بقلم فادي أبو ديب

أمريكا دمّرت كلّ ثقة لدينا بأنّ سياسياً ما أو دولة ما قد يكون لديها شيء من الأخلاق والتوجّه الحقيقي (رغم وجود المصلحة وهي أمر طبيعي). لأنّنا تربّينا في العصر الأمريكي صرنا نظنّ بأنّ طرائق التربية السياسية التي يتبعونها هي الوحيدة في العالم، وأنّه إذا كانت أمريكا تسلك بطريقة معيّنة فهذا يعني بالضرورة أنّ الهند والصين وروسيا والأرجنتين والبرازيل وبولنداواليابان يسلكون بنفس الطريقة.
لا، أمريكا أبٌ سكّير في أحسن الأحوال او مجرم ذهانيّ في أسوئها.
وأمّ مهملة في أفضل الأحوال أو عاهرة تمارس وظيفتها في حضور عائلتها في أسوئها.
هي مثل أولئك الآباء والأمّهات الذين يدمّرون صورة كل أب وأم في قلوب أطفالهم.
البراغماتية الأمريكية لا نظير لها، والنذالة التي تُعلَّم منهجياً في معاهد الدراسات والجامعات الأمريكية لا نظير لها إطلاقاً أيضاً، لأنّها أصلاً نتيجة قاعدة دينية/علمانية لا نظير لها في العالم. الأمريكي يتربّى على أنّه ابن الأمّة المختارة والعالم الجديد الذي سيغيّر العالم القديم، وهذه الفكرة سائدة وعامة منذ تباشير نشوء أمريكا في القرن السابع عشر. بشكلٍ أو بآخر هو يظنّ، واعياً أو غير واعٍ، أنّ كل ما في الأرض مسخّر لنشوء أمّته واستمرارها. هذا الظنّ الآثم قلّما يتواجد عند باقي الأمم الكبرى، ومعظمها أمم قديمة مستمرّة منذ آلاف السنين، لا تخشى اندثاراً ولا تعتقد بأنّ بقاءها مرهون بدمار كلّ أمّة آخرى مختلفة عنها.
أمريكا دمّرت كلّ ثقة لدينا بأنّ المصلحة يمكن أن تسير إلى جانب شيء من المنطق، وعلّمتنا أنّ المنطق لا مكان له بوجود المصلحة. انظروا إليهم حين يخطبون ويتكلّمون: كلّهم أتقنوها وفق منهاج واحد. إنّه منطق الدَّجَل وليس منطق السياسة والدبلوماسية. إنّه منطق الشعوذة والانحطاط الأخلاقي الذي لن ترى له نظيراً حتى في عزّ البروباغاندا الهتلرية. إنّه منطق “مصلحتنا وفقط” و”أنا ومن بعدي الطوفان”. وهذا منطق ليس عند الرّوس ولا عند الصينيين ولا الهنود ولا الأمريكيين الجنوبيين. هذه الدول تفكّر بالمصالح المتبادلة، وأمّا أمريكا فتفكّر بأخذ كلّ ما ترغب وإضعاف الآخر حتى الموت. ورغم أنّ بعض القوميات كالرّوسية والصينية تعتقد بمركزيتها الكونية أو بدورها المستقبليّ الحتميّ (من خلال بعض كتابات فلاسفتها وقوميّيها) إلّا أنّ هذه الأدوار غير مرهونة بتاتاً بتدمير كلّ أحد آخر أو بتبعيته وعبوديّته لها.
نعم،يوجد نموذج مختلف عن النموذج الأمريكي، حتى لو أنّه ما زال منطق المصلحة والسياسة. النموذج الأمريكي ليس حتميّاً البتّة، ولا يجب أن نظنّ أنّ كلّ الأمم تنطلق من ذات منطلقات الطفل المدلّل- أمريكا.