بقلم فادي أبو ديب
كنت قد “التقيت” بالشاعر والكاهن السويدي الراحل “بِرنت بِريستروم” Bernt Bergström (1924-2004) خلف زجاج إحدى واجهات العرض (كنوع من المعارض المؤقتة) في قرية/ بلدة كنت أداوم على زيارة مستوصفها الصحي. يومها كنت أتجول في البلدة “المنكوبة” (ونكبتها هذه قصة أخرى) لأضيع بعض الوقت حتى يقترب موعدي في المستوصف البعيد على حدود البلدة باتجاه الخروج منها. بعد ذلك أكملت طريقي إلى المستوصف، وبعد أن دخلت وقمت بالإجراءات اللازمة جلست في زاوية مضيئة في أقصى طرف المستوصف الكبير لأنتظر الممرضة. وإذ بي أتفاجأ بوجود ديوان شعر للشاعر نفسه على المنضدة، وهذا ليس شيئاً اعتيادياً حسب خبرتي على الأقل.قرأت له بضعة قصائد وأنا منبهر ببساطته وقدرته على تصوير اليومي والعادي بطريقة مؤثرة. في ديوان “إعلان ولادة” Livsannons ترد القصيدة التالية التي تجمع ما بين الوحشيّ والحميميّ في حياة الفلاح، حياة الريف البسيطة والنقية ولكن القاسية والمليئة بالفراق والترك. الزهرة الزرقاء Blåklint التي يذكرها الشاعر هنا مشهورة في الحقول السويدية، وهي أيضاً الرمز الأهم للحركة الرومانسية الألمانية في بدايات القرن التاسع عشر.
لا يُلام الفلاح على رشّه لحقوله
الزهرة الزرقاء بالنسبة إليه
عشبة ضارة ينبغي مكافحتها
نظافة الأرض تجعله يشعر بالسلام
إنها سبيله إلى الوجود.
ولكن في لحظات مبعثرة
يعترف لنفسه أنه كان أكثر حظاً من قبل
حين كان يستطيع أن يأتي بباقة من الزهور الزرقاء
في مساءات السبت
في ذلك الصباح، شعرت أنّ لقراءة الشعر عليّ تأثير يشبه السحر وأنّ هالة المرض بدأت بالانحسار والتلاشي وكأنّه لا شيء.
وفي الواقع فإنّه من الصعب إيجاد أي شيء منشور على الإنترنت عن هذا الشاعر، عدا مقابلة قديمة مطبوعة على الآلة الكاتبة عمرها حوالي 40 عاماً، وعدا خبر وفاته عام 2004 وربما بعض الأخبار الهامشية إن وُجِدت، وعدد من كتبه للبيع.
اليوم كنت أزور مجموعة قرى بعيدة عن البلدة تلك، في الطرف الآخر من مقاطعتنا الكبيرة. المكان جميل وغريب بعض الشيء، ملفت بطبيعته وتقسيم أراضيه الزراعية وبيوته التي تعود بالإنسان قروناً إلى الخلف. دخلت الكنيسة المفتوحة. في الكنيسة كانت هنالك ورقة مطبوعة من أجل تأمل مناسبة عيد القيامة القادم. مجموعة من نقاط التوقف داخل الكنيسة الصغيرة تساعد الإنسان على عبور ما يشبه “رتبة الآلام” المعروفة في الكاثوليكية. مثلاً: قف هنا واقرأ هذه العبارة الإنجيلية أو فكر بهذه الفكرة او صلِّ هذ الصلاة القصيرة أمام الهيكل المفتوح….أو قف أمام البيانو المفتوح (وعليه نوتة صغيرة وقصيرة لكي يعزفها الشخص مهما كان جاهلاً بالموسيقى) ثم اقرأ هذه العبارة أو الصلاة القصيرة…قف أمام هذا الوعاء وغطّس إصبعك في الماء وارشم جبهتك بعلامة الصليب واقرأ كذا…وهكذامررت على بعض النقاط من دون أن أتبع الورقة التي اكتشفتها متأخراً.
حين عدت نحو باب الخروج لأشعل شمعة وأمضي، وإذ بي ألتقي -مجدداً- بالشاعر نفسه: نسخة واحدة فقط من هذه المجموعة الشعرية “هنا يتوقف طريق العموم/الطريق العام” Här Slutar Allmän Väg. لم أتردد في شرائه (وهنا لا يوجد من تشتري منه. كل شيء يتم إلكترونياً والأمر متروك للضمير) وأنا أشعر أنّ هذه “المصادفات” السعيدة ليست إلا نوعاً من اللكزات اللطيفة التي أحس وكأنها تأتيني من جهة ما.
هذا المساء التقيت بملاك
وكنا سوف نتحدث عن الشِّعر
فسمّيت [الشاعر] نيلس فِرلين
وتساءلتً ما إذا كان محقاً
حين قال
إنّه في الناحية الأخرى
لا يوجد حتى عصفور رماديّ صغير
عليك أن تتذكر
أنّه حين كتب القصيدة
لم يكن قد وصل إلى هناك بعد
هكذا قال لي الملاك وابتسم برِقّة
***
وحيداً يقبع الكوخ في الغابة
تعصف فوقه الرياح الجليدية
وخلف النافذة المتجمدة
تشعّ زهرة خبيزة حمراء
وحيدةً تجلس العجوز في المطبخ
والنار تشتعل في الموقد المخلَّع
تشرق قهوتها من الصحن
بالطريقة المعتادة القديمة
والآن يزحف الشتاء مقترباً
الجوّ الرمادي والبرد والثلج
وحيدةً تقبع العجوز في كوخها
وحيدةً سوف تموت
27 آذار- 21 نيسان 2021
فعلا المقتطفات مؤثرة على الرغم من بساطتها.
بتمنى تكون صحتك هلأ تحسنت، وبتمنى تضل بخير.
شعره بسيط وحلو وشعرت أنو صادق جداً مع حياة الريف ولا يبالغ أبداً. إذا ذكر مأساة فالمأساة حقيقية، وإذا سأل سؤالاً لا يبالغ فيه.
أشكر لطفك الشديد. الحمد لله في طريق الشفاء بإذن الله. لك الخير أيضاً🌞
صحيح مافي تكلف أبدا. الحمد لله إنو أمورك أحسن وان شاء الله دايما للأفضل مع شمس وبلا شمس 😊
تسلمي يا رب، بالشمس وبالضباب ☺️