بقلم فادي أبو ديب

(1)

تستطيع أن تطالب فرنسا بالاعتذار عن مجازر جيشها في أفريقيا والجزائر وفي كل بقاع العالم، وتستطيع أن تسأل لماذا لا يشغل معظم الفرنسيين بالهم بهذه المظالم وبالجماجم الموجودة في المتاحف، ولكن أن تعتقد أنه يجب عليهم أن يعتادوا على أنه من الطبيعي أن يمر تلميذ ويقطع رأس مدرّسه بدل أن يقول له عمت صباحاً، فهذا يعني أنك قد تجاوزت حدود المعقول والمنطق.

تكرار هذه الحوادث في فرنسا يدل بالطبع أن البيئة المنتجة لهذه الأحداث تعيش أزمة عميقة.

ليس عيباً. جميعاً نتعرض لأزمات ونسعى لعلاجها.

العيب هو أن أتصرف كأن الأمور طبيعية.

(2)

منذ خمسين عاماً كان الطالب الذي يعتدي على مدرّسه ولو باللفظ يعتَبَر “فاجراً” من قبل جميع الناس. اليوم وصلنا إلى وضع الانقسام إلى فريقين أمام حادثة ذبح تلميذ لمدرّسه. وذلك لأننا “يخزي العين” لم نعد نستطيع أن نأخذ موقفاً من أي حادثة قبل معرفة هوية الجاني والمجني عليه وتاريخ الدولة والمجتمع والدين التي ينتمي إليه كل منهما. هذه هي سياسة القطيع وسياسة “الحكم بحسب الهوية” وليس بحسب المحاججة المنطقية.نحن في الدّرك الأسفل بالفعل.

(3)

دة الفعل العنيفة على السخرية والنقد، والتي تصل إلى القتل، لا تدل على الرجولة ولا الشجاعة ولا الصلابة ولا أي شيء من هذا القبيل، بل تدل على نوع خبيث من البدائية والمراهقة المنحرفة وعدم القدرة على المواجهة الطويلة الأمد.القتل يعني أن الشخص يريد أن يواجه الصعوبة او التحدي وينتهي منه خلال ثوان لأنه عاجز عن الوقوف طويلاً، عاجز عن الصمود والعمل المضني الطويل الأمد.لهذا لن يحقق أصحاب هذا المنهج شيئاً. ولو احتلوا العالم غداً أو بعد غد، فسيُهزمون لا محالة، لأن طبيعة الحياة وسرّها يُمنحان لمن يفكر ويعمل من أجل الأزمنة البعيدة.