بقلم فادي أبو ديب
كنت أبحث عن معلومات عن الدكتور في كلية الاقتصاد في جامعة تشرين في اللاذقية، والذي صرح بلزوم تحويل الوقفة المأساوية للمواطنين السوريين على طوابير الخبز والوقود وغير ذلك إلى مسيرات تأييدية-احتجاجية تحمل فيها الأعلام والصور. وكأن بلاد العالم تكترث لنا أو كأن المواطن السوري الواقف تحت الشمس والمطر لا يكفيه عمره المهدور حتى يصيب ظهره وذراعيه وما بقي من جسمه بعلل دائمة.كما ذكرت سابقاً، في مثل هذه الحالات ينتابني نوع من الجمود لعدة ثوان وبعدها شعور شديد بالفضول والحيرة قبل أي شعور بالغضب أو الثورة.بلا طول سيرة، اكتشفت أن الرجل هو نموذج لمن هو “بتاع كلو” فهو دكتور في الاقتصاد في الجامعة، له صفحة على فيسبوك لتجميع الجماهير من دون هوية واضحة للصفحة، لديه برنامج ديني(!) في شهر رمضان، ويدعي الانتساب للغساسنة عبر أحد الشيوخ الأفاضل والمعروفين في تاريخ سوريا. بالإضافة طبعاً لصور مكتبية بالبدلة العسكرية.يعني الرجل مشروع “بطيخ مبسمر” مستقبلي، ولا يمكن النقاش معه بشكل فعّال. فهو غالباً نموذج مدعوم من قبل السّلطة وأجهزة الأمن التي تستعمل الدين كمخدّر؛ فالرجل الذي من المفروض أن يقدم أبحاثاً في الاقتصاد يشغل الناس بفيديوهات عن الإمامة وبعض المسائل الدينية التاريخية التي لا تسمن ولا تُغني عن جوع، بل تلهي الناس عن مشاكلها بمشاكل ذات طبيعة دينية ضيقة يصح في حالتها ان يُقال إنّ “الدين أفيون الشعوب”. لو كان رجل دين متخصصاً أو رجلاً طاعناً في السن، لقلنا هذا تخصصه أو إنه من زمن الشعارات القديمة ولا لوم عليه، ولكن في حالته هذه يظهر جلياً أن الرجل استثمار مستقبلي للسلطة الأمنية، مثله كمثل كثير من الصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي التي يديرها تجّار تتراوح أحاديثهم بين النكات السمجة والعبارات الدينية الروتينية، والتي يظهر أنّ لها وظيفة جماهيرية تقوم على تلميع صورة الطبقة الحاكمة والطغمة المحيطة بها، بالإضافة إلى نقل المسؤولية عن أكتاف المسؤولين الحقيقيين إلى أكتاف بعض الموظفين الهامشيين في الدولة.
سوريا هي إذن دولة تسمح بالترويج لدكتور في الاقتصاد اسمه أحمد أديب أحمد وتسجن عالماً في الاقتصاد اسمه عارف دليلة. هل تحتاج “لمعارض” من الناتو كي يراها؟ يا عيب الشوم! تسجن شخص لسنوات طويلة في عز عطائه، ثم تعيّره أنه ذهب ليعمل في بلاد فلان. أين كان سيعمل برأيك؟ هل تركت له مكاناً ليأكل فيه خبزاً، ناهيك عن أن يكون لديه مكان ليبدع؟العالم ليس راهباً أو ناسكاً لكي يموت في الرماد والمسوح. حتى الراهب يحتاج للخبز!
مشكلة سوريا اليوم أعمق بكثير من الحرب الخارجية رغم وجودها الواضح والعلني، وأعمق بكثير من مجرد حرب أهلية على المصالح رغم وجود هذا العنصر أيضاً.مشكلة سوريا ليست اقتصادية في الدرجة الأولى وليست سياسية وليست دينية في المقام الأول.مشكلة سوريا تاريخية-ثقافية. إنها محكومة بعقلية القرن الرابع عشر والخامس عشر، لأن فئاتها الاجتماعية والدينية كلها ما زالت عالقة هناك. تتصرف كما لو أن الموكب ليس مرتبطاً ببعضه وتتغير تفاصيله على مدار الساعة.البنية كلها لم تخرج إلى العالم بعد. السعودية بدأت تسبق سوريا وسبقتها فعلياً على مستوى الدولة. الأردن بعشائره سبق سوريا منذ أربعين عاماً رغم أنه أكثر فقراً ومعظم مناطقه أقل تمدناً بمقاييس القرنين العشرين والتاسع عشر. انسى الدشداشة والعقال. الأمر ليس ماديات و”اتباعاً للغرب”. الأمر أعمق: هل نخطط لبنية قادرة على مواجهة المستقبل أم لا؟بمعنى: هل بنيتك قادرة على مواجهة عام ٢٠٥٠ أم لا، بغض النظر عن رأيك الشخصي بهذا المستقبل؟الأمر لا يتعلق برأينا الشخصي بآل سعود ومحمد بن سلمان أو ببشار الأسد. العقل هو أن نتعامل مع الكليات والبنى الكبرى وتموضع هذه البنى ضمن البنى الأكبر وكيفية تواؤمها.