قد يكون من المعلوم بأنّ مكسيموس المعترف هو أحد آباء اللاهوت البيزنطيّ، وهذا يسهُل إلى حدٍّ ما تلمُّس العناصر الرئيسية المميِّزة لهذا اللاهوت. ولكن هل هنالك أرضيّة مشتركة بين مكسيموس والتراث الإيزوتيريكيّ المسيحيّ بحسب ما يقدِّمه بوريس مورافييف؟ وإذا كان هنالك أرضيّة مشتركة أو ملامح مشتركة فأين هي وعلامَ تدلّ؟ فكتابات مكسيموس تحمل بين طيّاتها أكثر مما يبدو للوهلة الأولى من ملامح اللاهوت الأرثوذكسي التقليدي الذي يؤمن بتأليه الإنسان واتحاده بالله؛ فهو يمتدّ إلى تقنيّات باطنيّة ليست غريبة عن التراث الإيزوتيريكيّ العالميّ.
سيبدأ هذا البحث المختَصَر بإلقاء الضّوء سريعاً على ماهية الإيزوتيركية الأرثوذكسية، ومن ثمّ يفحص بعض الملامح الرئيسية في لاهوت مكسيموس وروحانيّته: النوس، الحبّ، مراحل المعرفة- الغنوص التي يمكن أن يصل إليها الإنسان في طريق الخلاص، وكيفية مشابهة هذه للإيزوتيركية. ومن ثمّ سيتمّ التطرُّق إلى مسألة التفسير الروحيّ للنصوص المقدَّسة والتأثير المُحتَمَل لذلك على فهم بعض المصطلحات المسيحية التقليدية.
الإيزوتيريكية الأرثوذكسيّة
بدايةً يجب التعرُّف بشكل أوّليّ على الإيزوتيريكية الأرثوذكسيّة التقليديّة. يُعرِّف مورافييف هذا التقليد المسيحي الأرثوذكسيّ بأنّه التعليم الذي يشتمل على “الوقائع والأعمال المنفتحة على المراكز العُليا…[أي] على مجال الوعي للأنا الحقيقية، وعلى الوعي نفسه.”[1] وينقل أوسبنسكي عن جوردجييف بأنّ المسيحية الإيزوتيريكية هي التي تجعل المرء يعيش وفق وصايا المسيح. وهذا يعني أنّ على المسيحي “أن يكون” و”أن يفعل”، أي أن يكون مسؤولاً وسيّداً على نفسه، وذلك بأن يتوقّف عن أن يكون آلةً “تحدثُ لها” الأشياء.[2] وهذا يكاد يطابق ما يقوله إسحق السريانيّ عن مسؤولية الإنسان في الكفاح لدخول مَقدِس النفس للوصول إلى مَقدس السّماء، لأنّ واحدهما هو الآخر بذاته. فالسُّلَّم الذي يقود إلى الملكوت مَخفيّ في داخل نفس الإنسان، لهذا على الإنسان أن يُطَهِّر نفسه من الخطيّة (أو “أن يفعل” ويكون سيّد نفسه بتعابير جوردجييف وأوسبنكسي) لكي يجد حينها الدَّرجات التي ستمكّنه من الصّعود.[3]
إذاً فالعامل المشترك بين كلّ هذه التعريفات هي أنّ التقليد المسيحي الإيزوتيريكي هو التقليد الذي يشدِّد على مسؤولية الإنسان الجزئيّة في الوصول إلى الله من خلال مراحل متدرّجة تعتمد على تنقية الذات والأعمال الروحيّة المختلفة. وهذا ما سوف يتّضح في دراسة مكسيموس المعترف.
النّوس والحبّ الإلهيّ
يشكِّل النّوس موضوعاً رئيسياً في التعليم الرّوحي لمكسيموس المعترف. والنّوس بحسب التعريف الأرثوذكسيّ هو الذّهن mind، الذي يختلف عن العقل reason. ويشرح سلوان أونر عن هذا معنى هذا المصطلح:
يشكل النوس أو الذهن جزءاً من الطبيعة البشرية، والحرية هي من تركيبة هذا النوس الأساسية، وبما أن الله والإنسان أحرار فبالتالي هنالك يلتقيان. (يُشار إلى أنّ الذهن، أو “النوس”، في اليونانية، لا يعني العقل، أو “الذيانيا”، العقل هو عضو القوى الإدراكية في الدماغ فيما الذهن هو عضو القوى الروحيّة في القلب. و في الصلاة يتم حضور الذهن أمام يسوع)، وبالمقابل يشكل هذا النوس ساحة الحرب الأساسية للشيطان ضد الإنسان.[4]
فالذِّهن إذاً في المفهوم الأرثوذكسي- وهو مفهوم مكسيموس- يتعلّق أكثر بالفهم الرّوحي أو ربّما حالة البداهة الرّوحية التي يعيشها الإنسان، وليست المحاكمة العقلية التحليليّة. وربّما يأخذ النّوس محلّ الرّوح فيما يتعلّق بالحياة الروحية والتجاوب الإنساني مع الله وقوّاته.
