بقلم فادي أبو ديب
الفردانية تعني بالضرورة أنّ الجسدين لا يمكن أن يصيرا واحداً، وأنّ التضحية غير ممكنة، لأنّ التضحية تقوم على أنّ في كلّ من الطرفين بعض من الآخر من دونه لا يكتمل ’بمعنى ما‘. لهذا في المجتمعات الفردانية، وعند الفردانيين، من المستحيل أن يحصل الزواج حتى لو تمّ عقده أو إقامة طقوسه.
وفي المجتمع الفرداني، الحديث عن ’عائلة‘ هو مجرّد حديث عن تسمية لفظية لا وجود واقعي لها.
***
الثقافة الغربية ثقافة متقلّبة للغاية ولا يمكن التعويل عليها، فهي ’تختار لنفسها‘ في كل نصف قرن أو قرن أو بضعة قرون (بحسب عمق الفكرة ومقدار أساسيتها لباقي الأفكار) فكرة معيّنة وتذهب فيها إلى الطرف البعيد ثم تنقلب عليها، بعد أن تكون قد فكّكت كلّ المفاهيم لأجلها. مثلاً فكرة ‘الفرد‘ كانت فكرة رئيسية، ولكن هذه الفكرة تصطدم بالضرورة بفكرة العائلة، وبدل محاولة المصالحة بين الفكرتين تم تفكيك فكرة العائلة والجزم بعدم أساسيّتها (ولو أنها ما زالت ضرورية من الناحية البراغماتية)، بعد ذلك تم تفكيك فكرة الزواج وبعد ذلك مفهوم الزواج، وبعد ذلك مفهوم العمل وبيئته واهدافه، مفهوم التعليم واهدافه وغاياته وشكله…إلخ
الآن مع ظهور التكنولوجيا، ورغم وجود الفردانية، بدأ الحديث بشكل وسواسيّ عن وجوب وضرورة العمل على شكل فرق، بحيث لم يعد تقريباً بالإمكان أن يعمل الشخص بشكل منفرد أو يتقدّم إلى وظيفة من دون أن يدّعي أنّه قادر على العمل ضمن فريق، وصار الحضور على وسائل التواصل الاجتماعي والعضوية في الفرق الاجتماعية والأكاديمية والاقتصادية امور ضرورية على مستوى سلوك الفرد والأمة. تدريجياً يتم إلغاء فكرة مقدر ’الفرد‘ على التغيير، فكل فرد يجب أن يخضع إلى مجموعة من المقاييس والنورمات والمواصفات القياسية ويعمل من خلالها. ادّعاء أيّ فرد اليوم بأنّه يقدّم شيئاً جديداً على مستوى المعنى أو المنهج أصبح يُنظَر إليه على أنّه كوميديا رومانسية تنتمي إلى فترة الإيمان بالخرافات والأنبياء. لا بل إنّه يحارَب إلّا في حالة اكتشاف أنّ هذا الادعاء قابل للاستغلال بشكل كبير لتحقيق مرابح ضحمة جداً، كما يحدث مثلاً في حالة الناشطة غريتا تونبيري التي يعوّل عليها أرستقراطيو الأعمال في مجال تسويق البضاعة البيئية آمالاً كبيرة. في الحالة العادية، يتم كبح المحاولات للمبادرات الفردية التي يبدو أنّها تشكّك، مباشرة أو ضمنياً عن طريق منهج العمل، بالوضع القائم أو المناهج المتّبعة في كل المجالات تقريباً.
وقد يقول قائل إنّ هذه هي سمة التطور، فما يصلح لعصر لا يصلح لآخر. وهذا صحيح من حيث المبدأ، إلا أن التشديد على المبادئ الجديدة والتعصّب لها ثم التنكّر العملي للقيم الماضية يشير إلى ما يتجاوز التطور التاريخي. إنّه يشير إلى روحية حزبيّة أو دينية تطغى على ثقافة معينة لتجرفها كل بضعة عقود في اتجاه يختلف كلياً عن الاتجاه السابق، مع اعتناق نفس المنهجية الدّعوية التبشيرية التي تؤمن بأنّ المبدأ الحالي هو المطلق الوحيد. يمكن النظر إلى هذه الروحانية إذن على أنّها تعويض لا واعٍ للحسّ الديني والميتافيزيقي الأقدم، يخرج كل حين في لبوس جديد من دون يفقد تزمته، ولو أنّه يبرع في تغيير شكله وملافظه وبعض أساليبه.
ممتاز كالعادة بس نيابة عن القراء غير المسيحيين لما ذكرت فكرة أن الفردانية تناوئ مفهوم الجسد الواحد، هذا سيفهمه من له خلفية عن معنى الجسد الواحد أساسًا. إذا العبارة تتكئ على إحالة ضمنية مفقودة لدى بعضنا ومنهم أنا. أعرف بوجودها صح لكن أجهل كنهها.
يسعدني أن تكتب عن هذه النقطة بالذات.
شيء آخر نحتاجك في quora العربية لدي كثير من الأسئلة أطرحها عليك هناك وهناك أفضل لأنها ستفيد عددًا أكبر
معك حق صديقي. هذه المقالات مأخوذة من مناشير على فيسبوك، وقد يكون المنشور مسبوق بمنشور آخر. ولكن يسعدني أن أضع ملحوظة إضافية.
بالنسبة إلى كورا فآنا لدي حساب. ولكن المتابعة تحتاج وقتاً. عموماً سأرسل إليك رابط صفحتي هناك.
تسلم
https://www.quora.com/profile/Fadi-Abu-Deeb
تفضل
يمكنك بعد الإجابة في كورا إعادة نشر إجاباتك هنا كما أفعل في مدونتي.
إذا كان لديك أسئلة يمكننا أيضاً أن نجري حديثاً مسجلاً وننشره مثلاً، إذا كانت لديك
وسيلة سهلة للقيام بذلك.
الحديث أسهل من الكتابة وأكثر ديناميكية.
https://anchor.fm/benamara-younes