتك العجوز! 
– هنالك أكثر من منظّمة عسكرية تتمنّى انضمامي وزملائي الشباب إلى قوّاتها، فهي المهنة الأكثر رواجاً في منطقتي.
– ليس هنالك ريف أخضر ناءٍ هنا.
– إن كان يوجد مثل هذا الرّيف النائي فهو ليس للتأمّل بل لأعمال التهريب والنّهب.
– السّعودية (قوّات منظّمة من البدو اخترعها جيرانك الإنكليز)على حدودي، وموقعها يقلِّل كثيراً من فرص سَفَري.
– إسرائيل (قاعدة عسكرية كبيرة) اخترعها أيضاً جيرانك الإنكليز على حدودي، وهي أيضاً تمنع سياحتي الدّاخلية بشكل فعّال.

– بلادنا ليست بلاد الله لنتجوّل فيها كما نشاء، بل هي بلاد الحاكم بأمره تعالى.  هي له وليست لنا.  الأشجار أشجاره والأنهار ملكه.  وأمّا نحن فلنا جحورنا المدينيّة المظلمة.
– لا أستطيع التصريح بأكثر من ذلك، فأنا أعيش في كنف آلهةٍ تزدردُ المديح صُبحاً وظهراً وليلاً.

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.