رؤيا 13: الوحش الذي ستأتي به الجماهير المسيحية


بقلم فادي أبو ديب

 bs_revob14a

لا شكّ في أنّ سفر الرؤيا كان وما يزال مثار جدل وتفسيرات لا حصر لها منذ كتابته في نهاية القرن الأول الميلادي- حوالي عام 95م (رغم أنّ البعض من العلماء غير المحافظين يريد أن يثبت أنه كُتِب حوالي عام 68 م- وهو رأي غير تقليدي).  ومن آباء الكنيسة حتى إسحق نيوتن وعلماء النفس التحليلي وروّاد الخيمياء والسّحر الهرمسي جرّب الجميع إعطاء تفاسير صحيحة لهذا السفر الكثير الرموز والمتعدد الصور المَهولة.  لن أدخل الآن في عرض تاريخيّ عن الأمر، وليس بين يديّ مراجع كافية الآن في هذه اللحظة (يمكن لمن يريد التأكد من أي شيء أقوله أن يعود إلى كثير من الكتب الموجودة على الإنترنت)، كل ما سأفعله أنني سألخّص خبرتي الدراسية مع السِّفر والكثير من الآراء التي قرأتها وسمعتها.  الأمر هنا ليس بحثاً علمياً يُراد منه الإقناع بل مجرّد لفت انتباه إلى بعض النقاط.  وعلى عجالة سأعدّد التفاسير الأربعة الأكثر شهرة في العالم المسيحي:

1- التفسير المثالي:  أي السِّفر يتحدّث عن معركة رمزية بين الخير والشر ومسرحها التاريخ بأسره.

2- التفسير الماضوي:  السّفر يتحدث عن فترة اضطهاد الإمبراطورية الرومانية للمسيحيين، وانتهت أحداثه مع بدايات السماح للمسيحية بالتمدّد والانتشار.

3- التفسير التاريخاني:  أي أن السفر يتحدّث عن المسيحية منذ بدايتها حتى نهاية العالم/الدهر.

4- التفسير المستقبلي:  السفر في معظمه تقريباً يتحدث عن فترة نهاية العالم/الدهر.

ما سأقوم به الآن ليس تفسيراً متكاملاً أبداً، بل مجرّد ملاحظات معيّنة على بعض العبارات في رؤيا 13 و14، تعتمد طريقة السؤال عن غير الموجود، أي “لماذا ليس كذا؟”  أنا واعٍ إلى أنّ هذه الطريقة قد تفتح المجال لمئات التخمينات غير الدقيقة، ولكن القارئ سيرى أنّها ضرورية جداً ولا غنى عنها في بعض المواضع.

سأقسّم المقطع الذي أريد لفت الانتباه إلى بعض عباراته (وهو رؤيا 13 و14) إلى ثلاثة أقسام، وهي:

1- الوحش الأول.

2- الوحش الثاني.

3- الخروف.

 

1- الوحش الأول:

يبدأ الفصل 13 كما يلي:

1 ثُمَّ وَقَفْتُ عَلَى رَمْلِ الْبَحْرِ، فَرَأَيْتُ وَحْشًا طَالِعًا مِنَ الْبَحْرِ لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ، وَعَلَى قُرُونِهِ عَشَرَةُ تِيجَانٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِ اسْمُ تَجْدِيفٍ.
2 وَالْوَحْشُ الَّذِي رَأَيْتُهُ كَانَ شِبْهَ نَمِرٍ، وَقَوَائِمُهُ كَقَوَائِمِ دُبٍّ، وَفَمُهُ كَفَمِ أَسَدٍ. وَأَعْطَاهُ التِّنِّينُ قُدْرَتَهُ وَعَرْشَهُ وَسُلْطَانًا عَظِيمًا.
3 وَرَأَيْتُ وَاحِدًا مِنْ رُؤُوسِهِ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ لِلْمَوْتِ، وَجُرْحُهُ الْمُمِيتُ قَدْ شُفِيَ. وَتَعَجَّبَتْ كُلُّ الأَرْضِ وَرَاءَ الْوَحْشِ،
4 وَسَجَدُوا لِلتِّنِّينِ الَّذِي أَعْطَى السُّلْطَانَ لِلْوَحْشِ، وَسَجَدُوا لِلْوَحْشِ قَائِلِينَ: «مَنْ هُوَ مِثْلُ الْوَحْشِ؟ مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُحَارِبَهُ؟»

