بقلم فادي أبو ديب

عزيزي المتشرّد، أصلي لك كل الوقت وقد أرسلت لك البارحة طرداً يحتوي على بعض البرغل والزيت والصابون.
أودّ أن أؤكد لك من ناحية أخرى أنني مستعد دائماً لإرسال المساعدات بعد وقوع الكارثة، أما قبلها فأنا غير مستعد لتعكير صفو حياتي بالانضمام، ولو حتى اللفظي الشفهي، إلى أيّة حركة نضال تنتقد الوضع العالمي، كما أنني أمتنع عن إدانة اللصوص والفاسدين لأننا كما تعلم خطاة جميعاً وقد قال معلمنا “لا تدين كي لا تُدان” وقد طالبنا إلهنا بعدم انتقاد الحاكم وعدم توبيخه والامتناع عن كشف حقيقته. وبالنسبة إليّ فإنّ الغضب على أخي وشتمه وسرقة ونهب قوت الشعوب على مدى قرون خطيئتان متساويتان تماماً في نظر الله وبالتالي لا داعي لإدانة اللصوصية والعبودية وقلة الأخلاق.

اعذرني، فإذا كنت مناضلاً سيحلّ بي الإفلاس وستتم محاصرتي اقتصادياً، وعندها من سيرسل لك المعونات ؟ ومن سيدفع أقساط مدرسة أولادك (بالغة التكلفة بسبب النظام الذي لم أحرّك ساكناً ضده حين نشأ وامتد)؟ أنا مضطر للعمل معهم على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية للحفاظ على العجلة المالية لملكوت الله وللحفاظ على القوة التي تكفل عدم موتك جوعاً حين تتشرد.
سأرسل كل يوم قصيدة رثاء عنك إلى صحيفة مختلفة، وسأشجب تصرفات جميع الحركات المتطرفة التي ساهمت في تشريدك. ومع ذلك، فأنا غير قادر حالياً على شجب أفعال حكومتي التي ساهمت على مدى عقود في نشوء حركات أخرى في بلدان أخرى مجاورة لك. شكراً لله فالناس هناك لم يتشرّدوا بعد وبالتالي ليست هنالك أيّة مشاكل تستوجب تدخلي شفهياً أو عملياً. لا تقلق، سأرسل لك راتباً شهرياً يعوّضك عن ثقافتك المدمّرة ومجتمعك المفكك وقريتك المغتصبة وتراثك المكلوم وعالمك المتهافت وأحلامك المتبخرة وأولادك القتلى وابنتك المسبيّة وعرق جبينك المسروق وثقتك الجريحة بالله.

الله يحبك! والدليل هو وجودنا نحن بعظاتنا المسبوكة وفلسفتنا المتكاملة وتاريخنا المشرّف وحاضرنا النبيل ومستقبلنا المرسوم في أضيق الأروقة الاختصاصية ومؤسساتنا الاحترافية للعناية بك ومنشوراتنا الواضحة وكتبنا المقدسة التي يُطبع منها أكثر من أي كتاب آخر في العالم.