الحرب الدينية- الحضارية: نهايات الإسلام الثيوقراطي


بقلم فادي أبو ديب

mysticism

لديّ حدس قويّ جداً بأنّ ما يحصل في سوريا ليس حرباً عادية أبداً، مثل تلك التي تحدث بعض التأثير في البلد الذي تجري به (حرب لبنان الأهلية- حرب السودان الأهلية، على كل ما فيهما من بشاعة وظلم وتهجير وآلام لا تُحصى). ما يحدث في سوريا بداية تغيير عظيمة ورهيبة على مستوى خارطة نصف الكرة الأرضية على الأقلّ.

ربما تم التخطيط لها منذ زمن…ربما لأسباب مختلفة عمّا نعتقد.

المهمّ أنّها حرب طاحنة ستستمر لعشرات السنوات، في هذه البقعة أو تلك من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وربما بعض أوروبا. العالم بعد هذه الحرب لن يعود أبداً كما كان قبلها بطريقة غير مسبوقة.  حتى إذا حاولنا الآن أن ننظر إلى الأحداث في سوريا بعين الغريب أو الجديد على الأحداث سنجد أنّها لا تقلّ عن شكل النبوءات والرؤى الحلميّة. لو قيل لبعضنا ما سيحدث منذ عدة سنوات لما صدّق أحد.  تخيّلوا لو قالها أحدهم كما قال الراهب الشيخ باييسيوس عن تركيا، أو كما نطق بها نوستراداموس (على شدّة غموضه) عن روما. تخيّلوا لو أنّ أحدهم قال عن سوريا:  حرب دمويّة تقتل مئات الآلاف أو الملايين- تهجيرٌ للملايين.-الرايات السوداء تعمّ البلاد- موجات بشرية تغزو أوروبا بشكل غير مسبوق وغريب (عبر البحار وسيراً على الأقدام).

ألم نكن سنتّهمه بالجنون والهذيان؟

الحرب تمتلك طابع صراع الحضارات.  والحضارات بالطبع تتمحور في سماتها الرئيسية حول الأديان، لأن الأديان نفسها منتوج ثقافي (في ظواهرها الملموسة والشكلية على الأقلّ).  هذه الحرب اليوم هي بين العالم ما بعد الثيوقراطي (وليس بعد الديني- لأنّ صفة “الديني” قد تتنوّع أشكالها) والعالم الثيوقراطي المتمثّل بشكل حصريّ تقريباً في بلدان العالم الإسلاميّ.  مسيرة العالم الآن، سواء كانت ذاهبة للأفضل أم للأسوأ- لا تتحمّل على الإطلاق وجود النمط الإسلامي.  الإسلام التقليدي السنّيّ- الشيعيّ بمحتواهما الفقهي يجب أن يغادر التاريخ من دون عودة، فهو آخر بقايا الثيوقراطية الابراهيمية التي تنازلت عن عروشها في الوسطين المسيحي واليهوديّ.

الحرب اليوم على الجهاد الإسلاميّ وهو قلب الإسلام الثيوقراطي، ولهذا فإنّ هذه الحرب لن تتوقّف قبل تصفيته تماماً حتى لو استمرّت الحرب مئة عام وأكثر.  التحدّيات التي يشكّلها هذا النمط أصبحت موجّهة ضدّ الكرة الأرضية بمجملها، والدّول الكبرى لا يمكن أن تسكت على هذا.  سيتوجّه هذا الوحش الإسلاميّ نحو الجزيرة العربية قريباً، بإرادته وإرادة غيره، لكي يكون حجّة لإنهاء الثيوقراطية السعودية.  سيقتتل الجهاديون ببعضهم في مذبحة لم يُرَ مثلها، وعلماء السلاطين وعلماء الجهاد من كلي الطرفين سوف يتساقطون واحداً تلو الآخر اغتيالاً وتقتيلاً.  ستدفع جزيرة العرب ثمن عقود من إثارة وتغذية الإرهاب في كوكبنا.

الأمر ليس مجرّد صراع محلّيّ، بل هو مرحلة كونيّة ضرورية لانتقال العالم نحو طورٍ جديد أو عهدّ جديد في العلم والرّوحانية والحرّيّة والوعي البشريّ.  هذا الانتقال غير ممكن بوجود مثبّطات كوكبية كالمثبّط الإسلامي بكل ما يثيره من دواعٍ أمنيّة وقلاقل دائمة منذ مئات السنين، وبكل ما يفرضه من إجراءات لمكافحة الإرهاب تمنع التلقائية الإنسانية من التطوّر والازدهار.  السلوك الإسلامي كان في عهدٍ ما مشابه لكل سلوكيات الأمم، ولكن الأمم الآن تحاول الانتقال نحو طور جديد من العلم والمعارف مزوّدة بالتكنولوجيا والدراسات النفسية، ولا يمكن للإسلام الجهاديّ بدعوته الشمولية الثيوقراطية أن يستمرّ في الوجود.  الأمر أكبر من حق بعض البشر في العيش في العصر الوسيط.  الأمر يتعلّق بانتقالٍ كونيّ لا يمكن له أن يسمح لشيءٍ ما بإعاقته.

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.