بقلم فادي أبو ديب

يمكن للعرب (كمؤسسات سلطة تقليدية) أن يخترعوا لك أية فلسفة سلطوية أو يعتنقوا أية إيديولوجية تقدمها لهم شرط أن لا يكون لها علاقة بتحمل المسؤولية.وفي هذا السياق بشكل خاص، يحب هذا الجزء من العرب أصحاب السلطات التقليدية موضوع “التركيز”. يريدون أن يطبقوا قاعدة one thing at a time. فهم قادرون على محاربة جميع دول العالم، ولكنه غير قادر على فتح جبهتين معرفيتين في آن واحد. بيضيعوا! وكأن الحياة كلها ليست هكذا، وكأنّ التاريخ ينتظرنا، أفراداً وجماعات، لنرتب جبهاتنا واحدة واحدة “على رواق”. وكأن أجسادنا نفسها تنتظر انتهاء مشاريعنا وأحلامنا لكي تبدأ بالذبول والمرض. وكأننا لا نحارب في مئة معركة في كل يوم لكي نعيش. مرحباً، هذ هي الحياة!هذا ليس حكراً عليهم بالطبع. تميل السلطات في العالم إلى التملّص من المسؤولية، حتى يكاد يكون هذا التملّص جزءاً من تعريف السلطة.

ولكن في الدول العربية ومعظم الدول الإسلامية لا يوجد في المجتمع مؤسسات غير سلطوية، أو خارج-سلطوية تأخذ شيئاً من هذه المسؤولية والاعتراف بها على عاتقها فتخلق نوعاً من التوازن، ولو على المستوى النفسي، إذا لم يكن ممكناً على المستوى القانوني والعملي.

ليس عند العرب (كمؤسسات سلطة تقليدية) حائط مبكى ولو على سبيل التمثيل والضحك على الذقون. أي لا يوجد أي كابح لجماح مسيرة تجاهل المسؤولية، ولو على مستوى الوعي بالشيء، إذا افترضنا أن العمل على عكس مفعوله أمر بالغ الصعوبة.أما جلد الذات فيختلف عن تحمل المسؤولية. الرغبة بتحمل المسؤولية ليس تمضية وقت فراغ نملؤه بمشاعر المازوشية، بل شعور بالثقة والرغبة بالعمل وتجشّم المشقات والاعتراف بالأخطاء “بمسمياتها” ولكن من دون مبالغة في الولولة، والأهم من دون نظم القصائد المطوّلة للوقوف على الإطلال.لا بل يمكننا القول إن جلد الذات ليس إلا الوجه الآخر لعدم الرغبة بالاعتراف بالمسؤولية، لأن جلد الذات غالباً ما يتخذ شكل البكائيات التي تتأمل بالوقائع الحتمية والتصورات الكونية الجبرية والمظلوميات والتفكر بالأقدار وضرب إبر مخدرات الاستشهاد ورثاء النفس بوصفها ضحية لكل شيء ولأي شيء وطرح أسئلة “بلاغية” تبدأ بلماذا، من دون وجود أية نيّة للإجابة على السؤال.