نهايات الطوباوية التنويريّة


بقلم فادي أبو ديب

 

CAM00441

مسلّمات العصر التنويري سقطت “كمسلّمات” (صلاح الإنسان بالفطرة، حتمية الازدهار بشكل تصاعدي لا رجعة عنه، أسطورة المعرفة العقلانية الموضوعية) بعد الحرب العالمية الأولى، وأصبح من المعيب تكرارها “كمسلّمات” بعد الحرب العالمية الثانية وكوارثها التي أثبتت بالدليل القاطع خطأ هذه المسلّمات أو اعوجاجها في أحسن الأحوال. ونحن في البلاد الناطقة العربية ما زال مثقفونا يتحدّثون عن العقل المحض وعن الدول العلمانية الإنسانية (وياملون بأنّه من الممكن تحقيقها في مجتمعات ما قبل حداثية شبه أمّيّة). نحن اليوم في عصر ما بعد الحداثة، في عصر التفكّك والتفكيك، ابتداءً من اللغة وليس انتهاءً بالدّول.
طبعاً يحقّ لنا أن نحلم على كلّ حال.
التحدّث عن العلمانية والإنسانية والفصل التام بين الدين والهويّات والدولة هو ألعوبة مضحكة في كوكب ما زال معظم سكّانه لا يعرفون أصلاً هذه المبادئ. هذه مبادئ أوروبية ضيّقة الانتشار (مثلها مثل الحبّ الرومانسي وهو شبه اكتشاف أوروبي- ألماني خاصة، في القرن الثامن عشر، مع بعض امتدادات لاحقة، وحالات إفرادية سابقة هنا وهناك)، وهي تنحسر بانحسار هذا العصر الذي نعيش فيه. هي مبادئ رائعة ربما، وطوباوية، ولكنها نخبوية. البشر في أغلبيتهم لم يرتقوا لاعتناقها. نحن نتكلّم عن مليارات في آسيا وأفريقيا على الأقل لم يسمعوا بهذه المبادئ، أو سمعوا بها في بضعة كتب. هذه المبادئ تحتاج شروطاً اقتصاديّة وعلمية ومجتمعية فائقة التقدّم ومُعدّ لها بعناية شديدة.
هذه المبادئ تشبه شروط المختبر لا أكثر.

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.