 

الفصل 17 يقدّم صورة شبيهة جداً لوحش تجلس عليه زانية.  الفرق هو أنّه في المقطع الأخير يقدم الفصل تفسيراً جزئياً عن ماهية ذلك الوحش:

7 ثُمَّ قَالَ لِي الْمَلاَكُ: «لِمَاذَا تَعَجَّبْتَ؟ أَنَا أَقُولُ لَكَ سِرَّ الْمَرْأَةِ وَالْوَحْشِ الْحَامِلِ لَهَا، الَّذِي لَهُ السَّبْعَةُ الرُّؤُوسِ وَالْعَشَرَةُ الْقُرُونِ:
8 الْوَحْشُ الَّذِي رَأَيْتَ، كَانَ وَلَيْسَ الآنَ، وَهُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَصْعَدَ مِنَ الْهَاوِيَةِ وَيَمْضِيَ إِلَى الْهَلاَكِ. وَسَيَتَعَجَّبُ السَّاكِنُونَ عَلَى الأَرْضِ، الَّذِينَ لَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُمْ مَكْتُوبَةً فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، حِينَمَا يَرَوْنَ الْوَحْشَ أَنَّهُ كَانَ وَلَيْسَ الآنَ، مَعَ أَنَّهُ كَائِنٌ.
9 هُنَا الذِّهْنُ الَّذِي لَهُ حِكْمَةٌ! اَلسَّبْعَةُ الرُّؤُوسِ هِيَ سَبْعَةُ جِبَال عَلَيْهَا الْمَرْأَةُ جَالِسَةً.
10 وَسَبْعَةُ مُلُوكٍ: خَمْسَةٌ سَقَطُوا، وَوَاحِدٌ مَوْجُودٌ، وَالآخَرُ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ. وَمَتَى أَتَى يَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى قَلِيلاً.
11 وَالْوَحْشُ الَّذِي كَانَ وَلَيْسَ الآنَ فَهُوَ ثَامِنٌ، وَهُوَ مِنَ السَّبْعَةِ، وَيَمْضِي إِلَى الْهَلاَكِ.
12 وَالْعَشَرَةُ الْقُرُونِ الَّتِي رَأَيْتَ هِيَ عَشَرَةُ مُلُوكٍ لَمْ يَأْخُذُوا مُلْكًا بَعْدُ، لكِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ سُلْطَانَهُمْ كَمُلُوكٍ سَاعَةً وَاحِدَةً مَعَ الْوَحْشِ.

.

.

15 ثُمَّ قَالَ لِيَ: «الْمِيَاهُ الَّتِي رَأَيْتَ حَيْثُ الزَّانِيَةُ جَالِسَةٌ، هِيَ شُعُوبٌ وَجُمُوعٌ وَأُمَمٌ وَأَلْسِنَةٌ.

التفسير التقليدي هو أنّ الزانية بابل العظيمة هي مدينة روما التي كانت تحكم “شعوباً وجموعاً وأمماً وألسنة”، ورغم أنّ مدينة أورشليم تقبع أيضاً فوق سبعة جبال، إلا أنّ رؤيا 11 يلمّح على ما يبدو أنّ أورشليم بفسادها كلّه تُسمّى روحياً “سدوم، ومصر” وليس “بابل”.

