هل ما يحدث في الأردن عفويّ أم منظَّم ومخطَّط له؟


بقلم فادي أبو ديب

أتابع باهتمام ما يحصل حالياً في الأردن؛ فالمسألة التي من الواضح الآن أنها باتت تدور حول دور مفتَرَض للأمير حمزة بن الحسين، الأخ غير الشقيق للعاهل الأردني عبد الله الثاني، ووليّ العهد السابق (1999-2004)- حول دور مفترض في محاولة اتخاذ دور جديد غير مسموح له دستورياً بحسب ما يقوله ضالعون في الشأن الأردني.

الاتهام العلني الذي خرج منذ بضعة أيام على لسان نائب رئيس الوزراء الأردني ووزير الخارجية، أيمن الصفدي، يدل بما يرقى إليه الشكّ أنّ تحركات الأمير حمزة الأخيرة ونشاطاته الاجتماعية وتقاربه مع بعض العشائر والقبائل الأردنية أغضبت السلطة الأردنية ورأس الهرم فيها؛ فمن غير المسبوق تناول أحد الأمراء الهاشميين في المملكة بهذه اللغة وبمثل هذه العلنية؛ فالحكومة الأردنية اتهمت الأمير بأنه يقوم بتحركات من شأنها زعزعة استقرار المملكة وتستهدف الوطن. وكانت صحيفة الواشنطن بوست قد أعلنت منذ أيام أنّ الأميرة حمزة بن الحسين رهن الإقامة الجبرية، الخبر الذي سارعت السلطة الأردنية لنفيه، قبل أن يخرج الأمير نفسه في تسجيل مصوّر يؤكد أن قائد الجيش الأردني، اللواء يوسف الحنيطي، قد زاره وطلب منه التزام المنزل وعدم القيام بأيّة تحركات او زيارات باستثناء زيارة العائلة والأقارب.

فما الذي يحدث في الأردن، وهل هذا خلاف “عفوي” إن صح استخدام هذا المصطلح داخل الأسرة الهاشمية الواحدة؟

من المبكر التكهن بأبعاد ما يحصل الآن، كما أنه ليس من الحكمة أخذ كل ما يُقال عن الأمر بشكل جدّي وخاصة فيما يتعلق بوجود رغبة من بعض الدول الأخرى بقلب نظام الحكم في الأردن. ولكن بعض السلوكيات والظواهر الحالية تجعل المراقب يشعر بوجود مخطَّط يستهدف بشكل او بآخر السلطة الحاكمة في الأردن. هذا الترجيح هو ترجيح موضوعي، ولا يعني أنّنا نمجّد السلطة في الأردن أو ننكر ما فيها من علل عميقة. ما يدفع المراقب للشعور بوجود مخطط متشعّب يستهدف السلطة الأردنية الحالية هو التالي:

1- التسريبات المتتالية من فيديو وملفات صوتية من قبل الأمير حمزة والحلقة المحيطة به، وكأنّ كل منها مدروس بدقة لكي يردّ على تصريح من تصريحات الحكومة الأردنية.

2- التنظيم الواضح على وسائل التواصل الاجتماعي لأنصار الأمير حمزة وخاصة من عشائر معينة سُجِن بعض أفرادها في حركة الاعتقالات الأخيرة. وهو يذكر ببداية ما يسمى بالثورة السورية وأيضاً ما دُعي بثورة 25 يناير في مصر.

3- استعمال الناشطين خطاباً ساخراً يرفض بشكل مسبق كلّ ما يخرج عن الحكومة الأردنية. (قد لا يكون هذا عاملاً حاسماً بالضرورة للاستدلال على وجود مخطط، ولكن مع وجود العوامل الأخرى ينبغي لنا قراءة هذا العامل بطريقة غير عفوية).

4- المبالغة في بعض “ترندات” وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة تلك التي تتحدث عن “اختفاء” الأمير، على أساس أنّ الأمير كان في الحالة العادية دائم التواصل الإلكتروني والبصري والمسموع، وهذا غير مرجَّح، وخاصة بعد أن قال العاهل الأردني إن أخاه موجود في قصره.

5- نشر بعض المقاطع المصورة للأمير حمزة وهو يخطب في جمهور غير محدد ويتحدث بمفردات تدعو إلى “التغيير”. وهذا خطاب قد لا يعني أي شيء في ظروف عادية، ولكن ضمن هذا السياق، من الواضح ما الذي يعنيه “التغيير”.

6- التركيز الواضح على عناصر الكاريزما عند الأمير حمزة بشكل يحيل فوراً على الفروقات بينه وبين أخيه ملك الأردن، وبشكل خاص أيضاً بينه وبين ولي العهد الحالي، بالإضافة إلى استعادة نصوص ومقولات للملك الراحل الحسين بن طلال وهو يصف ابنه حمزة بطريقة حميمة وتدعو للثقة به وتشير إلى وجود من يغارون منه (هل هذا يشير إلى إخوته مثلاً؟). فالأمير حمزة هو اكثر إخوته شبهاً بأبيه الراحل من حيث الوجه والصوت وطريقة الكلام، بالإضافة إلى لهجته العربية الأصيلة وسلوكه المتواضع وتواصله مع العشائر بطريقة تحرّك لديهم مكنونات معينة.

Image
الأمير حمزة ووالدة الملك الراحل حسين بن طلال

7- هذه الأحداث كلها تأتي بعض رفض السلطة الأردنية بقيادة الملك عبد الله الثاني صفقة القرن لإنهاء القضية الفلسطينية بطريقة تكون فيها إسرائيل الرابح الوحيد، وتاتي أيضاً بعد تدهور شديد في العلاقات الأردنية-الإسرائيلية كانت آخر تجلياتها منع الأردن طائرة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، التحليق في أجواء المملكة.


كل هذا لا يعني أنّ الأمير على خطأ والسلطة على حق، ولكن القصد هو تبيان أنّ ما يحصل في الأردن الآن ليس مجرد حدث عفوي بل يظهر أنّ وراءه مخططاً ما، حتى من دون الربط بين الأمير وبعض المقبوض عليهم. كما أنه لا يعني بالضرورة أن الأمير حمزة يقبل بما يرفضه أخوه، فكل هذه الأمور في علم الغيب والعارفين بكواليس الدبلوماسية. ولكن لا يمكن الاعتقاد أن الأمر خلاف عفوي بين الملك شقيقه كان بالإمكان حله ضمن نطاق العائلة ومن دون تحركات أمنية وعلنية واضحة.

الإعلان

2 comments

    • بالضبط، لا سيما وأن المسألة تأتي في وقت يعاني فيه الأردن من ضغوطات جمة بسبب الكورونا وتداعياتها.
      أشكرك صديقي يونس.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.