بقلم فادي أبو ديب
(عمّان 25 تشرين الأول 2015)
اليوم هنا أوّل المطر. ولكن المطر هنا لا يأتي بالعجائب ولا يجعل المنازل تطير فوق الوديان كما هو الحال في صافيتا.
هنا لا مكان للبرق والرّعد، لا أجراس للكنائس، ولا تنزل المياه من عينيْ المسيح “الضابط الكلّ”، ولا تمثّل السّماء نهار يوم الدّينونة فتعبس ثمّ تترك زاوية منها لتنفرج عن نورٍ يشبه النّور الأبديّ.
المطر هنا لا يخلط رائحة بقايا أفكار قدّيس ببقايا حجارة قصر بيزنطيّ مهشّمة وتراب الزيتون وورق الغار؛ لم تخبره مستودعات السُّحُب الغابرة بصرخات فارسٍ مجنون من فرسان الهيكل في جبل القلعة حين كان الماء يلامس وجهه وهو ينغمر ببحار السّماوات والأرض.
المطر هنا لا ينزل على شجرة كينا يصدف أن يجتمع تحت أجنحتها شابّ وصبيّة مُترَعَيْن بالماء ليحبّا بعضهما بجنون لخمس دقائق ثم يفترقا للأبد.
لا يعرف أنّ كلّ أجمة تلتفّ على حلمٍ وحكايةٍ وهذيانٍ لا يهاجم إلّا المستيقظين الأصحّاء. المطر هنا قلّما يسبح في الرّياح الغربية التي يغنّي فيها السّيرافيم “سبّحوه بين جذوع الشَّجَر؛ سبّحوه برائحة الطّين واللّيمون؛ سبّحوه بطعم الأوراق المبتلّة في الذِّهن المتقدِّس؛ سبّحوه بزيت الميرون وصورة النور غير المخلوق؛ سبّحوه بصّوت الترتيل المنقوش على حِجارة قديمة بناها الأجداد؛ سبّحوه برائحة البخور المخلوط بالبَرْدِ ورائحة الشَّمع المحترِق…”