والحديث عن النوس متصل مباشرةً بالحبّ الإلهي، لا بل أنّ غاية الإنسان هي الوصول عن طريق النّوس إلى هذا الحبّ.[5] والحبّ المذكور هنا مختلف عن “المحبّة”[6] في التّراث الأرثوذكسي الباطنيّ، فهنالك فرق بين الحبّ والمحبّة، فيشرح بوريس مورافييف عن هذا التمايز في التفاته إلى ما يقوله الرسول بولس في 1كورنثوس 13: 13 بأنّ الحبّ هو قوّة روحيّة بينما المحبّة هي موقف يشكِّل أحد تجلّيّات الحبّ.[7] فالحبّ الذي يسعى إليه النّوس ليس أعمالاً صالحة فحسب، بل هو حالة تشبه الوحدة مع كلّ شيء. إنّه إلغاء الهوى البشريّ والميول الشهوانيّة، والنَّظَر إلى الكائنات كما لو أنّها عديمة الفروق بالنسبة لعواطف الإنسان الذي يصل بنوسه إلى حالة الحبّ الكامل هذه. ولعلّ أكثر التعبيرات جلاءً عن وصف هذه الحالة تظهر في ما يقوله مكسيموس: “الكامل في الحبّ[8] مَن بلغ ذروة اللاهوى، لا يرى فرقاً بين شعبه والغرباء، بين مؤمنٍ وغير مؤمن، ذكر وأنثى…فهو إذ أصبح فوق الأهواء التي تستعبده، فقد بات يرى في الجميع الطبيعة الإنسانية الواحدة.”[9]
معرفة الله
معرفة الله هي في النهاية هدف الإنسان في حياته الرّوحية، وهي غاية النّوس في سعيه للانفلات من الأهواء التي تعيقه في سعيه للوصول والاتحاد بالحبّ الإلهيّ. هكذا فإنّ “حياة النوس تقوم في معرفة نور الله النابعة من حبّه…”[10]، وهذه المعرفة- الغنوص ليست نفسها الفضيلة العمليّة أبداً، بل هي أمرٌ ناتج من التأمّلات الروحيّة والإيمان؛ فالمعرفة هي التي تؤدّي إلى الحبّ الإلهيّ.[11] فهذه التأملات بمرافقة المطالعات الروحية هي التي تجعل النّوس خالياً من أيّة مادّة وهيئة، وبالتالي تسمح بالصلاة من دون شرود،[12] وهذه الصلاة النقيّة هي التي تجعل النوس أو الذّهن يرتفع فوق الخليقة ليصل إلى الله ويتّحد به.[13] ويؤكِّد مكسيموس على هذا التمييز بشكلٍ لا يقبل الجدل في أكثر من مكان واحد، فهو يشرح بوضوح حول هذا الموضوع أيضاً في “مئتا نصّ في اللاهوت والتدبير المتجسِّد لابن الله”:
الذي يصل إلى مثل هذا الكمال بما أنّه قابلٌ للاكتساب من الناس في هذا العالم يقدِّم إلى الله ثمار الحبّ والفرح والسّلام وطول الأناة (قارن مع غلاطية 5: 22)، وسوف يقدِّم في الدَّهر الآتي ثمار عدم الفساد والأبديّة والمواهب المماثلة. القوّات الأولى في الإنسان الكامل في ممارسة الفضائل، وأمّا الثانية ففي الإنسان الذي من خلال المعرفة الروحية عَبَر إلى ما وراء عالم الأشياء المخلوقة.[14]
هذا التقسيم الواضح بين الفضيلة والمعرفة وعدم مطابقة الواحدة للأخرى، رغم أنّ الثانية غير ممكنة على ما يبدو من غير الأولى، يقود إلى النَّظَر بتفصيل أكبر في فكرة هذا الارتقاء في المعرفة عند مكسيموس.
