احتضان الجسد


بقلم فادي أبو ديب

CAM00978

إلامَ أدّى إنكار الجسد عبر التاريخ؟ يصعب حصر الإجابات. ولكن من المؤكّد أنّه أدّى إلى أمور لا تُحمَد عقباها وسيئة للغاية، ولكن الأنكى من سوئها هو أنها مختفية أو بالأحرى مَخفيّة.

في التراث المسيحي على عظمة تجربته هناك أمور ونتائج لا يمكن إغفالها، أوّلها الاحتقار الصريح أو اللاواعي للأنوثة. الأب إسحق السّرياني يوصي الرهبان الشباب بألّا لا يتحدّثوا إلى النساء أبداً حتى لو كانوا أمهاتهم وأخواتهم. بالنسبة له تناول السمّ الزّعاف أفضل من تناول الطعام مع امرأة!(نسكيات مار إسحق، 43)

عدم التكلّم مع الأم والأخت يعني أمراً من اثنين:
– إمّا أنّ الرّاهب في هذه الحالة من الحرمان أصبح من الممكن أن يرغب بهما (وهذا مستبعد بالنسبة لي).
– أو أنّ الأم والأخت يذكّران الرجل بحنان الأنثى، مما يجعل الرّاهب يستذكر عنصراً مكوّناً للوجود الإنساني، وهو لا يريد ذلك.

في الحالتين هو ينكر الخليقة الإلهية أو يتعدّى عليها، من دون سبب مبرِّر، لا دينيّ كتابيّ قويّ (لا ريب في أنّ النصّ الديني يشجّع في بعض مواضعه على النظر إلى الجسد بعين الريبة، ولكنه بالتأكيد لا يبلغ إطلاقاً الحدّ الذي فُرِض عليه) ولا علميّ معقول.
هذا ينذر أيضاً بأنّ الإنسان يعيش حالة من الخوف. إن لم يكن هذا هو الخوف بعينه، فلا أعرف ما هو الخوف إذاً! قصة القديس شربل الشهيرة التي تتحدّث عن رفضه ملاقاة أمه من على نافذة أو باب صومعته بسبب خوفه من أن يفقد الإنجازات الروحية التي حقّقها أعظم دليل على حالة الأنانية والخوف التي قد يصل إليها الإنسان. فالمسيح نفسه قرّب إليه تلميذات من النساء لدرجة يُشكّ بسببها بأنّ المجدلية كانت من أكثر تلاميذه المقرّبين، إن لم تكن أقربهم فعلاً (وفي إنجيل يوحنا ما قد يلمّح إلى هذه الإمكانية!)

يوحنا الرسول الحبيب يقول بأنّ المحبة تطرد الخوف إلى الخارج، لأنّ لا خوف في المحبّة. كيف يمكن لإنسان أن يعيش المحبّة وهو يعيش الخوف من الأنوثة وهي من مكوّنات الخليقة الإلهية الأساسية والأوّلية؟ هل تتطلّب الحياة الروحية أن يصل الإنسان الرجل إلى حالة تجعله عرضة لظهور “شياطين” على هيئة أنثوية كما كان يحصل مع بعض الرّهبان على حدّ قولهم أو على حدّ ما قيل عنهم؟

الحالة الأقلّ تطرّفاً، من هذه الحالات النفسية الأقرب للانحراف، هي حالة الإنكار شبه التام للجنسانية أو تلغيزها وإحاطتها بكثير من الكتمان لألوف السنين، مما دفع الناس للبحث عن الموضوع بطرقهم الخاصّة، التي غالباً ما تكون طرقاً منحرفة.

الحلّ الأنجع هو اعتراف الإنسان بنفسه بطريقة روحية وعلمية معقولة، والاعتراف بحقيقة تساؤلاته وفضوله، واحترام جمال روحه وجسده بكل تفاصيلهما. من الجميل رؤية جمال الواقع بدلاً من التمسّك بجمال الهالة الوهمية التي يُحاط بها الجسد. قداسة الجسد هي قداسة المعرفة والاعتراف. هنا الهالة الحقيقية. هنا الرّهبة الحقيقية، أمام ضعف مادّي يحمل في طيّاته أبعاداً روحية لا حصر لها.

صبابة

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.