 

نعود إلى الوحش الأول في رؤيا 13:

3 وَرَأَيْتُ وَاحِدًا مِنْ رُؤُوسِهِ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ لِلْمَوْتِ، وَجُرْحُهُ الْمُمِيتُ قَدْ شُفِيَ. وَتَعَجَّبَتْ كُلُّ الأَرْضِ وَرَاءَ الْوَحْشِ،
4 وَسَجَدُوا لِلتِّنِّينِ الَّذِي أَعْطَى السُّلْطَانَ لِلْوَحْشِ، وَسَجَدُوا لِلْوَحْشِ قَائِلِينَ: «مَنْ هُوَ مِثْلُ الْوَحْشِ؟ مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُحَارِبَهُ؟»

الملفت هنا أنّ الوحش أخذ سلطانه من التنين، والتنين وارد في رؤيا 12، أيضاً له سبعة رؤوس وعشرة قرون، ولكن الفرق أنّ على رؤوسه سبعة تيجان، في حين أن الوحش الأول في رؤيا 13 لديه عشرة تيجان على قرونه، بينما وحش رؤيا 17 تمثل رؤوسه سبعة ملوك وتمثل قرونه عشرة ملوك آخرين متحالفين على ما يبدو مع الوحش بملوكه السبعة.

الملفت في وحش رؤيا 17 الرمزية المزدوجة فالرؤوس سبعة تمثّل سبعة جبال وسبعة ملوك في الوقت عينه!

 

التنين الوارد في رؤيا 12 هو الشيطان الذي يجرّ بذنبه ثلث نجوم السماء (ثلث الملائكة) الذين سقطوا معه.  وهو الذي يحارب ميخائيل وملائكته، ويُدعى المشتكي، ثم يسقط من السماء.  هو إذن كائن روحي وليس من الأرض أو البحر كما هو الحال مع وحشي رؤيا 13.  إذن، التنين هو الشيطان، والوحش الأول بحسب النص أعلاه يأخذ سلطانه من التنين فيسجد له الناس هو والتنين.

الوحش الأول ليس هو الشيطان كما يظهر.  إنّه كيان آخر يخرج من البحر، أي يخرج من بين الشعوب الكثيرة وليس من الأراضي المقفرة، ثم يأخذ سلطانه من الشيطان.  ويمنحنا الهرمسيون الباطنيون اسماً آخر للشيطان ألا هو “القانون العام”، حيث يرى بوريس مورافييف في كتابه “الغنوص/المعرفة الباطنية- الجزء الأول”  أن الشيطان هو الجانب المعنوي أو الأخلاقي من هذا “القانون العام”.  إنّه القانون المادي إن جاز التعبير الذي يسيطر على الأرض ويسيّر شؤونها فارضاً نفسه على حيوات الناس.

اللافت هنا أنّ الناس الذين يسجدون للوحش يفعلون ذلك بعدما رأَوا شفاءه من جرح مميت.  طيب، لماذا كان الجرح مميتاً إذا كانت الرؤوس الستة الأخرى سليمة؟!  الجواب ليس هيّناً، وذلك بسبب وجود الرمزيات المزدوجة:  أي الشيء نفسه يدلّ على أكثر من معنى، وهذا باعتراف السفر نفسه.  رؤيا 17 قدّم لنا مثالاُ اعلاه عن تفسيره للرؤوس السبعة، وسيقدّم لنا الآن مثالاً آخر:

