بقلم فادي أبو ديب
3 أيار 2021
(1)
على سيرة رفض يورغن هابرماس لجائزة الشيخ زايد واندفاع الكثيرين للمقارنة بينه وبين المفكرين العرب:
في نظر بعض السلطة العربية وجزء كبير من العوام فإن المفكرين والأدباء العرب “نفسهم دنية” ويقبلون جوائز الأنظمة.
المفكر العربي ترفض السلطة غالباً توظيفه في الجامعة وإن وظفته فبراتب بالكاد يسد رمقه، وترفض أن يكتب بحرية في الصحف المحلية وإذا كتب فبشكل شبه مجاني، وإذا لم ترفض توزيع كتبه رفضت دور النشر مشاركته في الأرباح، ويرفض القارئ العربي إذا استطاع شراء كتبه أن يشتريها حقاً ويدفع ثمنها، ثم يتم تخوينه إذا كتب لصحيفة مغضوب عليها، ثم يُشتم إذا عمل في مركز دراسات مشبوه، ثم يُتهم بالتخلي عن وطنه و”الجماهير” إذا لجأ للخارج وكتب في الفكر النظري أو نشر بلغة أجنبية. وهو أصلاً غير معترف به إذا لم يكن موالياً للسلطة من جهة ولميول الشعب ونزواته وخرافاته من جهة أخرى، فلا يُدرّس ولا يُعترف به ولا يُكرّم ولا أحد يدافع عنه في الملمّات.
العرب، ولأنهم بملحديهم قوم يسطو عليهم الوهم الطهراني ويفترس عقولهم، يريدون للمفكر أن يكون ناسكاً لا يأكل ولا بشرب ولا يتزوج ولا ينجب ولا يحتاج، ويعيّرونه حين يتقدم به السن ويريد أن يعمل ولو في أي مكان، ليشعر ولو بعد فوات الأوان أنه على قيد الحياة وقادر على الإنتاج. ثم يقارنونه بأكاديمي “شبعان” مثل هابرماس، خبر الحياة بالطول والعرض وعنده ترف الاختيار وهو مكرّم في بلاده وغير بلاده.
هامش: منذ بضعة أيام فقط تمكّن أصحاب اليد الطويلة في المغرب من طرد المفكّر المغربيّ سعيد ناشيد من عمله ومكان رزقه كمعلّم متواضع في إحدى المدارس المغربية وذلك بسبب كتبه وكتاباته. هذا المثال هو فقط أحدث الأمثلة عن حدث “متواضع” لما يواجه المفكّر العربي، والذي يمكن بسهولة أن ينتهي بالقتل أو بمحاولة القتل، كما حدث مع الراحل نجيب محفوظ ومع المغدور فرج فودة والمغدور شكري بلعيد والمغدورين حسين مروة ومهدي عامل ويوسف السباعي ومع آخرين اغتيلوا لأسباب تكفيرية أو أسباب سلطوية سياسية على يد الأنظمة العسكرية والأمنية العربية، وحتى مع الأب الراحل غريغوار حداد حين خرج عن الإيمان الشعبي للموارنة في لبنان فنال نصيبه من الاعتداء الجسدي الذي لم يراع فيه حرمة السنّ والشيخوخة.
(2)
العرب بمجموعهم-وطبعا بلا تعميم مطلق- في النظرية أكثر من كماليين، في التطبيق أكثر من براغماتيين، في إلحادهم أكثر من متدينين طهرانيين، وفي تديّنهم أكثر من تجريديين هوائيين. في “تأوربهم” أكثر من عرب فينظّرون حتى على الأوروبيين، وفي استعرابهم أقلّ من عرب، فنراهم يكفّرون إخوانهم العرب على قلة عروبتهم.
10 كانون الثاني 2021
الحمد لله أنني لا أمتهن الكتابة وهي لا تشكل مصدراً من مصادر الدخل لديّ. ولكن يخطر في بالي بين حين وآخر السؤال عن كيف يمكن لكاتب أو مفكر أو فيلسوف عربي أن يعيش من كتابته أو فكره، إذا كانت لا توجد جهة “حرة شريفة” يعمل بها وكتبه بالكاد تُباع و”الشرفاء” يعتقدون أنهم ليسوا بحاجة إلى “ترفه الفكري” الذي يتطرق إلى “مسائل غير عاجلة ولا تهم قضايا الإنسان العربي ‘الأساسية'”، وكانت الجامعات لا تشغّل في تسع وتسعين بالمئة من الحالات إلا المرضيّ عنهم سياسياً وحزبياً.هناك من يدفع له ليكتب ويفكر، وخاصة إذا صودف أن هذا المفكر يتفق أصلاً من الناحية الفكرية مع الداعمين. لماذا تعيبون عليه وأنتم لم تحاولوا إعطاءه رغيف خبز؟
كلام منطقي مع إني ما بعرف هابرماس 🙂
أذكر أن أحد الكتاب الجدد وضع منشورا يعلن فيه عدم مسامحته لكل من يقوم بتحميل كتبه وقراءتها مجانا فتعرض للكثير من الانتقادات لأنه يطالب بحقة وثمرة مجهوده شأنه شأن أي عامل أو موظف. لا يمكن لأي كان في مجتمعاتنا أن يعيش من الكتابة وحدها ولا يوجد في مجتمعاتنا حرية فكرية نعم مع الأسف.
المشكلة أنّ المزايدات هي دائماً علامة على المجتمعات المأزومة، واليوم نجدها في كل مكان وتتسيد الإعلام العالمي كما العربي.
بالطبع للكتابة حقوق كأي مهنة أخرى وخاصة الكتابة الأكاديمية، لأن الكاتب يصرف كل جهده وماله في توفير الكتب والأبحاث والدراسات كما يصرف وقته على عمله بما فيه العمل الإبداعي. طبعاً ضمن ظروف معينة يجب على الكاتب أن يضحي ببعض حقوقه، وخاصة إذا كان لديه مورد آخر للعيش، كما في حالة المجتمعات الفقيرة.
الأسوأ هو أن السلطات تدفع في معظم الأحيان الكتّاب للارتزاق بعد إغلاق كافة السبل في وجههم.
أما هابرماس فهو واحد من أهم الفلاسفة الألمان والعالميين المعاصرين. البعض يعتبره آخر الفلاسفة الكبار الأحياء. مع ذلك، لم أقرأ له بعد! :)
تمام، شكراً ع الإضافة.
هلا :)