الإرتقاء المراحليّ نحو معرفة الله والمراكز الثلاثة العُليا
يظهر بوضوح اعتماد مكسيموس في نظرته إلى الفاعليّات الإنسانية على فلسفة مشابهة لتلك الإيزوتيريكية الأرثوذكسية التي يشرح عنها بوريس مورافييف؛ فالإنسان بحسب مكسيموس يتكوّن من ثلاثة مراكز أو وظائف كبرى هي: الشهوانيّة والغَضَبيّة والعاقلة.[15] وبالمقارنة مع التراث الإيزوتيريكي يظهر التشابه واضحاً، فهذا الأخير يستعمل أحياناً تعابير أكثر معاصَرةً للتعبير عن نفس النَّظَرة، حيث يقسِّم الشخصية الإنسانية إلى ثلاثة مراكز: فِكري (3) وعاطفي (2) وحَرَكيّ غرائزيّ (1).[16]
وبحسب مكسيموس فإنّ النّوس (الذِّهن) إذا حفظَ الفضائل العمليّة يتقدَّم في الحُكم القويّ والاتّزان. وعندما يحيا في التأمّل يتقدّم في المعرفة. فالفضائل العملية تمكِّن الإنسان من التمييز بين الخير والشرّ، بينما التأمّلات تقود الإنسان إلى معرفة خواص الكائنات الجسمية واللاجسمية. وبعد هذا يستأهل النوس نعمة اللاهوت فيحلّق بالحبّ ليصل إلى سُكنى الله، وهناك يتأمل في قوى الله حسب قدرته البشريّة.[17] وهذه التقسيمات ليست مجرَّد تأمّلات أو مُساعِدات للمؤمن في حياته الرّوحية، بل هي ترتبط ارتباطاً عضويّاً بالكهنوت الكَنَسيّ؛ حيث يُصرِّح مكسيموس بأنّها مرتبطة بوظائف الكهنوت، مما يعطيها بُعداً آخر إضافياً على بُعدها العمليّ الحرفيّ؛ فهو يشرح بأنّ منصب الشمّاس هو لمَن يُعرّي نوسَه ويطرد بالجهاد الرّوحي أفكار الشَّهوة. أمّا مَن يُنير نوسَه بمعرفة الكائنات فيخنق كلّ معرفة كاذبة فيشغل منصب كاهن. ولكن مَن يطلب الكمال بميرون المعرفة المقدَّس والسّجود للثالوث الأقدس فإنّ له منصب الأسقف.[18]
هذه التقسيمات الواضحة وغير القابلة للاختلاط ليست مجرَّد مراحل في الرِّياضات الرّوحية، بل هي بحسب مكسيموس ثلاث مراحل لنوال الخلاص. وهو يستشهد بما يعتبره دلالةً روحية لحادثة تجلّي يسوع المسيح ليقول بأنّ المظلّات الثلاثة التي أراد بطرس صناعتها ثمثّل هذه المراحل الثلاثة للخلاص، وهي الفضيلة والمعرفة الروحية ومن ثمّ أخيراً مرحلة نوال اللاهوت. الأولى تتطلّب الصّمود وكبح جماح الذّات في ممارسة الفضائل (يمثّل إيليّا هذه المرحلة). والثانية تتطلّب التمييز الصحيح في التأمّل الطبيعيّ (يمثِّل موسى هذه المرحلة)، وأمّا المرحلة الثالثة فتتطلّب النُضج الكامل للحكمة (وقد تمّ الكشف عن هذا من قِبَل الربّ نفسه). وبالنسبة لمكسيموس فإنّ هذه المراحل الثلاثة دُعِيَت بالمظلّات لأنّه مجرَّد مراحل مؤقّتة ستتبعها مراحل أكثر بهاءً وروعةً في الدَّهر الآتي.[19] هذه المراحل اللاحقة للمراحل الثلاثة[20] ربما تكون تلميحاً لما يصفه الإيمان الأرثوذكسي الإيزوتيريكيّ بأنّه انتصار على الموت النجميّ (المتعلِّق بالجسد النجميّ أو الأثيري) والموت الذِّهنيّ، حيث يصل الإنسان بعدها إلى حضن الحبّ المطلق أو البليروما (الملء).[21] وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ مكسيموس يُصرِّح مباشرةً برفضه لمبدأ الخلاص بالإيمان فقط، ممّا يؤكِّد أنّ الخلاص تدريجيّ ويحتاج إلى ارتقاءٍ من مرحلةٍ إلى أخرى، وهو يقول: “لا يليق أن تقولوا أيضاً بأنّ الإيمان بربنا يسوع المسيح فقط، كفيلٌ بخلاصنا. إنّ خلاصاً كهذا مشكوكٌ فيه عندما لا يأتي كنتيجة لأعمال المحبّة.”[22]
