عندما أمتلك قيماً تقليدية (بالمعنى الفلسفي لمذهب الـtraditionalism) فمهما كانت ممارستها معوجّة عبر التاريخ يبقى بإمكاني أن أتعامل معها وأشذّبها وأهذّبها؛ فأنا أملك قيماً واضحة معرّفة أو شبه معرّفة ومنها أنطلق لأغيّر وأنقد. أمّا الفلسفات الحديثة والإيديولوجيات ما بعد الحداثية فلا تمتلك الأساس المفاهيمي للتغيير أو النقد أو حتى النضال المشروع من أجل أيّ شيء. الحجة المطروحة دائماً لنقض (وليس فقط نقد وتغيير) المفاهيم (وليس فقط الممارسات) التقليدية هي أنّها أتت بكثير من الشرور والمظالم إلى العالم (وهذا صحيح). ولكن لا ينتبه معظم دعاة النقض هؤلاء إلى أنّ دعوتهم للنقض كثيراً ما تُصاب هي نفسها بممارسة التقليدية (نقض القديم لأنّه قديم ولأنّه يجب أن ننقض ما أتى به سابقونا، وذلك من جرّاء الالتزام بعقيدة التقدّم التي تجزم أنّ الجديد بالضرورة أفضل من القديم والمعاصر يدرك بالضرورة أكثر من الغابر).
الفلسفة القائمة على التفلّت المطلق وقلب الهرميّات (نقض الهرم يأتي بهرم مقلوب ولا يأتي بالمساواة) لا يمكن أن تأتي بالحرية، لأنّ الحرّية تكون- كما أشرتُ في مقالة “’الحرية‘ كمصطلحٍ خاوٍ”- “من” و”لـِ”. والاسم الذي يأتي بعد “لـِ” يجب أن يمتلك تعريفاً واضحاً، وإن كان بالأحرف الأولى على الأقلّ. ولأنّ الفلسفات العدمية والعبثية لا تمتلك تعاريف واضحة، على الأقل للمفاهيم الإيجابية، بل كل ما تمتلكه هو النفي، فهي لا يمكن أن تقدّم مساراً للحريّة؛ فهي لا تقدّم في عبارتها الفلسفية اسماً مجروراً واضح المعالم يلي حرف الجرّ الذي يُخرِج المصطلح الذي يسبقه (وهنا “الحرية”) من حيّز العدم.
كلام منطقي سليم وصواب ارجو ان تمدني برابط مقالك السابق عن الحرية واي مقالات لك في فلسفة الاخلاق على اساس العقل . مشكورا
المقال السابق هو هذا
https://comingeon.wordpress.com/2017/04/19/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D9%91%D8%A9-%D9%83%D9%85%D8%B5%D8%B7%D9%84%D8%AD%D9%8D-%D8%AE%D8%A7%D9%88%D9%8D/
ولديّ مقالة أخرى هي “مقدمة في مفهوم الأخلاق”:
https://comingeon.wordpress.com/2013/10/07/%D9%85%D9%82%D8%AF%D9%91%D9%85%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%82/
يسعدني اهتمامك.
لك مني الشكر الجزيل ساخصص وقتا لقرائتهما بعناية تسلم
قام بإعادة تدوين هذه على مدونة يونس بن عمارة وأضاف التعليق:
مقال صغير ممتاز في الاساس المنطقي لنقض منطلقات العدمية والعبثية.
شكراً جزيلاً يا صديقي وأهلاً وسهلاً بك!