بقلم فادي أبو ديب

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في بيان مشترك مع ولي عهد الإمارات محمد بن زايد آل نهيان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن اتفاق سلام بين الإمارات وإسرائيل سيتم توقيعه بشكل رسمي بعد حوالي ثلاثة أسابيع. وبهذه الخطوة يكون التطبيع بين إسرائيل والإمارات قد صار أمراً رسمياً بعد سنوات من الزواج العرفي. وبهذه المناسبة نسجّل الملاحظات التالية.
-1-
دائماً كان هناك تشنج بين إيران الخمينية ودول الخليج العربي. وهذا أمر طبيعي وغير مستغرب. ولكنني أتذكر أن العداوة والخطاب اليومي والمتابعة اللصيقة لإيران من قبل الإعلام السعودي الإماراتي بدأ فجأة منذ بضعة سنوات، ولا أتذكر بالدقة متى. ولكنني أتذكر انطباعاً نامياً لديّ يتجلى على شكل سؤال لجوج: “ما الذي حصل لكي يبدأ هذا العدوان اللفظي الشديد؟” اعتقد ان هذا كان قبل أحداث اليمن.
وبالفعل كان هذا الخطاب ضرورياً. إزالة إسرائيل كعدو من الضروري أن يمر بمرحلة هامة وهو تخليق عدو آخر على نفس المستوى أو على مستوى أرفع. هذا ضروري جداً ضرورة أي تفاعل كيميائي في الطبيعة.
لا يمكن إسقاط عدو من القائمة وترك مكانه فارغاً. يجب أن يكون هناك بديل.
اليوم حصدوا ما كانوا يريدون. وأعترف أنها كانت خطة ناجحة جداً. الإعلام صناعة متكاملة، مثلها مثل تصنيع السيارات والطائرات والشوكولا والساعات.
-2-
يبدو أن الحواضر الجديدة لا تقوم إلا على أنقاض الحواضر القديمة. فلكي تقوم باريس ولندن كان يجب قتل أثينا وإنهاء روما كقوة فاعلة، ثم إعادة بنائهما كغرفتين فاخرتين ذواتَيْ هوية جديدة في متحف الحضارة. ولكي تعيش حواضر الشرق الأدنى والأوسط الجديدة مثل دبي وأبو ظبي والرياض كان يجب قتل دمشق بعد محاصرتها ونفي القاهرة وجعلها تعطش وحرق بغداد، واما بيروت فوجه جميل لم يكن من بدّ من تشويهه في عملية رمزية لا تغير كثيراً من الواقع على الأرض بقدر ما ترسم علامة على الجسد المتوسّطي الممزّق. كان يجب إنهاء الذاكرة.
عندما يريد المجرم المهووس أن ينهي جريمته لا يكتفي بطعن القلب أو ببتر الأطراف بل يسعى جاهداً إلى تشويه الوجه الجميل، لا لشيء إلا لكي يتلذذ بجريمته وساديته.
-3-
هل نلوم الإمارات؟ لا يوجد في المنظومة العالمية مكان للموقف الثالث (للمزيد اقرأ هذا المقال على الموقع). الدولة التي لا تطبّع مع إسرائيل في السر أو العلن لا يُسمح لها بالاستمرار كدولة مفتوحة على العالم. هذا قاطع وغير قابل للنقاش. كما أنه من غير المسموح في أي دولة أوروبية أن يصل إلى منصب رفيع شخص يحمل وجهات نظر قاسية بشكل عام تجاه إسرائيل، وإن وصل يُقال بطريقة ما. هذا ممنوع ونهائي.
لا مكان حتى للمحايدين.
من يريد أن يعيش ضمن المنظومة يجب أن يطبّع. الخيار الآخر المتاح هو أن تُعامل ككوريا الشمالية.
من لا يطبّع يجب أن يستعد لحروب متنوعة أسهلها المقاطعة الاقتصادية. عدم التطبيع لا يحرمك الرفاهية بل حقك في أساسيات المعيشة.