الرأسمالية الدينية الأمريكية: فرانكلين غراهام مثالاً


بقلم فادي أبو ديب

franklin-graham

انشغلت في الأيام القليلة الماضية بنشر بعض التعليقات والعبارات القصيرة على الفيسبوك بخصوص قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالمنع المؤقت لحاملي جنسية سبع دول عربية وإسلامية من الحصول على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة، بالإضافة إلى قرار مشابه بشأن تعليق قبول اللاجئين السوريين.  انتقادي  لترامب كان موجّهاً بالفعل إلى بعض المسيحيين وزعمائهم ممن يدعمونه بشكل اعمى ومن دون تفكير؛ فهؤلاء أظهروا زخماً لا بأس به في ممارسات العبودية والتصرّف الأعمى.  بعضهم يكاد ينصّبه نبيّاً جديداً للمسيحيين، من دون أن ينتبهوا ولو للحظة أنّ الرجل لم يحظر سفر أكبر منظّري الإرهاب العالمي إلى الولايات المتحدة حيث يمكن لأيّ منظّر جهادي من باكستان أو السعودية أو مصر أو بريطانيا أو إندونيسيا أو غيرها أن يتجوّل في ولايات حكومة الظل العالمية من دون أن يعكّر صفوه أحد!
وللتوضيح أكثر، فإنّ الكثيرين لم ينتبهوا إلى أنّ فرانكلين غراهام، وهو ابن المبشر الأشهر بيلي غراهام، وصاحب مؤسسة “السامري الصالح” التبشيرية-الخيرية، والذي شارك في حفل تنصيب ترمب يدعم الأخير حتى النهاية، لا بل كان وما زال مع حظر دخول المسلمين تماماً من جميع الدول. (انظر هنا)  الرجل يريد أن يمنع مليار ونصف إنسان من حق دخول الولايات المتحدة في تعدّ واضح على أبسط روحانيات الحياة المسيحية، والتي إذا أردنا تفسيرها بشكل متشدّد يمكنها بالكاد منع المجرم من دخول البلاد من دون الحكم على مئات ملايين الأبرياء.  أليس “السامريّ الصالح” رمزاً أراد به المسيح التآخي مع الغريب والمخالف والعدوّ؟

“وَإِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ فَضْل لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يُحِبُّونَ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُمْ.  وَإِذَا أَحْسَنْتُمْ إِلَى الَّذِينَ يُحْسِنُونَ إِلَيْكُمْ، فَأَيُّ فَضْل لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هكَذَا.  وَإِنْ أَقْرَضْتُمُ الَّذِينَ تَرْجُونَ أَنْ تَسْتَرِدُّوا مِنْهُمْ، فَأَيُّ فَضْل لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يُقْرِضُونَ الْخُطَاةَ لِكَيْ يَسْتَرِدُّوا مِنْهُمُ الْمِثْلَ.  بَلْ أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، وَأَحْسِنُوا وَأَقْرِضُوا وَأَنْتُمْ لاَ تَرْجُونَ شَيْئًا، فَيَكُونَ أَجْرُكُمْ عَظِيمًا وَتَكُونُوا بَنِي الْعَلِيِّ، فَإِنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى غَيْرِ الشَّاكِرِينَ وَالأَشْرَارِ.  فَكُونُوا رُحَمَاءَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمْ أَيْضًا رَحِيمٌ.”  (لوقا 6: 32-36)
ولكن لنفكّر قليلاً:  لماذا يقول غراهام ما يقوله ومؤسسته ترسل مئات ملايين وربما مليارات الدولارات من المساعدات إلى اللاجئين في العراق وسوريا ولبنان والأردن وتركيا ودول أخرى كثيرة؟

الواقع أنّ المؤسسة في هذا الأمر رابحة وليست خاسرة. النظام الضريبي المعقد في أمريكا يجعل التبرّع أسهل بمئة مرة وأقل خسارة من دفع الضريبة بالنسبة إلى رجال الأعمال. بالإضافة إلى ذلك فإنّ هذا يتيح حركة أموال ضخمة بين البلدان واستثمارات تتفرع عنها لا نهاية لها. لماذا يركّزون مثلاً على المساعدات في كردستان العراق والريف الأمازيغي الجزائري أكثر من مناطق أخرى؟ لأن حكومة كردستان العراق ستمنحهم جرّاء قيامهم بتوزيع المساعدات إمكانية القيام باستثمارات هائلة (وأنا شخصياً أعرف قصة واحدة على الأقل من هذا القبيل)، ولأنهم يراهنون على الأمازيغ في المستقبل. فليجرّب راعي أبرشية صغيرة في سوريا أو لبنان أن يطلب مساعدة تشكل نسبة ضئيلة مما يرسَل إلى هاتين المنطقتين؟ غالباً لن يحصل عليها! المساعدات تذهب غالباً إلى المناطق المفتوحة “سياسياً” في حين أنّ المئات من الرعاة المسيحيين في المناطق المحيطة بالكاد يسدّون رمق أطفالهم.
هم فعلياً لا يساعدون بقدر ما هم يسيطرون على مناطق أكثر في العالم.
لماذا لا يناضل فرانكلين غراهام وغيره ولو بكلمة وفِعل صغير من أجل الحدّ من السياسات التي تؤدي إلى وجود لاجئين وراديكاليين؟؟  لماذا لا يحاول ثني الزعماء السياسيين عن حماقاتهم المتتالية؟  ببساطة لأنّه هو وعشرات آلاف القادة من أمثاله أكثر تشدّداً بمراحل من الزعماء السياسيين، ولأنه إن فعل فهو سيقضي على مؤسسته وعلى الأعمال التي تدرّ المليارات التي تموّلها؛ فهذه المؤسسات وغيرها تستفيد من السياسات الرأسمالية المتوحشة والشركات الاحتكارية العابرة للقارات. هم لا يساعدون إلا بطرف إذن الجمل مما ينهبون بشكل مباشر وغير مباشر عبر العالم.

مرة أخرى، الرئيس الأمريكي ترمب أو غيره هو رجل سياسة ومن المتوقّع منه أن يفعل كثيراً من الأمور التي قد تعجبنا أو لا تعجبنا. موقعه لا يطلب منه أن يكون قدّيساً! ولكن السؤال: أولئك “الأفاضل” لماذا يدعمون الحروب الأمريكية منذ عقود ومن دون أي تردّد أو تحفّظ؟؟ لماذا لم يقولوا كلمة ضد الغزوات الأمريكية وضد الظلم والنهب الذي يمارسونه؟ ولا حتى دعوة لفظية للسلام كما يفعل الفاتيكان على الأقل!
هم جزء لا يتجزأ من الحروب. ودورهم أن يحملوا الإنجيل خدمة للديانة الأمريكية الرأسمالية. إذن الديانة هي الرأسمالية ثم تتوزع الأدوار: أنت مصرفيّ وأنت رئيس وأنت تحمل الإنجيل وأنت تقود الدبابة وهكذا.

 

الإعلان

2 comments

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.