من ناحيةٍ أخرى فإنّ مراحل الخلاص الأرضيّة الثلاثة المذكورة سابقاً تبدو متوافقة عمليّاً مع المراحل التي يشرح عنها بوريس مورافييف للإنسان الذي يتجاوز سيطرة وأوهام مراكز النفس السُّفلى: الغرائزيّة والغضبيّة (العاطفية) والعاقلة (الفِكرية).[23] فالإنسان رقم 4 في التقليد الإيزوتيريكي الذي يذكره مورافييف يتعرّف على المراكز السُّفلى هذه ويَعي وجودها وينمّيها إلى حدودها الممكلنة وينظّم عملها. وهذا قد يوافق مرحلة ممارسة الفضائل العملية التي تتيح كبح الشَّهوات (الشمّاس). والإنسان رقم 5 يكتسب قِوىً وقُدُرات جديدة. وهذا يتّفق إلى حدّ ما مع قدرة الإنسان على تأمّل الكائنات الجسمية واللاجسمية[24] التي تخلِّصه من المعاني الشّهوانية وتلك المنظورة (الكاهن). أمّا الإنسان رقم 6 فهو الذي يطوِّر القدرات المكتَسَبة إلى حدودها العُظمى، وهذا ربّما يماثل أيضاً التحليق بالذِّهن نحو سُكنى الله والسجود للثالوث الأقدس، أي يتجاوز معرفة الكائنات المخلوقة المنظورة وغير المنظورة.[25] هذا الحديث عن التدرُّج يدخل في نفس الأجواء التي يمكن أن تُشاهَد في كتابة أحد معلّمي الإيزوتيريكية المسيحية وهو إسحق السريانيّ، الذي يشرح أيضاً عن المعرفة بمصطلحات مشابهة؛ فهناك المعرفة الطبيعية التي تتعلّق بالمنظورات، والمعرفة الرّوحية الملتصقة بمعرفة الأشياء أو الكائنات اللامنظورة، ومن ثمّ المرحلة الأعلى وهي المعرفة فوق الطبيعيّة أو الإلهيّة. والنوعان الأوّلان من المعرفة يتمّان خارج النّفس، وأمّا الثالثة الأعلى فتتمّ “بطريقة لاهيولية سريعة وغير متوقَّعة وتُعلَن من الداخل.” فهذا هو ملكوت السماوات الذي “لا ننتظر رؤيته ولن يأتي علانيةً، بل يُعلَن في سرّ الذّهن بدون سبب وبدون التأمّل فيه، لأنّ الذّهن لا يجد فيه أي مادة.”[26]
المعنى الروحيّ للكتاب المقدَّس
عنصرٌ آخر مشتَرَك بين مكسيموس والمسيحية الإيزوتيريكية (الباطنية)، والتي تُدلِّل على أرضيّة مشتركة بين الطَّرَفَيْن. هذا العنصر هو الفهم الرّوحي للنصوص.[27] وعلى الرّغم من أنّ مكسيموس يقدِّم تعليماً واضحاً عن الحرب الروحية ووجود الشيطان والقِوى الشيطانيّة المظلِمة،[28] إلا أنّ التفسير الروحيّ في أما كن أخرى قد يُلقي ظلالاً من الشكّ على هذه الحرفيّة في فهم الشيطان مثلاً؛ فهو يفسِّر على عبارة يسوع الواردة في يوحنا 16: 27-28 بأنّه سيغادر العالم عائداً إلى الآب بأنّها قد تشير إلى ترك يسوع الجهاد في ممارسة الفضائل من أجل الوصول إلى حالة فِكريّة تتجاوز العالم ومتحرِّرة من كل الميول المادّيّة (الآب).[29] وهو يرى بأنّ هذا يحصل مع المسيحيّ عبر التأمل وصولاً إلى الفلسفة العِرفانية (الغنوصية) التي تسمع للّوغوس فيه بالانتقال بشكل مستيكيّ من العالم إلى الآب.[30] ولا يفوتُ مكسيموس أن يؤكِّد على ضرورة وحتميّة الفهم الرّوحي للنصوص المقدَّسة،[31] لأنّ هذا المعنى الرّوحي هو الكفيل بالتخلُّص من التشويش الناتج عن تعدُّد الآراء، فهو حامل المعرفة الحقيقة:
عندما تُنفَض عن ذهننا آراؤه الكثيرة عن الأشياء المخلوقة، عندئذٍ يظهر له المبدأ الداخليّ للحقيقة بكل وضوح، مقدِّماً له أساساً للمعرفة الحقيقة، ومُزيلاً تصوّراته المُسبقة السابقة وكأنّه يُزيل القشور من العينين، كما حصل مع القديس بولس (قارن مع أعمال 9: 18). ففهم الكتاب المقدَّس الذي لا يتجاوز المعنى الحرفيّ ورؤية العالم المحسوس الذي يعتمد كلّيّاً على الإدراك الحسّيّ، هو فعلاً قشور تُعمي الوظيفة الرؤيوية للنفس، وتمنع الوصول إلى اللوغوس النقيّ للحقيقة.[32]
وهنا يمكن ملاحظة أنّ رؤيا بولس على طريق دمشق ليست إلّا انتقالاً إدراكيّاً تعرّض له بولس في عالم الرّوح، من حيث انتقاله من الإدراك الحسّي إلى ذاك الإدراك الغنوصيّ الإلهي، أو على الأقلّ فإنّ هذا هو العنصر الرّئيسي في الرّؤيا التي تتجاوز مجرَّد مقابلة مع المسيح واستلام بعض الوصايا منه.