7 ثُمَّ قَالَ لِي الْمَلاَكُ: «لِمَاذَا تَعَجَّبْتَ؟ أَنَا أَقُولُ لَكَ سِرَّ الْمَرْأَةِ وَالْوَحْشِ الْحَامِلِ لَهَا، الَّذِي لَهُ السَّبْعَةُ الرُّؤُوسِ وَالْعَشَرَةُ الْقُرُونِ:
8 الْوَحْشُ الَّذِي رَأَيْتَ، كَانَ وَلَيْسَ الآنَ، وَهُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَصْعَدَ مِنَ الْهَاوِيَةِ وَيَمْضِيَ إِلَى الْهَلاَكِ. وَسَيَتَعَجَّبُ السَّاكِنُونَ عَلَى الأَرْضِ، الَّذِينَ لَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُمْ مَكْتُوبَةً فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، حِينَمَا يَرَوْنَ الْوَحْشَ أَنَّهُ كَانَ وَلَيْسَ الآنَ، مَعَ أَنَّهُ كَائِنٌ.
9 هُنَا الذِّهْنُ الَّذِي لَهُ حِكْمَةٌ! اَلسَّبْعَةُ الرُّؤُوسِ هِيَ سَبْعَةُ جِبَال عَلَيْهَا الْمَرْأَةُ جَالِسَةً.
10 وَسَبْعَةُ مُلُوكٍ: خَمْسَةٌ سَقَطُوا، وَوَاحِدٌ مَوْجُودٌ، وَالآخَرُ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ. وَمَتَى أَتَى يَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى قَلِيلاً.
11 وَالْوَحْشُ الَّذِي كَانَ وَلَيْسَ الآنَ فَهُوَ ثَامِنٌ، وَهُوَ مِنَ السَّبْعَةِ، وَيَمْضِي إِلَى الْهَلاَكِ.

 

إذن الوحش يُعرَّف بأنّه “الوحش” وبأنّه “رأس ثامن” الذي هو من السبعة!  أي كأنّه ملك ثامن بديل عن كل الملوك/ الرؤوس السبعة السابقة رغم أنّه منهم، أي كأنّه استعادة لواحد منهم او استعادة لهم جميعاً.

مرة أخرى، لماذا الجرح في رأس واحد من وحش رؤيا 13 يُعتَبَر جرحاً مميتاً؟  ببساطة لأنّ وجود الرؤوس مع بعضها هو أيضاً أمر رمزي!  الملوك متتابعون ولا يحكمون سويةً، ومقتل أي منهم أو إصابته تهديد للحكم كله.  الرؤوس سبعة هنا هي تصوير لفائدة القارئ ولا يعبّر عن حقيقة تاريخية، أي الملوك السبعة لا يتواجدون معاً في الوقت ذاته.  ومع ذلك فمن الضروري عدم تعريف الوحش بواحد من الملوك فقط، لأنّ الملك فترة من حياة الوحش، ورغم وجود ارتباط مصيري بين كل ملك والوحش إلا أنّ حكم الوحش لا يقتصر على أيّ ملك/ رأس بالذات.  ومن هنا الوحش ليس شخصاً بل كيان اعتباريّ:  مملكة، دولة، نظام، مبدأ، مفهوم.

مع دراسة الوحش الثاني ستتضح أمور إضافية عن الوحش الأول.

 

2- الوحش الثاني:

