عندما يتعلّق الأمر بتركيا الكلّ يمكن أن يكونوا أنبياء!
بقلم فادي أبو ديب
تحدّثتُ في عدّة مناسبات على هذه المدوّنة- الدّهر الآتي- عن تركيا العثمانية الجديدة بقيادة الإرهابي الدولي رجب طيب إردوغان- أحد أقدم تلاميذ ومُريدي الجهاد الأفغاني وأحد روّاده قلب الدين حكمتيار.
عندما يتعلّق بأردوغان فإنّ التنبّؤ بمستقبل تركيا لا يحتاج إلى كثير من التحليل السياسي بقدر ما يحتاج إلى بعض الحكمة والخيال في النّظر إلى عيني الرّجل ومشيته والاستماع إلى نبرة صوته وكلماته في خطاباته، وأخيراً ربما هناك فائدة في النّظر إلى مراسم الاستقبال التي قام بها الرّجل عند قدوم الرئيس الفلسطيني محمود عباس في قصره الرئاسي، حيث استعرض نفسه ماشياً بين ممثّلين يلبسون ثياب “محاربي” ست عشرة (أو شيء من هذا القبيل) أمّة تركية في التاريخ. إذن قليل من النّظر وشيء من الإنصات كفيلان بأنّ نصل إلى نتيجة واحدة، وهي أنّ الرّجل مهووس وغير سياسيّ!
عندما يتعلّق الأمر بتركيا الأخوانية للجميع فرصة التحوّل إلى أنبياء، فالتوقّع والتنبّؤ لمستقبل هذا البلد ليس من الصّعوبة بمكان. في مقالتي “فتوحات وريث السلاجقة والعثمانيين” المدوّنة عام 2011: ورد أنّ “المصلحة الإمبراطورية لتركيا الإردوغانية (وربما الأوغلوية الآن وفيما بعد) هي في اقتسام الكعكة العربية مع إيران، فالتفاهم مع قطبٍ كبيرٍ منافس أسهل وأنفع بكثير من انتظار الفتات الأمريكي والأوروبي مهما بلغ، وخصوصاً أننا نرى منذ أعوام غزلاً تركياً- إيرانياً واضحاً. وربما نرى في محاولة تركيا كسب نفوذٍ معيَّنٍ في سوريا مثالاً على التفاهم والتقاسم الإيراني- التركي.”
الملفت أنّه في الحكومات الدينية، مهما بلغت براغماتيتها في التفاصيل، يبقى توجّهها العام واضحاً. لذلك فلم يكن من الصّعب جداً لمقالات هذه المدوّنة أن تتوقع منذ سنوات تعاظم الدّور التركي وتزايد دعمه لكل شذّاذ الآفاق من الإسلاميين والجهاديين، وأخيراً الدواعش، من خلال مدّهم بالسلاح والمال والاتّجار معهم بالنفط والمعامل المسروقة والقمح وغيره، على مرأى ومسمع العالم كلّه وبالخفاء أيضاً، لا بل ومحاولة السيطرة الفعلية على سوريا أو جزء منها بالقوّة.
في مقالة “الثورات العربية: إعداد المسرح لحروب الأيام الأخيرة” ورد أنّنا “نشهد بوضوح توجُّه الشرق الأوسط لأن يحوي قوتين إسلاميتين كبيرتين لا ثالث لهما هما تركيا وإيران، مع اعتقادي الشخصي بزوال القوة السورية أو انضوائها الإجباري تحت لواء إحدى هاتين القوتين. قد يرى البعض أن هاتين الدولتين متخالفتا المصالح والتوجُّهات، ولكنني أراهما قريبتين ومتعاونتين في اقتسام الكعكة الشرق أوسطية، وخصوصاً في حال وجود عدوّ مشترك!”
مقالات أخرى تجدون بعضها في آخر هذه التدوينة تتوقّع دخول تركيا في حروب كبيرة قد لا تتوقّف قبل زوال الدولة التي نعرفها اليوم. وهذا قد لا يكون مستغرباً، وخصوصاً بعد أن شهدنا بأمّ العين انقسامات دولة مجاولة كسوريا وتفتّتها الاجتماعي الكبير (بغضّ النظر إن كان الجيش السوري والروسي وحلفاؤهما قادرين على استعادة الجغرافيا السورية كلّها لاحقاً). الفكرة أنّ هذا الأمر ممكن جداً، وخاصة في دولة فيها الكثير من القوميات التي تنتظر شرارة لكي تنقضّ على بعضها البعض.
هذا التوقّع ينسجم تماماً- ربما- مع ما حدث أمس حين أسقطت القوات الجوية التركية- العثمانية- القاذفة الرّوسية سوخوي- 24 لتسمح للقوات التركمانية- التي تدعمها تركيا علناً وصراحة بكل وقاحة في الداخل السوري- بقتل أحد الطيّارين، والتكبير والتهريج حوله كمجانين يكرّرون الحمد والتسبيح لنفس الإله الذي يسبّح إردوغان وحزبه وسلطنته الجديدة بحمده. ومن ناحية أخرى، ليس من المتوقّع أن تصمت روسيا على هذا الاعتداء، فهو ليس الأول الذي تتعرّض له في المنطقة على يد الإسلاميين وداعميهم. ومن المنطقيّ أنّ دولة عظمى كروسيا، تحاول استعادة دورها في المنطقة، لن تمرّر حدثاً مُهيناً كهذا بسهولة. أمّا الردّ فسيكون حتماً شديد الإيلام لتركيا، مهما كان أسلوبه، وهو لن يتوقّف قريباً بل سيكون طويل الأمد. نحن اليوم أقرب من أيّ وقتٍ مضى لنرى انزلاق تركيا نحو عقوبتها الكبيرة، والأيّام ستثبت ذلك كما أظنّ.