مع إدانتي الطبيعيّة لكلّ ما حصل من قتل للأشخاص فأنا غير متعاطف أبداً مع الأمّة الفرنسيّة. فحتى الشعب لم يرفض علناً تدخّل دولته الفاضح إلى جانب تنظيم القاعدة وأمثاله في سوريا، فهو في النهاية شعب مُتعَويّ جاهل كغيره. والمُتعويّ أنانيّ طمّاع حتى لو بدا عليه غير ذلك. الابتسامات لا تصنع شيئاً، بل المواقف التاريخية الحقيقية لوجوه الأمّة ومثقفيها هي ما يصنع كلّ شيء.
الأمّة الفرنسية التي تتشدّق أكثر من غيرها بالإخاء والمساواة والعدالة أثبتت عبر سنوات عديدة أنّ لا مشكلة البتّة لديها في دعم الإرهاب وتنظيم القاعدة وكلّ مرتزقة العالم بالسّلاح والمال والإعلام بشكل ينمّ عن التصميم والتخطيط المترصِّد لكل التفاصيل. أثبتت أيضاً هذه الأمّة أنّ “مجتمعها المدنيّ” لا يملك شيئاً من القوّة أو المعرفة لكي يواجه متطلّبات الوقوف في وجه حكوماته المتعاقبة والقيام بما يجب للدفاع عن “الحريّة” و”الإخاء” و”المساواة” خارج فرنسا، إلّا عندما يتعلّق الأمر بحرية نهب أفريقيا أو التآخي مع المجموعات الإرهابية التي تستفيد من وجودها في سوريا والعراق ومالي، ومساواة نفسها بالولايات المتحدة في رغباتها الإمبراطورية القاتلة.
عصرنا اليوم لا يحتاج للعطور ولا للموضة والأزياء. لا يحتاج لفلسفات مُتعويّة جديدة تتحفنا بها الأمّة الفرنسية، بعد أن سقطت كلّ دعاوي حرّيتها في حلب ودير الزور ودمشق وعين العرب والموصل وسهل نينوى وغيرها من مئات المدن والقرى.
عصرنا اليوم لا يهتمّ إن كان المجتمع الفرنسي متسامحاً مع حريّة سبّ رئيس الجمهورية أو الكشف عن غرامياته وما إلى ذلك، وهو لا يحتاج هذا عملياً أمام المطلب الأكبر والأهمّ والأكثر حقيقيةً في حرّيّة الفقراء في مزارع الكاكاو ومناجم الذهب واليورانيوم.
ما ستشهده فرنسا وغيرها من بلدان أوروبا هو ثمرة إهمال في أفضل الأحوال أو تآمر في أسوئها. إن كان ما يحصل اليوم مخططاً استخباراتياً فهذا لن يغيِّر من واقع الأمر شيئاً، ففي كلّ الأحوال تدفع الشعوب المسكينة ثمرة كسلها وإهمالها وأنانيتها وطمعها وجهلها وإضاعتها للوقت والجهد في سخافات كثيرة.
إن كانت تظاهرة باريس التي شارك بها أهمّ داعمي الإرهاب في العالم بداية لستارٍ حديديّ أوروبيّ قرّره قادة هذه القارة ورفاقهم في أمريكا الشمالية، وإن كانت مجرّد تعبير عن استفاقة شعبية حقيقية، فإنّنا في كلتا الحالتين أمام بداية لسياسات أكثر إرهاباً وظلماً سيستثمرها قادة أوروبا جيداً لإكمال ما سبق وانغمسوا به من امتصاص لدماء الشعوب.
إذا كان الحديث اليوم عن عاصمة العالم في مواجهة الإرهاب، فلدينا خيارات كثيرة قبل الوصول إلى باريس. حلب مثلاً، أو سجن حلب المركزي، أو حمص، أو دير الزور، أو دمشق، أو عين العرب. لدينا الكثير من العواصم العالمية في مواجهة الإرهاب!