11 ثُمَّ رَأَيْتُ وَحْشًا آخَرَ طَالِعًا مِنَ الأَرْضِ، وَكَانَ لَهُ قَرْنَانِ شِبْهُ خَرُوفٍ، وَكَانَ يَتَكَلَّمُ كَتِنِّينٍ،
12 وَيَعْمَلُ بِكُلِّ سُلْطَانِ الْوَحْشِ الأَوَّلِ أَمَامَهُ، وَيَجْعَلُ الأَرْضَ وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا يَسْجُدُونَ لِلْوَحْشِ الأَوَّلِ الَّذِي شُفِيَ جُرْحُهُ الْمُمِيتُ،
13 وَيَصْنَعُ آيَاتٍ عَظِيمَةً، حَتَّى إِنَّهُ يَجْعَلُ نَارًا تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى الأَرْضِ قُدَّامَ النَّاسِ،
14 وَيُضِلُّ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ بِالآيَاتِ الَّتِي أُعْطِيَ أَنْ يَصْنَعَهَا أَمَامَ الْوَحْشِ، قَائِلاً لِلسَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَصْنَعُوا صُورَةً لِلْوَحْشِ الَّذِي كَانَ بِهِ جُرْحُ السَّيْفِ وَعَاشَ.
15 وَأُعْطِيَ أَنْ يُعْطِيَ رُوحًا لِصُورَةِ الْوَحْشِ، حَتَّى تَتَكَلَّمَ صُورَةُ الْوَحْشِ، وَيَجْعَلَ جَمِيعَ الَّذِينَ لاَ يَسْجُدُونَ لِصُورَةِ الْوَحْشِ يُقْتَلُونَ.
16 وَيَجْعَلَ الْجَمِيعَ: الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ، وَالأَغْنِيَاءَ وَالْفُقَرَاءَ، وَالأَحْرَارَ وَالْعَبِيدَ، تُصْنَعُ لَهُمْ سِمَةٌ عَلَى يَدِهِمِ الْيُمْنَى أَوْ عَلَى جَبْهَتِهِمْ،
17 وَأَنْ لاَ يَقْدِرَ أَحَدٌ أَنْ يَشْتَرِيَ أَوْ يَبِيعَ، إِّلاَّ مَنْ لَهُ السِّمَةُ أَوِ اسْمُ الْوَحْشِ أَوْ عَدَدُ اسْمِهِ.
18 هُنَا الْحِكْمَةُ! مَنْ لَهُ فَهْمٌ فَلْيَحْسُبْ عَدَدَ الْوَحْشِ، فَإِنَّهُ عَدَدُ إِنْسَانٍ، وَعَدَدُهُ: سِتُّمِئَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ.

 

تفسير ماهية الوحش الثاني يبدو أكثر سهولةً من تفسير الوحش الأول، لا بل أنّ هذا المقطع الذي يورد ذكر الوحش الثاني يتعلّق بالوحش الأول أكثر مما يتعلق بالوحش الثاني.

الصفة الأسهل للتفسير هنا هي أنّ للوحش قرنين شبه خروف.  الخروف في سفر الرؤيا وفي العهد الجديد بشكل عام له دلال واحدة لا يمكن أن تُخطَأ.  إنّه الحمل المذبوح يسوع المسيح (انظر رؤيا 5 على سبيل المثال لا الحصر).  فإذا كان للوحش قرنان شبه خروف فهو إذن يتكلّم كالمسيح لكنه ليس هو.  “له صورة التقوى لكنه ينكر قوّتها” كما يقول التعبير البولسي.  وهذا يذكّرنا بالكثير من زعماء العالمين السياسي والديني الذين نراهم يتكلّمون بلغة دينية ويلوّحون بالكتاب المقدس في الهواء فيجذبون الجموع وفي مقدمته زعماء دينيين آخرين خلفهم.

وهنا نلحظ ثلاثة أمور غريبة بعض الشيء في ما يقوم به الوحش الثاني:

– يدعو الناس للسجود للوحش الأول: المملكة، الدولة، المفهوم، المبدأ، الكيان الاعتباري، وليس للسجود له هو شخصياً.

– يجترح ما يشبه المعجزات حين يجعل ناراً تنزل من السماء:  النار النازلة من السماء تذكّرنا بصور الأنبياء القدامى في العهد القديم وفي الأساطير؛ فإيليا مثلاً صلّى لكي تنزل نار من عند الله فتأكل ذبيحته.  الوحش الثاني إذن يقوم بدور ما يشبه النبيّ في خدمة الوحش الأول، والمهم أنّه لا يجعل الناس تسجد له هو نفسه.  وهذا غريب بعض الشيء بحسب مفاهيم النبوة التي يتبعها كثير من الناس اليوم.  الوحش الثاني هنا يمارس إنكاراً فريداً من نوعه للذات، فهو من جهة يشبه الخروف/المسيح فعلاً!  وفي ممارسته الكثير من الاتضاع والتواضع، فلا عجب أن يتبعه الناس معجبين بسلوكه وكلامه.