من الناحية المقابلة، يستعمل الإيزوتيريكيّون لغة شبيهة بهذا الأسلوب؛ فيشرح مورافييف بأنّ ما يسمّيه التعليم التقليديّ العامّي بالشيطان ليس إلّا “القانون العام” الذي يُسيِّر العالم، والذي اصطلح البشر على شخصنة عملِهِ على المستوى الأخلاقيّ منذ أزمنة سحيقة باسم “الشيطان”.[33] صحيحٌ أنّ مكسيموس يبدو أكثر شخصنةً للقوّات والرِّياسات الرّوحية، ولكن تفسيره السابق لرؤيا بولس على طريق دمشق وكلمات المسيح حول انتقاله من العالم إلى الآب تُثير التساؤل حول حقيقة اعتقاده بشأن الكيانات الرّوحية هذه، وإن كان يعتبر أنّها حرفيّة حقّاً، أم هي كذلك فقط على سبيل التوضيح للرّهبان المبتدئين والعوامّ.
[1] Boris Mouravieff, Gnosis: Study and Commentaries on The Esoteric Tradition of Eastern Christianity- Book One: The Exoteric Cycle, 50.
[2] P. D. Ouspensky, In Search of the Miraculous: Fragments of an Unknown Teaching, 109.
[6] يبدو أنّ الترجمة العربية لا تميِّز بين هذه الفوارق في ترجمة agape، ولكن الترجمة الإنكليزية تستعمل ما سوف يترجمه المتصوّفون والباطنيّون إلى الحبّ أو العشق love عوضاً عن المحبّة charity، وهذا يتّضح أيضاً في أنّ الترجمة العربية المستخدمة هنا تترجم love إلى “عِشق” في 1: 11 بدلاً من محبّة.
Cf. Maximus the Confessor, The Four Hundred Chapters On Love.
[20] من غير الواضح ما المَعني بالدّهر الآتي من حيث كونه المرحلة النهائية للوجود البشري أم لا. فالإيزوتيركيّون يشدّدون أيضاً على قدوم الدّهر الآتي، ولكنه ليس نهائياً تماماً.
[25] يعتبر مورافييف بناءً على التقليد الإيزوتيريكيّ، وباستعمال مصطلحات وتعابير حديثة مناسبة للإنسان المعاصِر، أنّ الإنسان رقم 1 هو الخاضع لسيطرة المركز السُّفلي الحركيّ أو الشّهوانيّ بشكل عام. والإنسان رقم 2 هو الخاضع لسيطرة المركز السفليّ العاطفي. أمّا الإنسان رقم 3 فهو الخاضع للمركز السفلي العقلي أو الفكري، وهؤلاء الثلاثة هم في المرحلة الأرضية أي قبل حصول الولادة الثانية التي يسبقها تطوّر الإنسان إلى الرّقم 4، وهي وعي وجود هذه المراكز والقدرة على الخروج من سيطرتها عن طريق تنظيم عملها. الولادة الثانية تؤدّي بالإنسان إلى الوصول إلى الرّقم 5 الخاصّ باكتساب القوى والقدرات الجديدة.
[26] اسحق السرياني، نسكيات، ترجمة اسحق عطا الله، 237.
[27] بغضّ النَّظَر عن اعتبار أو عدم اعتبار وجود معنىً حرفيّ أوّليّ للنصّ يدلّ على وجود حقيقي.
[28] راجع مثلاً عدّة نصوص من المئويات الأربع، مثل 2: 19، 67، 69، 85، 92.
[…] جذور الإيزوتيريكيّة في تعليم مكسيموس المعترف […]