وجوهٌ أخرى: فولتير والثورة الفرنسية واللادينيّون


بقلم فادي أبو ديب

voltaire

البعض يقتبس فولتير فرحاً بسخريته من الدّين…إنّه برأي البعض أحد أعمدة قصر التسامح الحديث والعلمانية المعاصرة، وهو القائل بأنّه حتى لو اختلف مع الآخر بالرأي فإنّه رغم ذلك مستعدٌّ للتضحية بحياته لكي يقول هذا الآخر رأيه!  إذاً هو أحد أوائل المفكّرين الذين دعوا إلى حرّية الرأي والعقيدة، أو هكذا يُفتَرَض، أليس كذلك؟ تفضلوا، ماذا يقول هذه المرّة بحقّ الإلحاد. انظروا الانفتاح على الرأي الآخر:
“الإلحاد هو الوحش الأكثر خبثاً في حياة الأمراء ذوي السيادة، وكذلك في حياة رجال الدولة، مهما كانت حياتهم غير مؤذية…فحتى لو لم يكن [إلحادهم] ضارّاً بمقدار التزمّت الديني، فهو مدمِّر أكثر من أي شيء تقريباً للفضيلة. إنّي أُهنّئ العصر الحاضر بوجود عددٍ أقلّ من الملحدين أكثر من أيّ وقتٍ مضى.”

فولتير، القاموس الفلسفي، ص 27-28، لندن 1802

فولتير إذاً لم يكن يرغب حقيقة برؤية الكثير من الملحدين في بلده، ولم يكن يريد أن يعيش في ظل نظام يعتنق أمراؤه ورجالاته هذا “الوحش الأكثر خبثاً وإهلاكاً”، ألا وهو الإلحاد.  وهنا على الهامش نلفت النظر إلى أنّ فولتير كان من أتباع الديانة الربوبية Deism المتعنّتين.

***

الثورة الفرنسيّة لم تكن ثورة مدنيّة إلّا في بعض الشّعارات، بل كانت ثورة دينية بمعنى ما، أرادت لجمهوريتها أن تكون ذات “دين دولة” رسمي. لو تُرِكَت الثورة لمن قام بها لرأينا اليوم منظراً مختلفاً. الجمهورية الفرنسية اليوم نتاج تعديلات كبيرة جداً. في بداية الثورة الفرنسية أنشأ بعض قادتها فِرقة دينية جديدة اتخذت من إحدى الكنائس القديمة الكبيرة معبداً لها وأسموها “ديانة العقل”، وأصبحت هذه الديانة الدين الرسمي للددولة. وكان لهذه الديانة طقوس معيّنة تتميّز بالفحش (كما أرّخ البعض) وموجّهة في أساسها للانتقام من الكنيسة الكاثوليكية. هذا الأمر أغضب ماكسيميليان روبسبيير الذي أمر بإنهاء الحركة وأعدم قادتها، وأقام هو الآخر فِرقة دينية جديدة أسماها “ديانة الكائن الأسمى” التي لم تستمرّ هي الأخرى فترة طويلة، وكانت دين الدولة الرسمي حتى إعدامه هو الآخر.  يمكن قراءة شيء عن ديانات الثورة الفرنسية، وعقائديتها الصارمة على الرابطين التاليين:

http://en.wikipedia.org/wiki/Cult_of_Reason
http://en.wikipedia.org/wiki/Cult_of_the_Supreme_Being

هذا يبيِّن من دون الحاجة إلى كثير من التحليل أنّ الثورة الفرنسية بحدّ ذاتها لم تكن ثورة التسامح على الدين، بل كانت ثورة دينٍ، له ما له من العقائديّة الصارمة، على دينٍ آخر هو الكاثوليكية بالتحديد.  الثورة الفرنسية لم تكن تمارس أيّ شكلٍ من أشكال التسامح مع من يخالفها أو مع من يعارضها.  كان لها كلّ سمات أيّ ثورة دينية أصولية عبر التاريخ، ولها  من السيستامات العقائدية التي تجلّت في الديانتين المذكورتين أعلاه ما يبرهن على هذا الموضوع.  

الحلم الطوباوي المسمّى اصطلاحاً بالعلمانية يأخذ شكلين:  شكلٌ نظريّ أكاديميّ طوباويّ وسامٍ يعتقد به بعض الأفراد، ويقوم على تصوُّرٍ رومانسيّ جليل للوحدة بين كلّ أفراد البشر مهما كانوا، وشكلٌ شعبيّ سياسيّ واقتصادي لا يعني أكثر من حرّيّة فرض الديانة المادّيّة والليبرالية الاقتصادية على كلّ شيء آخر من الأديان والفلسفات الأخرى، بما يرافق هذا من قناعات محدَّدة في الاقتصاد والأخلاق، لا يُعتَبر الخارج عنها أقلّ من كافر، حتى لو كان هذا بشكلٍ عامّيّ غير رسميّ.

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.