– الأمر الغريب الثالث هو أنّه يُحيي صورة الوحش الأول التي يصنعها الناس.  وهنا ياتي دور السؤال عن غير الموجود الذي نوّهت إليه في بداية هذه المقالة:  لماذا لم يصنع الوحش الأول صورة لنفسه ويدعو الناس إلى عبادتها أسوة بما كان يفعل الأباطرة الذين يكنون يبنون لأنفسهم تماثيل من ذهب وفضة ويدعون الناس إلى السجود إليها؟  لماذا لم يصنعها الوحش الثاني نفسه؟!  لماذا يسجد الناس لصورة للوحش الأول وليس للوحش نفسه مع أن المقطع السابق الذي يتكلم عن الوحش الأول يقول أن الناس يسجدون له؟

ماذا يعني السجود للصورة؟

إذا كان المسيح هو صورة (باليونانية:  إيكون) الله غير المنظور (كولوسي 1: 15)

ὅς ἐστιν εἰκὼν τοῦ θεοῦ τοῦ ἀοράτου, πρωτότοκος πάσης κτίσεως·

، فما هي صورة (إيكونا ποιῆσαι εἰκόνα τῷ θηρίῳ) الوحش؟  الصورة هنا دلالة ربما على التقديس والتكريس.  إنها كالتمثال الذي يصنع الوثنيّ لكي يسجد له دلالةً على إخلاصه وتكريسه للإله.

 

ولكن مجدداً:   لماذا احتاج إلى آخر يأمر الناس بصناعة الصورة؟

هل يدل هذا على أنّ الوحش الأول ليس كياناً ذا إرادة من ذاته بل يعمل من خلال الجماهير؟

هل يدلّ على أنّ الوحش الأول عبارة عن مفهوم أو مبدأ أو سيستام أو كيان اعتباري تصنعه الجماهير وتحيا من خلال المروّجين له/ا (الوحش الثاني ذو اللغة الدينية المسيحانية الفتّانة)؟

هل يدلّ على أنّ كل شيء سيتم بحسب الإرادة الجماهيرية شبه الواعية؟

ربما يكون ذلك.

النصّ يتابع بانّ الصورة ستتكلّم، ومن بين دلالات الكلام دلالته على الفاعلية والحضور والتأثير.  المبدأ/المفهوم/السيستم سيكون حاضراً وفاعلاً ومؤثراً، حاضراً بإرادة الناس الذين يصنعون الصورة بأيديهم بتشجيع من الوحش الثاني (أو بأوامر منه.  وهل هناك فرق؟!)  الذي يتكلّم بلغة المسيح.  ويبدو أنّ دافع صنع الصورة هو إعجاب الجماهير بالوحش الأول الذي قام متعافياً بعد إصابته بالجرح المميت.

ما هو الجرح المميت؟  كيف يُصاب المفهوم أو المبدأ أو السيستم (الذي يكون أحياناً ضمن مملكة أو دولة) بجرح مميت؟  ربما عندما يأتي مفهوم آخر ويتغلّب عليه.

هل يمكن أن يدلّ هذا على رسالة المسيح التي اخترقت السيستم الروماني (الذي يتميّز من بين كل الأشياء بقوة القانون وقداسته فوق كل اعتبار) وإصابة قيمه من كبرياء وافتخار وحب للقوة والسّلطة والسيطرة في مقتل؟  هل يمكن أن يدلّ عودة هذه القوانين إلى الحياة بشكل قانونيّ ورسميّ ومعترف به (وليس كأخطاء فردية وجماعية غير قانونية) بشكل ما في عصرٍ ما؟  هل هي محاولة قيامة ضدّ مبادئ ذلك “الذي غلب العالم” ورأى الشيطان ساقطاً من السماء كالبرق؛ محاولة قيامة تشكّل الملك الثامن الذي “يمضى إلى الهلاك سريعاً”؟  ما قد يجعل المرء يميل إلى هذه الرؤية هو أنّ الجرح سببه “السيف”، والسيف يشير أحياناً (وليس دائماً) إلى كلمة الله ووصاياه.  والمر هنا مرجّح لأنّ جرح الكيان الاعتباري لا يمكن أن يكون بسيف حقيقي ولا بأي سلاح آخر، بل مقتل المفهوم يكون باستخدام مفهوم او مفاهيم أخرى مضادّة له.

كيف تجرح منظومة؟  بمنظومة اخرى!

والذي يرجّح أيضاً هذه الرؤية هو أنّ الوحش الثاني يأمر بوشم الناس بسمة الوحش 666.  لن أدخل هنا في تفسير الـ 666 بل المهمّ هو تأثيرها.

لماذا لا يامر الوحش الأول بصنع السمة الخاصّة به؟  هذا سؤال شرعي، ودلالة أخرى على أنّ الوحش ليس له إرادة من ذاته.  إنّه منظومة مفاهيمية تفعّلها إرادة الجماهير.  لا بل إنّ الوحش الثاني يأمر بأن “تُصنَع” السمة، أي ليس هو من يصنعها.  من إذن؟  إذا لم يكن الوحش الأول هو الصانع ولا الوحش الثاني ذو اللغة المسيحانية المتميزة هو الصانع، من هو الفاعل؟  إنّها الجماهير نفسها!

هي تصنع السّمة التي ستخنم بها أفرادها!

ومن دون هذه السّمة لا يمكن لمرء أن يبيع أو يشتري.  لقد أشار المسيح إلى مثنوية تسود عبر التاريخ: الله ومامون (إله المال).

من لا يستطيع أن يبيع أو يشتري يعني أنه لا يملك شرعية بحسب منظومة إله المال، ومن يستطيع ذلك يعني أنه يملك شرعية بحسب منظومة إله المال.  الأمر ليس بهذه الصعوبة.

وبناءً على هذا فإنّ الوحش الأول سيحكم الناس بالقانون والمال أو بالأحرى بقانون المال الذي تروّج له وتشجّع عليه جهة تتكلّم كالخروف بلغة دينية مسيحية تستخدم بالتأكيد الكتاب المقدّس وتبدو في غاية التقوى من ناحية القوانين التي تسنّها.

 

هل من المهم الآن معرفة ماذا تعني الـ 666؟!!

 

 

الجزء المتعلّق بـ 3- الخروف سيأتي قريباً.

الإعلان

2 comments

  1. هل تعلم أن إله الإسلام هو إبليس وهو ملاك ساقط ينتحل إسم الله ليضل البشر ويجرهم للنار وأسمه في سفر الرؤيا التنين

    هل تعلم بحيلة إله الإسلام إبليس بخصوص تحذيرة للمسلمين من المسيح يسوع على أساس أنه المسيح الدجال وتلك هي خدعته

    هل تعلم أن محمد نبي الإسلام في سفر الرؤيا هو الوحش الأول

    هل تعلم أن المهدي المنتظر في سفر الرؤيا هو الوحش الثاني وهو أيضاً إنسان الخطية إبن الهلاك

    هل تعلم أن عيسى الإسلامي الذي سينتحل إسم المسيح في سفر الرؤيا هو النبي الكذاب

    هل تعلم أن بابل في الأيام الأخيرة في سفر الرؤيا هي الخلافة الإسلامية في آخر الزمان

    تلك هي أنباء الغيب من الكتاب المقدس بإمكانك البحث عبر قوقل والتأكد

    • قد يكون وقد لا يكون.
      هل لديك كتاب حول الموضوع؟ الغوغل فيه الكثير من الأشياء.

      عموماً أنا مسيحيّ ولست مسلماً.

      تحياتي

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.